عبر ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي عن سخطهم، على إثر الوضعية التي يعيشونها بسبب أزمة نقص المياه و تذبذب توزيعها، على مستوى الجزائر العاصمة وعدة مدن أخرى، بعد أن سجل تدني في مخزون السدود و شح الأمطار، و كذا الظروف المناخية التي أثرت على منسوب المياه السطحية و الجوفية.

وبسبب هذه الأزمة التي فاجأت الجزائريين، خاصة وأنها تزامنت ودخول فصل الصيف، أين يكثر استخدام هذه المادة الحيوية. اتجه معظم المواطنين إلى اقتناء حاويات تخزين المياه البلاستيكية. وعبوات من مختلف الأحجام تحسبا لأي طارئ.

لكن ما لم يخطر على بال الجزائريين، هو إقدام أحد المواطنين على بيع المياه غير المعدنية. حيث أظهرت صورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، صهاريج مياه، علق عليها لافتة تحوي أسعار المياه لمن يريد اقتناءها، حيث يباع اللتر الواحد بخمسة دنانير.

هذه الأزمة التي يعيشها الجزائريون اليوم، سبق وأن حذرت منها دراسات قدمت للحكومة الجزائرية شهر ماي الماضي، حيث عرضت وثيقة مشروع ميثاق اقتصاد الماء، التي بيّنت وضعا  مقلقا لمستوى وفرة ونمط تسيير المورد المائي في الجزائر، بفعل التغيرات المناخية ووضعية الهياكل والتسربات والتبذير، وهو ما يجعل انتهاج استراتيجية جديدة للتكيف مع هذه المتغيرات، خلال السنوات المقبلة مسألة مصيرية.

وحسب وثيقة المشروع، فإنه من الضرورة القصوى إشراك كافة القطاعات والمؤسسات والمواطنين، في التحضير لمراحل ستكون الأصعب من حيث التغيرات المناخية، خاصة وأن التقديرات العلمية تشير إلى الارتفاع المحتمل للمعدلات السنوية لحرارة الهواء ما بين +2 درجة مئوية و3 درجة مئوية مقابل الانخفاض في معدل التساقط وتدفقات الأودية وتعبئة وتجديد المياه الجوفية.

وتؤكد الدراسات المنجزة بالجزائر حسب نفس الوثيقة أن معدلات التساقط تعرف عجزا كبيرا مقارنة بالسنوات السابقة بنسبة تبلغ 20 بالمائة (13 بالمائة في مناطق الغرب و12 بالمائة في المناطق الوسطى والشرقية)، وبالموازاة مع انخفاض مستوى تدفقات الأودية ومساهمات السدود والحواجز المائية وتوجيه كميات كبيرة من المياه السطحية للري الفلاحي مما سيؤثر بشكل واضح على الاستخدامات الحالية.

ومن شأن هذه الوضعية أن تضاعف من حجم الضغط الممارس على المياه الجوفية والتي تعاني أصلا من الاستغلال المفرط، والذي زاد من حدته انخفاض مستويات تعبئة هذه المياه نتيجة التغيرات المناخية.

 صورة تبين منسوبا منخفضا لسد قدارة الممول الرئيسي لشبكة المياه بالجزائر العاصمة


وقدرت احتياطات الجزائر من مورد المياه خلال 2020 حسب الوثيقة بـ 18.2 مليار متر مكعب تم حشد منها أزيد من 11.41 مليار متر مكعب لتزويد مختلف مستعملي الماء بنسبة تعادل 86 بالمائة من الإمكانات المتاحة.

وبالمقابل انخفض معدل التساقط مقارنة بالسنوات الخمس الماضية بنسبة 20 المائة، فيما عرفت السنة الهيدرولوجية 2019 -2020 عجزا في التساقط يقدر بـ 30 بالمائة مقارنة بالسنة السابقة لها (2018 ـ 2019).

وقدرت إمكانات الجزائر من الموارد المائية المتجددة سنة 2020 بـ 450 متر مكعب في السنة للمواطن الواحد ما يجعل الجزائر بلدا فقيرا من حيث المورد المائي، وهو ما وصفته وثيقة المشروع بالوضع الأقرب إلى الأزمة، حيث يتعرض المورد المائي إلى الضياع نتيجة الاستغلال المفرط للمياه الجوفية والتسربات المسجلة في قنوات توزيع مياه الشرب والتبذير في استعمال الماء إلى جانب التلوث وتأثير التغيرات المناخية.

اقترح مشروع ميثاق اقتصاد المياه، توصيات لتفادي أزمة مياه في الجزائر، ومن بينها عصرنة وتأهيل شبكات التوزيع، تكييف أسعار المياه ونظام الإتاوة إلى جانب تعميم قياس استهلاك المياه وتطوير أنظمة السقي.

وحددتالوثيقةالتي أعدتها وزارة الموارد المائية، التوجهات التي يجب اتباعها والأهداف المرجوة والتصرفات التي يجب تبنيها لتحسين وترشيد تسيير واستخدام الماء عبر كل ربوع الوطن، بهدف الاقتصاد في الموارد المائية والحفاظ على نوعيتها، وذلك من خلال مقاربة طوعية لكل الفاعلين، تصب في مجملها حول حتمية ترشيد استعماله وتأصيل تغيير التصرفات والسلوكيات السلبية اتجاهه.

واتجهت الجزائر منذ عشرية كاملة، الى تعزيز برنامج تحلية مياه البحر و استغلالها لتزويد المدن الشمالية التي نسب استهلاك عالية، نظرا الى الكثافة الديمغرافية العالية.

ولتعزيز هذا الاتجاه، استقبل وزير الطاقة و المناجم محمد عرقاب، أكيرا كونو، سفير اليابان بالجزائر، أين تطرق الطرفان الى أهمية التعاون في إطار برنامج تحلية مياه البحر، و عرض فرص التعاون و الاستثمارات القائمة، التي أصبحت تمثل خيارا استراتيجيا على المديين القصير و المتوسط، و على هذا الأساس دعا الوزير عرقاب الى مشاركة الشركات اليابانية في هذا البرنامج

 وتم الاتفاق - حسب بيان للوزارة- على تنظيم اجتماعات ثنائية، عن طريق تقنية التحاضر المرئي، بين القطاع والشركات اليابانية.

و يبقى  سلوك المواطن الجزائري، أساس لكل الحلول التي يمكن أن تقدمها السلطات العليا بالبلاد، فبدون ترشيد لاستغلال المياه و المحافظة على البيئة التي بدورها تساهم في الدورة الطبيعة للحياة، وتؤثر سلبا على نسب تساقط الأمطار، لا يمكننا الحفاظ على هذا المورد الهام الذي سوف لن يباع بخمسة دنانير فقط، بل سيكون عملة غالية المتحكم فيها هو سيد الموقف، و ليس من المستبعد أن يكون حجة من حجج نشوب حروب إقليمية.

ولهذا وجب على كل فرد يؤمن بقيم المواطنة، في أي قطر مغاربي أو عربي كان، أن يقف وقفة تأمل للأفق التي تسير فيه بلداننا ومصائرنا معا، فالماء نعمة لا يمكن الاستغناء عنها، و لا التفريط فيها حتى لا نصبح على ما فعلنا نادمين