قال الروائي العراقي نزار عبد الستار إن فكرة أحدث رواية له ”ترتر“ جاءته أثناء زيارة مقبرة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في تركيا مشيرا إلى أنه استوحى الخط الرئيسي للعمل من واقعة تاريخية استطاع من خلالها نسج روايته الخيالية.
وقال عبد الستار في مقابلة مع رويترز أثناء زيارة إلى بيروت ”في عام 2009 كنت اتسكع في شوارع اسطنبول وإذا بي ألمح مقبرة مبهرة الأركان، فوجدت نفسي أتجول فيها مشدودا لزينتها الرخامية وطابعها التاريخي، وفجأة ظهرت أمامي قبة مهيبة لم أتمالك نفسي أمام سحرها فدخلتها منقادا لهاجس مبهم، فإذا بي أقف أمام ضريح السلطان عبد الحميد الثاني، وعرفت هويته من خلال الصور التي كانت تزين الجدران“.
وأضاف ”كان المكان خاليا تماما وليس هناك أي موظف استقبال أو حارس، جلست أمام الضريح أنظر إليه وأنا فارغ الذهن وغير منتبه للزمن، وهنا ولدت بذهني الصور ورحت أتذكر كل ما قرأت عن الرجل. لم أكن أملك نحوه أي إحساس عاطفي لكنني تذكرت مسألة سكة حديد برلين بغداد وحين خرجت بعدها بساعتين كانت فكرة رواية ترتر قد ولدت برأسي“.
تدور أحداث ”ترتر“ عام 1898 انطلاقا من واقعة تاريخية هي زيارة إمبراطور ألمانيا فيلهلم الثاني إلى اسطنبول للقاء السلطان عبد الحميد الثاني حيث يخططان لإنشاء سكة حديد برلين-بغداد بهدف منافسة التجارة الإنجليزية وقطع طريق الهند البري.
ولمواكبة المشروع يجب قبل كل شيء إدخال التجار الألمان إلى ولاية الموصل والعمل على تأسيس صناعة نسيج تتفوق على تلك الإنجليزية فلم يكن هناك أفضل من آينور هانز، وليدة الأب الألماني والأم التركية التي تعمل مرشدة سياحية في وكالة توماس كوك للسفر، للقيام بهذه المهمة.
لكن آينور المرأة المسكونة بالأحلام والمسيرة بالحب تذهب إلى أبعد من ذلك، متحدية جبروت ثلاث دول عظمى هي إنجلترا وفرنسا وروسيا.
ووصلت الرواية الصادرة عن دار هاشيت أنطوان في بيروت في 278 صفحة للقائمة القصيرة بفرع الآداب في جائزة الشيخ زايد للكتاب في الإمارات والتي تعد من أبرز الجوائز الأدبية العربية وأعلاها قيمة.
وتتنافس ”ترتر“ على الجائزة البالغ قيمتها 750 ألف درهم إماراتي (نحو 205 آلاف دولار) مع رواية ”غواصو الأحقاف“ للسعودية أمل الفاران وكتاب ”الذات بين الوجود والإيجاد“ للمغربي بنسالم حميش.
تتميز الرواية بدقة الوصف للأحياء والأماكن والقصور في العراق وتركيا وكذلك المواكب الرسمية والأثاث والعمارة في الحقبة الزمنية التي تدور بها الأحداث وهو ما أضفى عليها مزيجا من الصدق والإبهار. ويرجع عبد الستار تمكنه من هذه التفاصيل إلى الاعتماد على مصادر متعددة منها التركية والألمانية والإنجليزية ساعده فيها عدد من الأصدقاء إضافة إلى مشاهداته الشخصية.
محتوى دعائي
وقال عبد الستار لرويترز ”القصور والأماكن التي لم استطع الوصول إليها طلبتها من أصدقاء وقاموا بتصويرها لي، فمثلا قصر يلدز شالة تم تصويره لي بالفيديو من الداخل، وكذلك غرفة فيلهلم الثاني، ومن خلال مراجعتي للمصادر العثمانية استطعت الوصول إلى الشكل الحقيقي الذي كان عليه القصر في تلك الفترة. والحقيقة غالبية ما جمعته لم استثمره في الرواية وإنما استفدت منه في استلهام وعي ذلك العصر وأثريت به خيالي، ومن خلاله فهمت العصر وثقافاته“.
وأضاف ”كنت أكتب وأنا بعقلية وروح ذلك العصر، وكان علي أن اقرأ الكثير كي امتلك وعي زمن الرواية، لهذا لا توجد في ’ترتر‘ مفردة واحدة من عصرنا الحديث، كما أنني رجعت إلى اللغة العثمانية القديمة واستعملتها في تحديد الأماكن، كما قرأت الكثير عن السلطان عبد الحميد الثاني، والفصل الذي أظهره متكلما مع آينور هانز (بطلة الرواية) أعدت كتابته قرابة تسع مرات حتى اقترب من الحقيقة“.
ويؤكد عبدالستار (51 عاما) أن معظم شخصيات ”ترتر“ لا وجود لها في التاريخ لكنه صنعها من خياله واستنطقها بأفكار ومشاعره ورؤاه حتى تكتمل رسالة العمل.
وقال ”آينور هانز شخصية خيالية تماما، أنا اعتمدت الإطار التاريخي المتمثل بالسلطان عبد الحميد الثاني والإمبراطور فيلهلم الثاني وزيارة الأخير التاريخية إلى الشرق كي أنسج رواية خيالية تماما.
”المسألة تتعلق بمفهومي عن التحديث وإيماني بمنطلقات التجديد، وأردت من خلال هذه الرواية التركيز على فكرة الجهل والتخلف وكيف بالإمكان محاربتهما، وما هي الاشياء التي خسرناها وانتصر الجهل فيها على العلم“.
ويتابع قائلا ”هذه هي بالتحديد قضيتنا الآن كدول عربية تحاول النهوض واللحاق بركب التطور، لكننا في كل مرة نقع فريسة للتطرف والجهل والاستسلام لفرضيات الإرهاب ومصادرة الحق الإنساني في الحياة“.
واختتم حديثه قائلا ”رواية ’ترتر‘ تناصر العلم وتدعو إلى الخروج عن القطيع المستسلم، فالشعوب لا تعيش بكرامة إلا إذا حاربت الجهل وقدست العلم“.
ورواية ”ترتر“ هي الثالثة للروائي العراقي بعد ”ليلة الملاك“ التي فازت بجائزة أفضل رواية من اتحاد أدباء العراق عام 1999 و“يوليانا“ التي صدرت في 2016 إضافة إلى مجموعتين قصصيتين ”رائحة السينما“ في 2002 و“بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء“ في 2013.