في الوقت الذي تدور فيه مواجهات دامية بين ميليشيات متناحرة في طرابلس وبنغازي، افتتح مجلس النواب المنبثق عن انتخابات 25 حزيران/ يونيو في ليبيا جلسته الأولى في طبرق في ظل مخاوف من عدم تمكنه من السيطرة على الوضع في ليبيا. تعيش ليبيا منذ منتصف مايو/ آيار على وقع الفوضى والقتال العنيف بين الميليشيات المتناحرة، خاصة في محيط العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي، وهو ما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة حوالي ألف آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، وفق إحصاءات وزارة الصحة. وقد دقع الوضع الأمني المتدهور، العديد من الدول الغربية لسحب دبلوماسييها ومواطنيها من البلاد. كما غادر موظفو بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا (UNSMIL) البلاد، بعد أن فشلوا حتى الآن في مساعدة الليبيين على تحقيق الاستقرار وبناء نظام ديمقراطي يشمل مختلف الفصائل المتناحرة. ورغم ذلك تأمل الدول الغربية والمجتمع الدولي في أن يساهم البرلمان الجديد في دفع الميليشيات المتناحرة لوقف إطلاق النار، وأن تسهم المفاوضات في إنهاء الخلافات السياسية بينهم. غير أن المعطيات الحالية تنذر بالمزيد من التصعيد.

خلاف بين القوى الإسلامية والعلمانية

فضل النواب المناهضون للإسلاميين الاجتماع في طبرق التي تقع على بعد 1500 كلم شرق العاصمة، بسبب المعارك العنيفة الدائرة فيها منذ الهجوم الذي شنته الجماعات الإسلامية المسلحة في 13 تموز/ يوليو. في حين يقاطع النواب الإسلاميون بقيادة رئيس المؤتمر الوطني العام الليبي نوري أبوسهمين، وحلفاؤهم من مدينة مصراته حفل افتتاح البرلمان الجديد، الذي اعتبروه غير دستوري، مؤكدين أن على رئيس المؤتمر الوطني العام، أي البرلمان المنتهية ولايته والذي كان يهيمن عليه الإسلاميون، أن يدعو إلى الاجتماع. وهو ما قام به أبو سهمين فعلا، إذ دعا النواب في طرابلس إلى حفل "استلام السلطة"، باعتبار العاصمة طرابلس، المكان الشرعي الوحيد لتسليمها. غير أن متابعي الشأن الليبي يعتبرون أن انعقاد الاجتماع في طبرق بحضور ممثلي جامعة الدول العربية وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا ومنظمة المؤتمر الإسلامي تؤكد شرعية الجلسة الافتتاحية. كما أفاد بعض النواب أن أكثر من 160 نائبا، من أصل 188 توجهوا نهاية الأسبوع إلى طبرق البعيدة عن أعمال العنف حتى الآن والقريبة من الحدود المصرية وهو ما يعزز شرعية البرلمان الجديد، الذي تنعقد عليه آمال كبيرة. وانتخب مجلس النواب الليبي في يونيو/ حزيران ليحل محل المؤتمر الوطني العام الذي يقول بعض المحللين إن تأثير الإسلاميين فيه كان أكبر مقارنة بالبرلمان الجديد.

وتم في الجلسة الافتتاحية نقل الصلاحيات التشريعية من المجلس الوطني العام المنصرف إلى مجلس النواب الجديد.

ضعف المؤسسات السياسية

التطور الحالي والخلافات السياسية العميقة تزيد من إضعاف المؤسسات الديمقراطية، خاصة وأن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في أواخر يونيو، لم تتجاوز 20 في المائة بالإضافة إلى اتهامات بتزوير الانتخابات. ومن جهته عبر المحلل السياسي الليبي سالم سلطان عن تخوفه من ضعف نفوذ النواب الجدد وعدم قدرتهم على تغيير الوضع في البلاد، في ظل استمرار تحكم الميليشيات المتناحرة في الأوضاع السياسية والأمنية، وهو ما يؤكده ماتيا توالدو، الخبير في الشؤون الليبية، الذي يقول بأن السلطة الحقيقية في يد قادة الميليشيات ويضيف الخبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، بأن العديد من قادة الميليشيات وعلى رأسهم، اللواء السابق خليفة حفتر أو قادة الحركة الإسلامية "أنصار الشريعة" ليس لديهم مصلحة في التوصل إلى حل سلمي، مشيرا إلى أن :"هذه القوى لا تؤمن بالحوار وتقاسم السلطة. بل يعتقدون أنهم قادرون على السيطرة عسكريا على كل شيء". أما أندرياس ديتمان، الخبير في الشؤون الليبية بجامعة غيسن الألمانية، فيحمل المجتمع الدولي والغربي بشكل خاص، جزءا من المسؤولية عن الوضع الحالي، لأن الغرب لم يف على حد تعبيره، بقراراته بشأن إعادة إعمار البلاد وفشل أيضا في نزع سلاح الميليشيات. وهو ما يشاطره روبن رايت من معهد وليسون للأبحاث السياسية في واشنطن، الذي يقول أنه "بعد دعم قوى المعارضة في الإطاحة بنظام معمر القذافي سنة2011، تخلت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي عن دعم ليبيا بشكل تدريجي. والنتيجة حسب ديتمان ، الخبير في الشؤون الليبية، هي تدهور الوضع، حتى أصبح أعضاء البرلمان المنتخب غير قادرين على عقد اجتماع في العاصمة طرابلس، خوفا على حياتهم. وهو ما يؤكد على ضعف الدولة ومؤسساتها، التي لم تعد قادرة حتى على حماية نخبها السياسية. ويضيف ديتمان:" الحكومة لم تعد قادرة على أداء الوظائف الأساسية للدولة مثل ضمان الأمن الداخلي والخارجي والسلامة الإقليمية منذ فترة طويلة." وهو ما يجعل ليبيا بمثابة"مريض في وحدة العناية المركزة".

*عن موقع دوتشي فيلي