يسود هدوء حذر العاصمة الليبية طرابلس التي تشهد قتالا عنيفا منذ الرابع من أبريل/نيسان المااضي بين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق.وبالرغم من هذا الهدوء فان التحشيدات العسكرية تتواصل بين الطرفين في مشهد ينذر بمرحلة جديدة من الصراع بين الطرفين بالرغم من الجهود الدولية لوقف اطلاق النار في المدينة.

ويسعى الجيش الليبي الى مواصلة عملياته العسكرية التي أطلقها في أبريل الماضي بهدف السيطرة على العاصمة الليبية.وقال المسؤول الإعلامي باللواء 73 مشاة المنذر الخرطوش،، "إن مناوشات بسيطة تشهدها بعض محاور القتال لليوم السادس على التوالي في حرب العاصمة طرابلس، مع الحفاظ على جميع نقاط التمركز لوحدات الجيش الليبي".

اشار الخرطوش إلى أن وحدات اللواء 73 مشاة تتواجد في جميع نقاط التمركز المعلومة لدى غرفة عمليات المنطقة الغربية، بالأحياء البرية ومحور كزيرما وكوبري المطار، مع وجود مناوشات من الحين إلى الأخر بمحور كزيرما.مؤكدا أن هناك تعزيزات كبيرة لعدة وحدات منها على مستوى لواء وعلى مستوى كتيبة، قائلا "مهام منتظرة بالساعات القادمة من شأنها رسم صورة جديدة في حرب تحرير كامل تراب الوطن.

وتضاف هذه التعزيزات الجديدة إلى الوجود العسكري القوي الذي يمتلكه الجيش الليبي ضواحي طرابلس، بعدما سجلت قواته تقدمات هامة وسيطرت على مواقع مهمة خاصة جنوب العاصمة، لكن يتوقع من وراء هذه الخطوة، أن يقوم بتوسيع رقعة القتال وفتح جبهات جديدة خلال الأيام المقبلة، من أجل حسم المعركة في أسرع وقت ممكن.

وفي المقابل،يسعى تيار الاسلام السياسي الى الحشد من جديد لمواجهة الجيش الليبي وسط حديث عن توتر بين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج وحلفائه الاسلاميين الذين يتمهمونه بالمرونة في التعامل مع الجيش الليبي وسعيه الى تقديم تنازلات من أجل وقف الحرب القائم في طرابلس.

وبحسب صحيفة "العرب" اللندنية فقد بدأ الإسلاميون نقل تهديداتهم بشأن تشكيل "حكومة حرب" إلى خطوات فعلية حيث أعلن رئيس مجلس الدولة والقيادي في حزب العدالة والبناء الإخواني خالد المشري البدء في إجراء مشاورات مع أعضاء من مجلس النواب الموازي في طرابلس، من أجل اتخاذ الخطوات العملية لتقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي إلى رئيس ونائبين، ورئيس حكومة مستقل يترأس حكومة مصغرة مهمتها التمهيد للانتخابات وتقديم الخدمات اللازمة للمواطنين، وتفعيل الأجهزة الرقابية.

وأشار المشري في مؤتمر صحافي عقده، مساء الاثنين، إلى "وجود خلل في إدارة المعركة العسكرية لدى قوات حكومة الوفاق الوطني، جراء عدم وجود وزير ووكيل لوزارة الدفاع، إضافة إلى عدم وجود رئيس لجهاز المخابرات العامة".

وقالت الصحيفة أن تصريحات المشري أثارت التساؤلات بشأن مدى جديتها حيث ذهب البعض إلى اعتبار أنها تأتي في إطار الضغوط التي يمارسها الإسلاميون على فايز السراج لإجباره على مواصلة الحرب رغم الضغوط الدولية المتصاعدة الداعية إلى وقف القتال واستئناف العملية السياسية، في حين يرى آخرون أنها خطوة جدية لاسيما بعد ما تسرب من أنباء مؤخرا بخصوص موقف السراج الداعي إلى إنهاء الحرب والعودة إلى الحوار.

ويسعى الإسلاميون لتوسيع نطاق المعارك لتشمل مختلف أقاليم ليبيا،حيث استغرب المشري "عدم قيام المجلس الرئاسي بتعيين أمراء مناطق عسكرية في المناطق الخارجة عن سيطرة قوات الوفاق، تناط بهم مهام استعادة هذه المناطق تحت سيطرة حكومة الوفاق".وكان حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لإخوان ليبيا قد حث، في يونيو الماضي، المجلس الرئاسي على تكليف منطقة عسكرية لسبها، وقوة لمكافحة الإرهاب، لبسط السيطرة على جميع مناطق الجنوب التي يسيطر عليها الجيش منذ فبراير الماضي.

ويعول تيار الاسلام السياسي المسيطر على العاصمة طرابلس على الدعم التركي-القطري لمواصلة القتال ضد الجيش الوطني الليبي.وهو ما دفع الأخير لتجديد اتهاماته للبلدين بالتورط في دعم الإرهاب في ليبيا، وذلك بعد ساعات فقط من تأكيد الجيش أنه أسقط "طائرة درون" تركية كانت تعمل لصالح الميليشيات المسلحة، الموالية لحكومة الوفاق، التي يرأسها فائز السراج جنوب العاصمة طرابلس.

وأعلن المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، التابع للجيش الوطني، مساء أول من أمس، أن مقاتلاته الجوية أسقطت طائرة تركية مسيّرة، كانت تستهدف تمركزات الوحدات البريّة لقوات الجيش بوادي الربيع جنوب العاصمة طرابلس، مشيراً إلى أن هذه الطائرة كانت قد انطلقت من قاعدة معيتيقة، التي تمثل الجانب العسكري في المطار الدولي الذي تعرض للقصف مؤخرا، وبات خارج العمل.

واتهم البيان تركيا وقطر بالإصرار على "المضي قدما في دعم ميليشيات الإخوان، من متطرفين مؤدلجين ومهربي البشر والوقود"، معتبرا أن هذا التصرف يعد "بمثابة استهتار بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن".بدورها، قالت شعبة الإعلام الحربي، التابعة للجيش الوطني، إنه لن "يكون لتركيا وقطر مكان في ليبيا"، وتعهدت بالرد "ما دام أن أيادي حكامهم تعبث في أمن بلادنا واستقرارها".

وقد أسفر دعم تركيا المستمر لمليشيات تيار الاسلام السياسي في طرابلس عن وصول الطرفين إلى حد الاعتماد المتبادل على بعضهما البعض؛ فالإسلاميون يحتاجون إلى دعم أنقرة للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الجيش الوطني الليبي، بينما تحتاج تركيا إلى الإسلاميين إن كانت تبحث عن نفوذ في البلاد مستقبلا.

من جهة أخرى،اتهم المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري ميليشيات "البقرة" بالتورط في قصف مطار معيتيقة الدولي، بهدف تحرير السجناء وعدد من الإرهابيين. وأشار المسماري في تصريح صحفي امس إلى وجود ضغوط على ميليشيات الردع الخاصة لإطلاق سراح الإرهابيين لحاجة الميليشيات إليهم في صد هجوم الجيش الليبي بضواحى طرابلس. وشدد المتحدث العسكري الليبي على أن العمليات الإرهابية التي تستهدف مطار معيتيقة الدولي كانت تتم قبل تقدم القوات المسلحة نحو طرابلس في الرابع من افريل الماضي.

وحمّل الجيش الوطني الليبي، ميليشيات "الرحبة" التي يقودها بشير خلف الله، الملقب بـ"البقرة"، مسؤولية القصف المتكررة لمطار معيتيقة الدولي، معتبرًا أن حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج "تعرف جيدًا هوية قاصف المطار".واستنكر بيان نشرته غرفة عمليات الكرامة التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي "ادعاءات الإخوان ضد قوات الجيش الوطني"، بشأن عمليات القصف المتكرر لمطار معيتيقة. وتابع البيان:"لابد للسراج أن يعترف، بأنه لا توجد لديه أي سلطة على الميليشيات، وأن من يقصف المطار هو الميليشياوي المدعو بشير البقرة وعصابته عشرات المرات".

وسبق لمليشيا البقرة أن شنت هجمات على مطار معيتيقة،ففي يناير 2018،أسفر هجوم شنته الميليشيا عن مقتل أكثر من عشرين شخصا وجرح حوالي ثلاثين آخرين وتسبب في ايقاف الملاحة الجوية من والى المطار.وجاء الهجوم حينها بحسب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني،بهدف إطلاق سراح إرهابيين محتجزين في سجن، ينتمون إلى تنظيم "داعش" و"القاعدة".حيث يطالب قادة الكتيبة 33 التي تدين بالولاء لمفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني والجماعة الليبية المقاتلة، بإطلاق سراح أشخاص مقبوض في سجن معيتيقة بتهم الاٍرهاب.

ولا يزال مطار معيتيقة، المطار المدني الوحيد الذي كان يعمل في طرابلس في الفترات الأخيرة، متوقفا عن العمل لليوم الثالث على التوالي، بينما تم توجيه كل الرحلات إلى مطار مصراتة في غرب البلاد.وذلك في أعقاب القصف الذي شهده والذي أسفر عن سقوط عدد من الجرحى من الحجاج الذين تزامن وصولهم في رحلة قادمة من المملكة العربية السعودية، بعد الانتهاء من أداء مناسك الحجّ،بالاضافة الى أضرار جسيمة للبنية التحتية للمطار.

وتعرض مطار معيتيقة منذ اندلاع المعارك في أبريل الماضي لعدة ضربات وسط اتهامات متبادلة بين الأطراف المتصارعة بالمسولية عن الاستهداف المتكرر،ودفع ذلك المنظمة الليبية لحقوق الإنسان،لمطالبة المبعوث الأممي غسان سلامة، بضرورة طلب فتح تحقيق دولي حول الجرائم التي تستهدف الملاحة الجوية عبر المطار. 

كما طالبت المنظمة في بيان أصدرته، جميع حملة السلاح تجنيب المطارات والموانئ من الاستهداف، وعدم استخدامها للأغراض العسكرية، حتى لا تكون عرضة لتوجيه الهجمات، مؤكدة أن الاستعمال غير المشروع والاستهداف غير المبرر، هي جرائم حرب، وفقا لما نص عليه القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات الملاحة الجوية والقانون الوطني.

وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع تقديم الموفد الأممي إلى ليبيا غسان سلامة اليوم الأربعاء إحاطة لمجلس الأمن الدولي حول التطورات في ليبيا،والتي أشار فيها إلى مخاوف من اتساع رقعة العنف في ليبيا.وحذّر سلامة من توسع العنف في ليبيا إلى مناطق جديدة، مشيراً إلى مقتل أكثر من 100 شخص في المعارك بمنطقة زوارة.

وأكد سلامة أن "إمدادات الأسلحة إلى ليبيا رفعت منسوب العنف والفوضى"، مشدداً على أن "حظر الأسلحة على ليبيا لم يكن فعالاً وقرار مجلس الأمن لم يحترم".وتابع سلامة: "سجلنا وصول عدد كبير من المرتزقة للقتال في ليبيا"، معتبراً "المقاتلون يسعون لوقف العنف أكثر من السياسيين".معتبرا أن "قصف المطارات في ليبيا مسألة كارثية"، مشدداً على ضرورة أن تدينها الأمم المتحدة.

من جهة أخرى، رحب سلامة بدعم مجموعة الـ 7 للحل السياسي في ليبيا، مضيفاً: "الشعب الليبي يشعر أن المجتمع الدولي يستغله ويرفض إنهاء العنف".ودعا مجلس الأمن إلى التفاهم لإنهاء النزاع الليبي بدلاً من المخاطرة باستمراره إلى ما لا نهاية أو تكثيف دعم أطرافه. وأضاف محذراً: "بدون دعم لا لبس فيه من هذا المجلس والمجتمع الدولي بأسره، سنكون إزاء سيناريوهين غير سارين للغاية" أحدهما "استمرار النزاع بوتيرة ضعيفة" وثانيهما "تكثيف الدعم العسكري" لهذا الطرف أو ذاك "ما سيغرق المنطقة كلها في الفوضى".

وفي وقت سابق دعا المبعوث الأممي للدعم في ليبيا، غسان سلامة،جامعة الدول العربية الى لعب دور أكبر "في إيجاد حل سياسي دائم يعيد الاستقرار لليبيا".وقال سلامة - فى تصريح أدلى به عقب لقائه مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط،الاثنين،بمقر الجامعة العربية في القاهرة، إنه أطلع الأمين العام للجامعة العربية على أخر التطورات السياسية والأمنية فى ليبيا، مؤكدا أن ليبيا عضو مهم فى الجامعة العربية، ولابد أن تكون الجامعة "منخرطة " فى البحث عن آلية لحل سياسى دائم للأزمة الليبية.وشدد على ضرورة إعادة الأمن والأمان والاستقرار إلى ليبيا لتتبوأ مكانها الطبيعى بين أشقائها العرب.

وفي 29 يوليو الماضي، قدم سلامة إحاطته الدورية حول تطورات الأوضاع في ليبيا إلى مجلس الأمن الدولي، التي جدد خلالها التحذير من اتساع النطاق الجغرافي للعنف في ليبيا، وأكد الحاجة الملحة لحشد الدعم الدولي من أجل وقف التصعيد العسكري، والعودة إلى طاولة المفاوضات لاستئناف العملية السياسية.ودعا المبعوث الأممي إلى البناء على الهدنة التي عقدت خلال فترة عيد الأضحى الماضي، مطالبا بتنظيم "اجتماع دولي بمشاركة الأطراف الليبية المؤثرة؛ لوقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية.