كانت مسألة وقت  فقط كي تتسلم ليبيا الساعدي القذافي، الابن الثالث للزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي ، من النيجر وهي أحد أفقر البلدان في العالم و تلعب دورا رئيسيا في الجهود الغربية لمكافحة إرهاب تنظيم القاعدة في منطقة الساحل وشمال وغرب أفريقيا. ومن المرجح أن تسلط محاكمة الساعدي القذافي سيء السمعة والذي عرف بهوسه بكرة القدم الضوء على حقبة وحشية مظلمة في تاريخ كرة القدم الليبية.

الساعدي كان يعيش في الوقت الضائع في النيجر إلى حيث هرب بعد فشل قوات النخبة التي كان يقودها في إحباط الثورة الشعبية عام 2011  والتي أطاحت بنظام القذافي. وكان استمرار وجود الساعدي في النيجر ، بعد أن أٌحبط مخطط هروبه إلى المكسيك ، مصدر إزعاج لنيامي وهي المتحالفة بشكل وثيق ومتزايد مع الولايات المتحدة وفرنسا في الكفاح ضد التشدد الإسلامي في المنطقة.

النيجر التي بررت منح اللجوء إلى الساعدي لأسباب " إنسانية" قائلة إن ليس لديها ضمانات كافية على انه سيحصل على محاكمة عادلة سلمته على الرغم من أن الحكومة الليبية الانتقالية لم تتمكن من بناء سلطة قضائية مستقلة ذات مصداقية، أو إنشاء قوة عسكرية وأمنية مهنية، و تطبيق نظام للسجون .

وقال مكتب النائب العام الليبي إن الساعدي البالغ من العمر 41 يواجه تهما عدة ، بما في ذلك "جرائم لإبقاء والده في السلطة" ؛ و" التورط في جريمة قتل لاعب المنتخب الوطني و مدرب نادي طرابلس لكرة القدم بشير الرياني،  أحد أبرز منتقدي القذافي ، و " الترهيب عندما رئيسا للاتحاد الليبي لكرة القدم، " وهي نفسها التي استخدمها الانتربول عندما أصدر "بطاقة حمراء" ضد الساعدي القذافي بناء على طلب من ليبيا بعد فترة وجيزة من سقوط نظام القذافي.

وقد عرف الرياني باللاعب "رقم تسعة" ، وذلك بسبب حظر نظام القذافي نشر أسماء اللاعبين في محاولة للتأكد من أنها لن تصبح معروفة على نحو أفضل من الساعدي أو العقيد القذافي نفسه.

وقال الرياني للساعدي قبل عامين من مقتله  إن الأخير جزء من الدكتاتورية ومفسد لليبيا، وبعدها تعرض (الرياني)  للضرب وترك على الأرض خارج منزله"، و خلال إقامة نصب تذكاري للرياني بعد الثورة ، أوضح حسين الرمالي ، وهو زميل سابق للرياني أن الرياني وجه هذه الاتهامات عندما كان يدرب نادي أهلي طرابلس الذي كان مملوكا للساعدي قائد الفريق في الوقت نفسه..

والحال أن مقتل الرياني يعد حلقة واحدة فقط من سلسلة من الفظائع المرتبطة بكرة القدم خلال نظام القذافي .

في ليبيا حيث  المسجد و ملعب كرة القدم كانا المنفِّسين الوحيدين عن الغضب المكبوت والإحباط قبل الثورة الشعبية التي أدت إلى سقوط النظام ، كان جمع الساعدي بين المنتخب الوطني ونادي طرابلس يعني أن هيبة النظام على الخط كلما لعب الفريق .

ونتيجة لذلك، أصبحت كرة القدم  مباراة سياسية تملي فيها السياسة النتائج بدل المنافسة الرياضية و الأداء.

كانت مباريات الدوري متحكم فيها لضمان بقاء الأهلي الذي كان يملكه الساعدي، في المقدمة بسبب الخوف من أن ينظر لأي هزيمة للنادي على أنها هزيمة للنظام .

ركلة جزاء في مباراة أهلي بنغازي أمام فريق البيضة ، مسقط رأس أم السعدي والمكان الذي نظمت فيه أولى المظاهرات المناهضة للحكومة احتجاجا على الفساد في الإسكان عام 2011 أثارت (ضربة الجزاء) غضب أنصار  بنغازي الذين اجتاحوا الملعب ، لتتوقف المباراة.

وتقف كومة من الأنقاض في مدينة بنغازي بشرق ليبيا شاهدا حزينا على الشطط  و التلاعب في كرة القدم من مستبدي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثل الساعدي الذي وصفته برقية مسربة للسفارة الامريكية عام 2009 بأنه " معروف بسوء السلوك " .

الركام هو ما تبقى من جهود السعدي لإقبار النادي التاريخي. ألوان النادي الحمراء والبيضاء ممنوعة من العرض على العموم فيما أودع العشرات من أنصار النادي  السجن ، بعضهم حكم عليهم بإلإعدام بتهمة محاولة قلب نظام  القذافي.

قصة أهلي بنغازي تقف كانحراف في سياق جهود زعماء الشرق الأوسط مثل الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد و رؤساء  اليمن وتونس و مصر ،  للتماهي مع  فرق كرة القدم الوطنية في محاولة لتعزيز شعبيتهم المتآكلة.

مدعوما من الساعدي، ازدهر أهلي طرابلس الذي استعرض عضلاته المالية التي سمحت له بشراء أفضل اللاعبين و إرشاء الحكام و مراقبي الخط للتاثير على نتائج المباريات.

وقبل أكثر بقليل من عقد من الزمان ، نال مشجعو الأهلي ما يكفي من تخريب الساعدي للعبة.  هتفوا ضده وفريقه  خلال مباراة  لنهائي الكأس بحضور شخصيات  افريقية كبيرة وألبسوا حمارا  ألوان نادي أهلي طرابلس. وهو ما أفقد الساعدي عقله.

"سوف أدمر ناديكم ! وسوف أحوله إلى عش بومة، تنقل صحيفة لوس انجليس تايمز عن خليفة بن سريتي رئيس نادي  أهلي بنغازي في ذلك الوقت ،و الذي سجن في حملة لاحقة .

وقد أوفى الساعدي بوعيده. إذ هندس سقوط أهلي بنغازي إلى دوري الدرجة الثانية ، بل عمل على إذلال حكم في مباراة للأهلي ضد فريق ليبي بفرض ركلة جزاء مشكوك في شرعيتها.

 

 

 

 

 

 

 ردا على ذلك، نزل المدرب إلى الحكم ، ودفعه حسب ما يزعم . ليقتحم المشجعون المتشددون أرض الملعب. علقت اللعبة و حسم مصير أهلي بنغازي   .

ولم تترك جماهير الاهلي الأمر يتوقف عند هذا . فبينما كانوا متوجهين إلى وسط مدينة بنغازي رددوا هتافات ضد الساعدي، وأحرقوا مجسما لوالده و أضرموا النار في الفرع المحلي للاتحاد الليبي لكرة القدم.

" كنت على استعداد للموت في ذلك اليوم، شعرت بالإحباط " نقلت لوس انجليس تايمز عن علي علي رجل أعمال الذي كان من بين الحشد الغاضب ... " كنا جميعا على استعداد للموت . "

لم يستغرق الأمر وقتا طويلا  ليقوم رجال أمن يرتدون ملابس مدنية بالرد .. بينما كان آخرون يسوون 37 هكتارا لنادي الاهلي ومرافقه بالأرض . أما الشرطة التي زارت بيوت مشجعي كرة القدم فقد اعتقلت نحو 80 شخصا أدين 30 منهم في طرابلس بتهم تخريب وتدمير الممتلكات العامة واٌلإتصال مع المعارضين الليبيين في الخارج ، وهي جريمة يعاقب عليها بالإعدام في ليبيا.

وفعلا حكم ثلاثة أشخاص بالإعدام لكن حاكم ليبيا حوّل عقوباتهم لاحقا إلى السجن مدى الحياة ، ثم أفرج عن الثلاثة بعد قضائهم  خمس سنوات في السجن.

وعاد أهلي بنغازي إلى الحياة في عام 2004 في البداية كفريق في دوري الدرجة الثانية، ولكن صعد في وقت لاحق إلى الدوري الممتاز. 

وقصة الأهلي هي دراسة عن استخدام كرة القدم من قبل الأنظمة العربية الاستبدادية لصرف الانتباه عن المشاكل السياسية والاقتصادية ، ولسياسة " فرق تسد" التي ينهجها المستبدون في السياسة والحكم.

قصة الساعدي  مثل قصة  "قيصر" الرياضة العراقية نجل صدام حسين تعكس أمثلة صارخة لوحشية  الاعتداء من السياسيين وشططهم بحق اللعبة. 

إنها أيضا القصة غير المحكية لكرة القدم في رقعة من الأرض تمتد من المحيط الأطلسي من أفريقيا إلى الخليج كمنصة لمقاومة القمع والمحسوبية والفساد والتي خرج "مقاتلوها" إلى الخطوط الأمامية في الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي اجتاحت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومازالت تواصل الضغط من أجل التغيير السياسي.

 

"هافينغتون بوست"