لايكاد يخلو بيت مغربي من اشرطة أو أقراص موسيقية لمجموعة "ناس الغيوان"، بل حتى شباب هذا العصر لازال متعلقا بشكل كبير بهذه المجموعة الموسيقية التي ألهبت ولازالت تلهب حماس ملايين المغاربة والعرب، بأغانيها ومقاطعها التي لم تعد مجرد رمز موسيقي مغربي، بل تعدى صداها إلى خارج الحدود، سواء جنوبا نحو القارة الافريقية، أو شرقا نحو منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.

جيل التأسيس .. بداية "الثورة"

في بداية سنوات السبعينيات من القرن الماضي، وتحديدا في سنة 1970، اتفق خمسة فنانين شباب ينتمون إلى (الحي المحمدي) أحد أشهر أحياء الدار البيضاء، على تأسيس مجموعة موسيقية، أطلقوا عليها منذ البداية "ناس الغيوان"، لقد كانت بداية "ثورة موسيقية" حقيقية، ألهمت وألهبت حماس الملايين، وجعلت الناس تركب أمواج "الظاهرة الغيوانية" منذ أولى خطواتها.عمر السيد، العربي باطما، بوجمعة أحكور الملقب بـ "بوجميع"، علال يعلى وعبد الرحمن قيروش الملقب بـ "باكو"، هؤلاء هم من صنع "ناس الغيوان"، وهم من أطلقوا "الشرارة الغيوانية" الأولى، ربما دون أن يتوقعوا أنهم قلبوا موازين الموسيقى المغربية لفترة  طويلة من الزمن، وأنهم كانوا يصنعون مجدا غنائيا يصعب لاحقا منافسته.خمسة أسماء لرواد التأسيس يحفظها المغاربة عن ظهر قلب، حتى باتت تقليدا يوميا على شفاه الملايين، ليس لمجرد الترفيه والاستمتاع، لا بل لأجل الذهاب إلى ما وراء الأغنية، واستخلاص الدروس والعبر والمفاهيم، لأنهم ببساطة أسسوا لفن نادر وأسطورة ظلت صامدة لأجيال متعاقبة، مقاومة كل عوامل التحديث والمدخلات التي باتت تعرفها الأغنية المعاصرة.

الغيوان ... أكثر من مجرد مجموعة موسيقية

لاغرابة أن تصادف اليوم في ساحة "جامع لفنا" بمراكش، أو ساحة "لهديم" بمكناس، أو غيرها من الحواري والأزقة والساحات والمنتديات، شبانا وشابات يتغنون ويتغنين بجزء يسير من "ريبيرتوار" المجموعة التي سكنت القلوب والأفئدة.لقد اصبح ترديد أغاني "ناس الغيوان" –كما كان في السابق- في مدن وقرى المغرب، ليس مجرد لحظة للترفيه أو الاستمتاع، بل إن الأمر أكثر من ذلك، ما دامت الأغنية الغيوانية تطرق ابواب كل الظواهر المجتمعية، وتدغدغ أحاسيس كل الفئات العمرية، بل وتلامسكل الهموم اليومية، حتى إن بعض عناوين أغاني "ناس الغيوان" باتت رمزا ودلالة مباشرة على ظواهر اجتماعية معينة، مثل أغنية "الصينية" أو"مهمومة" أو "وسط الحملة" أو "امتى يصفى الحال" التي تعني "متى تصبح أحوالنا صافية"، وعبارات وكلمات أخرى.لقد وجد المغاربة على مرور الأجيال في مجموعة "ناس الغيوان"، أكثر من مجرد غناء وموسيقى، وإن كان الطابع الغنائي لهذه المجموعة يمتلك مميزات خاصة، فقد تجاوز الأمر ذلك إلى حد اعتبارها ظاهرة مجتمعية نالت نصيبها من الدراسة والتحليل، لما كان لها من تأثير قوي، تجاوز أحيانا خطوط الفن إلى السياسة والنضال المجتمعي ومجالات أخرى.

"مخدر الغيوان" ... آلام الشعب وآماله

قليلة هي المجموعات الموسيقية التي ضمنت لنفسها استمرارا ومسارا طويلا في المجال الفني، لكن "ناس الغيوان" لم يحققوا الاستمرارية فحسب، بل حققوا النجاح المنقطع النظير، فعندما يسمع عاشق "الغيوان" مقاطع مجموعته المفضلة، يحسب نفسه وكأنه تناول "مخدرا" موسيقيا، يأخذه إلى عوالم الفن الراقي، الفن المجتمعي الذي يناقش آلام الشعب وآماله، ويصبح في مرحلة من المراحل ملاذا وهروبا من الواقع المؤلم، بل واحتماءا من سياط الفقر والحرمان، وانعدام الحريات، والإهانةإن من بين مميزات "ناس الغيوان" ومفاتيح نجاحها، كونها تمكنت أن تضفي على نصوصها الغنائية طابعا فنيا مثيرا، وبعدا مجتمعيا قويا، قريبا من يوميات الحياة، إضافة إلى قوة أدائها الموسيقي، النابعة من قوة شخصيات المجموعة، وخلفياتهم الاجتماعية.

افريقيا وصبرا وشاتيلا .. أو "الغيوان القضية"

لم يكن البعد المغربي المحلي وحده حاضرا في الأغنية الغيوانية، فبالإضافة إلى البعد الافريقي واللمسة "الكناوية" في أغانيها، أعطت المجموعة أهمية كبيرة للأغنية "القومية"، حيث القضية الفلسطينية في أغانيها، محاولة بذلك إبراز أن الفنان هو الآخر يحاول من جانبه لفت الانتباه إلى قضايا الأمة.لقد غنت "ناس الغيوان" أغاني لأجل فلسطين ومن أجل فلسطين، موظفة بذلك كل الأحداث التي مرت منها هذه البقعة من الأرض منذ النكبة مرورا بمجزرة "صبرا وشاتيلا" إلى الانتفاضة.فأغاني مثل "القسم" المليئة بمناشدة صريحة إلى دعم فلسطين ومساندة أهاليها، و"صبرا وشاتيلا" التي جاءت بعد أحداث المجزرة الشنيعة التي شنتها إسرائيل بصبرا وشاتيلا... إضافة إلى مقاطع أخرى جعلت من البعد العربي حاضرا بقوة في "الأغنية الغيوانية".لقد امتد الصدى الغيواني أيضا إلى عمق القارة الافريقية، فكما ذكرنا حول النمط "الكناوي" في الأغنية الغيوانية، هناك اهتمام ايضا بالموضوع، فكان الواقع المرير للقارة السمراء، محور أغنية "الدم السايل" التي تعتبر صراحة وثيقة مهمة تصف ذلك الجرح الكبير الذي لم يندمل بعد في القارة الافريقية، وكأن الغيوان كانوا يتوقعون لأغنيتهم الافريقية أن تظل صالحة لكل زمان.

الانضباط وقوة الأداء والشخصية

المتتبع لمجموعة "ناس الغيوان" يلاحظ حتما مميزات وصفات قد لايجدها في مجموعات أو فنانين آخرين، تلك المميزات ليس أولها قوة الأداء والتناغم العجيب في الإيقاع، وليس آخرها الانضباط وقوة الشخصية على مسرح الأداء، ما يكسب الفن المقدم قوة موزاية، تدفع نحو إخراج منتوج متكامل، أخذا بعين الاعتبار الإصرار على الاختيار الدقيق للمواضيع المعالجة.لقد كان المايسترو علال يعلى يتسيد "الجوقة الغيوانية" بكفاءة نادرة وانضباطية إيقاعية صارمة، اعتبرها البعض من سلبيات الأداء الغيواني، ورأى فيها البعض الآخر مصدر قوة وعنصر تميز نادر.كل ذلك يتشكل في قالب إبداعي ذو ابعاد إنسانية فريدة، تعطي للمتلقي فرصة التجاوب التلقائي، بل وحتى حب الاستطلاع والمعرفة والاطلاع.

في الحاجة إلى مؤسسة للتراث الغيواني

لقد تساقطت أوراق مجموعة "ناس الغيوان" تباعا، ولم يعد اليوم منهم سوى عمر السيد، شاهدا على عقود طويلة من الإبداع المنقطع النظير والصعب التكرار.ومع مرور الوقت، وازدياد ترسخ قيمة "الظاهرة الغيوانية" في المجتمع المغربي، تتعالى من حين لآخر أصوات من جهات فنية وثقافية مغربية، تطالب بتشكيل مؤسسة وطنية للبحث في التراث الغيواني، والعمل على رعاية الشؤون الاجتماعية لأفراد مجموعة ناس الغيوان وذويهم، كأبسط تعبير عن الاعتراف بخدمات هذه المجموعة، وما قدمه أعضاؤها من رصيد فني وثقافي يمتد عبر الزمن.

مارتن سكورسيزي يترك بصمته في كتاب "ناس الغيوان"

كتاب  "ناس الغيوان" هو عبارة عن كتاب ضخم من اربعمائة صفحة، وهو مؤلف يرصد تاريخ موسيقى وجدت أصولها في جذور الموسيقى المغربية والإفريقية وموسيقى الروك أيضا، وقد وضع مقدمة الكتاب المخرج الأمريكي الشهير مارتن سكورسيزي، والذي تحدث من خلالها عن الفيلم الوثائقي للمخرج المغربي أحمد المعنوني الموسوم بـ "الحال"، معتبرا أن هذا الشريط، دفعه أن يستكشف من خلاله موسيقى "ناس الغيوان" وعلاقتها بالجمهور المغربي.واعتبر مارتن في مقدمته أن موسيقى الغيوان كانت قوية، رغم أنها لم تكن تعتمد على الآلات الموسيقية الكهربائية على غرار موسيقى الروك، التي عاصرت المجموعة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات.ولا يخفي سكورسيزي حبه الكبير لفرقة "ناس الغيوان" وهو ما يظهر من خلال تصريحه بالقول إن "الأغنية الغيوانية عبرت بقوة عن معاناة الشعب المغربي، وأنها استطاعت تخطي بعض المحظورات .. جيا نيلوكا فاري نيلي هو من اقترح على هذه الفكرة وقد كان يعرف أن هذا الفيلم (يقصد فيلم الحال) عزيز على قلبي ووجدت أن تلك الفكرة رائعة".ويتضمن كتاب "ناس الغيوان" ثلاثة أقسام: عربي، وفرنسي وإنجليزي، معززا بصور نادرة للفرقة، والفضاءات التي تنتمي إلى ذاكرتهم وخاصة الحي المحمدي، مهد الخماسي الغيواني.

"ناس الغيوان" ... خمسة أركان (أعضاء الفرقة)

احكور بوجمعة أو "بوجميع"

هو احكور بوجمعة من مواليد الدار البيضاء سنة 1944، شارك في فرقة هواة المسرح (رواد الخشبة) سنة 1963 وفي سنة 1968 إحترف التمثيل مع فرقة المسرح البلدي وشارك في عدة مسرحيات أهمها "الحراز" مع الطيب الصديقي إلى جانب كل من العربي باطما وعمر السيد وآخرين … وبوجميع من أبرز مؤسسي مجموعة ناس الغيوان، وهو ينحدر من أسرة فقيرة.

العربي باطما

ولد العربي باطما بالدار البيضاء سنة 1947، وفي سنة 1964 عانق الكتابة حيث كتب ومثل وغنى في فرقة الهواة البيضاوية للمسرح وفي سنة 1969 عمل كممثل محترف بالمسرح البلدي، وهو شاعر زجال يمتاز بملكة شعرية رائعة من ميزاته أيضا ذلك الصوت الشجي المتميز، وازداد دور العربي باطما داخل مجموعة ناس الغيوان بعد وفاة بوجميع، إذ أصبح عراب المجموعة بدونمنازع فهو الذي كان يكتب جل الأغاني لها. وكتب باطما سيرته الذاتية وهو على فراش الموت في سباق مع الزمن ينتظر أجله المحتوم فكان "الرحيل" الكتاب الأول ثم تلاه "الألم" ليشكلا سيرة عن العذاب والمتعة والموت.

عمر السيد

عمر السيد ازداد في الدار البيضاء سنة 1947 وفي سنة 1963 شارك مع جمعية المسرح -رواد الخشبة - ليلتحق سنة 1967 بالجوق الجهوي بالدار البيضاء وفي سنة 1968 عمل كممثل محترف بالمسرح البلدي وبالتلفزة المغربية، عمر ينحدر من أسرة فقيرة من أب عامل بسيط وأم بدوية. مارس السيد إلى جانب الغناء المسرح والتمثيل السينمائي والتلفزيوني واعد وصلات إشهارية كما أشرف على إعداد ديوان يضم معظم أغاني ناس الغيوان.

علال يعلى

علال يعلى ولد بالدار البيضاء سنة 1941 وفي سنة 1957 عمل كعازف موسيقي مع بعض الأجواق البيضاوية. يعني احترف الموسيقى وسنه لا يتجاوز 16 سنة. في سنة 1960 لحن عدة مقاطع كانت تتخلل مسرحيات بعض فرق الهواة، ليلتحق بالمسرح البلدي سنة 1967 كموسيقي حيث ثم اتصاله هناك مع باقي أفراد المجموعة (عمر، العربي، بوجميع).

عبد الرحمان قيروش أو "باكو"

كان عبد الرحمان باكو عضوا في مجموعة "جيل جيلالة" ثم انتقل إلى مجموعة "ناس الغيوان". وقد قضى باكو مع ناس الغيوان قرابة 20 سنة كانت كلها عطاء وصبر ومثابرة. هو فنان ينحدر من مدينة الصويرة فهو المتورع في عوالم كناوة عازف على آلة "السنتير" أو"الهجهوج" هذه الآلة التي شكلت حضورا قويا لدى المجموعة، وفي مجموعة من الأغاني.

ناس الغيوان .... ريبيرتوار غني

الصينية - قطتي الصغيرة - جودي برضاك - الماضي فات - حدية - هولوني - واش حنا هما حنا - الحصادة - سبحان الله - يا صاح - يوم ملقاك - ماهموني - فين غادي بيا - الله يا مولانا - يا بني الإنسان - مزين مديحك - غير خدوني - حن واشفق - الشمس الطالعة - أنادي أنا - تاغنجة - نرجاك أنا - القسم - الرغاية - صبرا وشاتيلا - مهمومة - لهمامي - زاد الهم - مكواني - ضايعين - السيف البتار - لبطانة - الجمرة - المعنى - الصدمة - السلامة - رد بالك - آها فين - ندم - باسمك - احنا أولاد العالم - يا جمال - الأمة - لماذا يا كرامة - لسقام - الانتفاضة - السمطة - ناضمي - أنا ماعييت - اش جرى ليك - السايل - دلال - علي وخلي - يا من جانا - خضرة - الدم السايل - غادي فحالي - لهموم حرفتي - ف رحاب معاليك - ما يدوم حال - قالت - تعالى - علام القبيلة - دكة - هاجت الأحزان - علولة - الضر الواعر - شوفو لعجب - ما نكدانا - حوض النعناع - ناس المعنى - لمعيزة - سامحوني - خليني - حنين الروح - لكفيفة - نرجاوك على الدوام - شاب راسي – مردومة.