دخلت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا على خط الصراع السياسي والعسكري الدائر في البلاد، حيث أدى انحياز المؤسسة للمليشيات المسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس ضد الجيش الليبي والمنطقة الشرقية وبعض مدن المنطقة الغربية المؤيدة للجيش، إلى تحركات احتجاجية داخل المؤسسة مع اعلان انفصال احدى أهم شركاتها، وهو ما ينذر بخطر تقسيم هذه المؤسسة التي تعتبر عصب الاقتصاد الليبي.

وأعلنت شركة البريقة لتسويق النفط، الأربعاء، انفصالها عن المؤسسة الوطنية للنفط الليبية التابعة لحكومة الوفاق المدعومة دوليا. وقال الناطق باسم الشركة عادل بن دردف "إن الشركة قررت اليوم رفع الظلم الواقع عليها من المؤسسة الوطنية للنفط في غرب ليبيا، وبهذا الصدد أعلنت الشركة عن إقالة مجلس الإدارة المكلف من العاصمة طرابلس، وتعيين لجنة جديدة ستبدأ مباشرة عملها من الآن بعيدا عن تسلط المؤسسة الوطنية للنفط".

وأضاف بن دردف أن "شركة البريقة هي المسؤولة عن تسويق النفط في أكبر المدن والمناطق في شرق وجنوب ليبيا، وما تم من المؤسسة الوطنية للنفط هو إقصاء عملها ومسك الإمداد من الغاز والمحروقات لديها، واليوم قمنا بعملية جراحية لإنقاذ الشركة من التسلط المفروض علينا".

وأرجع مدير مكتب الإعلام بالمؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي، أسامة ماضي، قرار انفصال الشركة إلى رفض المؤسسة في غرب البلاد إرسال شحنات وقود الطائرات إلى مستودعات شرق البلاد. وقال ماضي، في تصريحات لصحيفة "صدى الاقتصادية" الليبية، إن الشركة ستعمل باستقلالية لتوفير الوقود في مستودعاتها في شرق البلاد والجنوب.

وعقب ذلك، أصدرت الحكومة المؤقتة القرار رقم (90) لسنة 2019، بشأن إعادة تشكيل مجلس إدارة شركة البريقة لتسويق النفط. وجاء في نص القرار أنه ولمقتضيات المصلحة العامة سيعتمد قرار مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط ببنغازي رقم (125) لسنة 2019، بشأن إعادة تشكيل مجلس إدارة شركة البريقة لتسويق النفط.

وقوبلت هذه التحركات بادانة شديدة من طرف المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، وأكدت المؤسسة، في بيان لها نشر عبر موقعها الرسمي، أن وحدة المؤسسة والشركات التابعة لها وشرعيتها الحصرية منصوص عليهما في القانون الليبي، وتحميهما قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وأشار البيان إلى تصريح رئيس المؤسسة، مصطفى صنع الله، والذي قال فيه:"ترفض المؤسسة الوطنية للنفط أي محاولات لتقسيم قطاع النفط الليبي وتسييسه لخدمة المصالح الضيقة والأجندات الخارجية". وأضاف أن "إمدادات الوقود إلى المناطق الوسطى والشرقية، تعد أكثر من كافية لسدّ احتياجات المواطنين".

وبحسب صنع الله، فإن الدافع الحقيقي وراء هذه المحاولة هو"إنشاء كيان غير شرعي لتصدير النفط من ليبيا بشكل غير قانوني"، مضيفًا:"لنكن واضحين، إذا ما فقدت المؤسسة الوطنية للنفط حقها الحصري بتصدير النفط، فإن مستقبل وحدة ليبيا سيكون في خطر كبير".

وبحسب البيان، فإن صنع الله أكد على قيام المؤسسة الوطنية للنفط بالنظر في جميع التدابير القانونية والدبلوماسية، كما تحذّر المؤسسة الشركات العاملة في سوق النفط من أن أي محاولة للعبث وإبرام عقود أو الشروع فيها مع الجسم الوهمي، هو مخالفة صريحة لقرارات مجلس الأمن، وستلجأ المؤسسة إلى كافة السبل القانونية المتاحة من أجل ضمان وحدة ليبيا. 

وأشار البيان إلى أن إمدادات وقود الطيران إلى المناطق الوسطى والشرقية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019 أعلى بنسبة 21% مقارنة بالعام 2018، وأعلى بنسبة 52% خلال الفترة الممتدة بين أبريل/ نيسان وأغسطس/ آب، ويعزى الانخفاض في تزويد وقود الطيران في شهر أغسطس/ آب، إلى توافر المخزون في مستودعات المنطقة لفترة كافية وعدم وجود فراغات فيها..

وأضاف البيان أن المكلف من قبل الحكومة المؤقتة بتعيينه على رأس مجلس إدارة الشركة التابع لها، هو عضو سابق في مجلس إدارة الشركة، وقد ارتكب مخالفات إدارية ومالية كانت محل تحقيق داخلي في المؤسسة الوطنية للنفط، وتم تشكيل لجنة تحقيق معه يوم 25 مارس/ آذار 2019، وقد قامت الجمعية العمومية لشركة البريقة لتسويق النفط بإيقافه عن العمل، وإحالته إلى النائب العام للتحقيق معه جنائيًا في التهم الموجهة إليه.

وتأتي هذه التطورات بعد أن خرجت المؤسسة الليبية للنفط عن الحياد الذي لطالما ادعت التزامها به بين أطراف النزاع في الشرق والغرب بعدما خفضت إمدادات الكيروسين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش، في محاولة تهدف لشل سلاح الجو بعدما بات الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر يسيطر على الأجواء الليبية.

وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس برئاسة مصطفى صنع الله في السادس من سبتمبر الجاري تقييد إمدادات الكيروسين (وقود الطائرات) إلى المناطق الشرقية في ليبيا والخاضعة لسيطرة الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر.ووصف دبلوماسيون ومسؤولون بقطاع النفط هذه الخطوة بأنها محاولة لمنع قوات الجيش الليبي من استخدام الإمدادات في معركتها المستمرة منذ خمسة أشهر للسيطرة على العاصمة، وذلك بحسب وكالة "رويترز".

وكثيرا ما اتهمت السلطات شرق البلاد ممثلة في البرلمان والجيش رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله بالانحياز لتيار الإسلام السياسي، وهو ما نفاه الأخير في أكثر من مناسبة.وشدّد مصطفى صنع الله بعد أيام من اندلاع  معركة تحرير طرابلس في أبريل الماضي على حياد قطاع النفط والمؤسسة باعتبارها جهازا تقنيا واقتصاديا، مؤكّدا على ضرورة البقاء بمنأى عن كلّ النزاعات السياسية والعسكريّة.

وتقود المؤسسة الوطنية للنفط منذ عقود صناعة الخام في البلاد، وتقوم بتزويد مختلف المحافظات بحاجتها من البترول ومشتقاته، وتقود قطاع تصدير الخام عبر الحدود.وكانت الولايات المتحدة أكدت الأسبوع الماضي خلال اللقاء الذي جمع بين رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، بكل من، مساعد وزير الخارجية الأمريكي شينكر، والسفير نورلاند بمقر السفارة بتونس على ضرورة بقاء مؤسسة النفط على الحياد.

وأظهر الاجتماع دعم الولايات المتحدة لهدف المؤسسة الوطنية للنفط والمتمثل في أن تظل المؤسسة جهة فنية ومحايدة تعمل على ضمان أن يُسهم إنتاج النفط وعائداته في ليبيا بشكل مباشر في تحسين حياة الشعب الليبي كما نصّت عليه قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو ما اعتبر بمثابة رسالة لصنع الله لإيقاف الحرب التي يشنها على الجيش.

ولدى ليبيا أكبر مخزون للنفط في أفريقيا،وتعد إحدى أغنى دول الإقليم نفطياً، إذ تقدر الاحتياطات النفطية المؤكدة فيها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا.وقبل الأزمة التي تعاني منها منذ العام 2011، كانت ليبيا تنتج 1.6 مليون برميل نفط يوميا في المتوسط.لتدخل بعدها الدولة الواقعة في شمال أفريقيا في حالة فوضى،والصراع على أبرز الموانئ.

وتتعمق الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا يوما بعد يوم في ظل الخلافات القائمة بين أطراف النزاع الداخلية سياسياً وعسكريا.ومع أجواء التحشيد والتموضع،تنطلق التصريحات والخطابات التحريضية من هنا وهناك منذرة بجولة جديدة منا الصراع في دولة تعاني منذ سنوات من تداعيات الانقسامات على جميع المستويات.ويأمل الليبيون في تحقيق الأمن والاستقرار وعودة الازدهار الاقتصادي لسابق عهده.