انتهى آمر كتيبة أبو سليم التابعة لـ مجلس شورى مجاهدي درنة سالم دربي، الليلة الماضية، قتيلا على يد عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية – داعش-. دربي الذي قضى أكثر من نصف عمره في الدعوة والممارسة التوجهات الجهادية، يغادر الحياة بسلاح أخوته في العقيدة والمنهج. داعش التي تغذت على أفكار القاعدة بدأت تشذ عن الطوق وتحصد قادة القاعدة الواحد تلو الاخر، في العراق وسورية وليبيا.

 

في العام 1972 ولد سالم دربي في مدينة طبرق في أقصى الشرق الليبي. انتقل لاحقا مع عائلته صغيرا الى مدينة درنة وفيها نشأ وتعلم. ثم انتمى الى الجماعة الليبية المقاتلة التي تأسست في أفغانستان على يد عبد الحكيم بلحاج ومجموعة من الشباب الليبي التابعين للأفغان العرب ونقلت نشاطها الى الداخل الليبي مع بداية التسعينات، واتخذت من مدن درنة وطبرق والجبل الأخضر مناطق نفوذ و تمدد لها. اتهم الدربي سنة 1996 بأعمال ارهابية شهدتها مدينة درنة وتعرض للملاحقة الأمنية بتهم تتعلق بالانتماء الى تنظيم ارهابي، فلجا الى الكهوف و الجبال ليبقى متخفيا طيلة 10 سنوات عاد اثرها سنة 2006، بعد المرجعات التي قدمتها الجماعة الليبية المقاتلة و اعترفت فيها بسلطة الدولة و شرعية نظام القذافي قانونيا و شرعيا.

 

بعد انطلاق أحداث 17 فبراير 2011، انشق الدربي مجددا عن الدولة بحكم تواجده بالمنطقة الشرقية وأسس ما يعرف بــكتيبة شهداء بوسليم. وهي عبارة عن جماعة جهادية صغيرة، تتكون من معتقلي الجماعة الليبية المقاتلة سابقا في سجن أبو سليم، ومازالوا يحملون الافكار الجهادية المتماهية مع فكر تنظيم القاعدة، ويتركز نشاطها في مدينة درنة، أقصى شرق البلاد. و تنشط في اطار يتكون التيار الجهادي الليبي الواسع المتكون من مجاميع مسلحة موالية في أغلبها لتنظيمي القاعدة و داعش ، على المستوى الفكري في الحد الأدنى، و تشتغل من خارج الدولة في مشروع تقويض جذري لما هو قائم و تأسيس "دولة/إمارة إسلامية " تحتكم إلى الشريعة. كما نشطت الكتيبة في مجال تسفير الشباب الليبي و المغاربي الى سورية للنخراط في الجماعات المسلحة هناك.

 

مع انتهاء ولاية المؤتمر الوطني الليبي في فبراير/شباط الماضي و تصاعد وتيرة الاغتيالات التي طالت ثلاثة أرباعها قيادات أمنية وعسكرية خلال سنة 2013، خاصة شرق البلاد،و انطلاق عملية الكرامة بقيادة اللواء خليفة حفتر، يومذاك، انضمت كتيبة الدربي الى معسكر القوى المناهضة للكرامة و شكلت مع بقية الميليشيات الإسلامية المسلحة في درنة ما عرف بمجلس شورى مجاهدي درنة. هذه الكتائب الجهادية تتقاطع مع الجماعات المسلحة الموالية للإخوان في الصراع مع قوات الكرامة ، دفاعا عن وجودها المادي في البلاد ضد مشروع الكرامة الموجه أساسا إلى "تطهير ليبيا من الإرهاب " و لكنها لا تنطلق من نفس منطلقاتها في الدفاع عن شرعية المؤتمر الوطني بل من منطلق جذري رافض تماما للعملية السياسية بثوبها الديمقراطي الذي يعتبر في أدبيات التيار الجهادي "صنما يعبد من دون الله" يجب أن يحارب.

 

بالتوازي مع ذلك ، و في مطلع أبريل 2014 ،أعلن تنظيم ذو توجهات سلفية جهادية يطلق على نفسه "مجلس شورى شباب الإسلام" و يتمركز  بمدينة درنة في أقصى الشرق ، عن تشكيل ما يسمى بــ" لجنة شرعية لفض النزاعات والصلح بين الناس بشرع الله" على حد تعبيره، و مهمتها "تطبيق الشريعة "على حد زعم القائمين عليها، وذلك خلال استعراض عسكري كبير نسبيا، كشف عن امتلاك القوى الجهادية في البلاد عن أسلحة ثقيلة و متطورة ،مما يجعل مدينة كدرنة نخضع كليا لسيطرة الجماعات الجهادية التي منعت إجراء حتى الانتخابات المحلية في المدينة في وقت سابق لتعارضها مع "الشريعة الإسلامية" حسب زعمها. هذا التنظيم الجديد سيتحول مع بداية سبتمبر 2014 الى فرع تنظيم الدولة الإسلامية – داعش-تحت اسم "ولاية برقة". و سيقاتل الجميع ، الجيش الليبي و قوات فجر ليبيا و حليفها الأبرز "مجلس شورى مجاهدي درنة" الذي يعد سالم الدربي من أبرز أعضائه.الدربي الذي انتمى للتيار الجهادي الليبي منذ شبابه و ساهم بشكل واسع في تمكينه بعد سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، تحول الى احد ضحايا هذا التيار، بعد ان تفرقت بجماعاته السبل بين أفكار داعش و أفكار القاعدة.

 

فيما اعتبرت فجر ليبيا أن سالم الدربي "قائدا وطنيا" و نعاه المؤتمر الوطني العام، المتهية ولايته، في بيان رسمي، نشر الأربعاء قال فيه :" تنعى رئاسة المؤتمر الوطني العام استشهاد القائد الميداني سالم دربي أحد قادة ثوار مدينة درنة الذي كان دائما حريصا على حماية الوطن ووحدة ترابه وكان قائدا في الحرب والسلم و تعبر عن بالغ الأسى والحزن لاستشهاد     دربي ".  و كان دربي قد نجا في شهر يوليو 2014 من محاولة اغتيال في درنة ، عندما حاول مسلحون مجهولون مهاجمته وأطلقوا عليه وابلًا من الرصاص، إلَّا أنّه لم يصب بأذى. في أعقاب عمليات اغتيال متبادلة بين كتيبة أبوسليم ومجموعة محسوبة على أنصار الشريعة شهدها الشرق الليبي، وكان آخر ضحاياها محمد أبوبلال، قائد كتيبة أبوسليم السابق الذي قُتل جراء تفجير سيارته بعبوة لاصقة في شارع البحر في مدينة درنة.