لا شك أن الانخراط التركي في الأزمة الليبية كان واضحا منذ البداية،فخلال السنوات التي أعقبت سقوط البلاد في الفوضى تكررت عمليات ضبط شحنات الأسلحة القادمة من تركيا الى الأراضي الليبية دعما للمليشيات والمتطرفين،ومنذ اندلاع الصراع في طرابلس في أبريل/نيسان الماضي،كثفت انقرة من عمليات ارسال السلاح لكن الأخطر من ذلك كان ارسال المرتزقة والارهابيين من بؤر التوتر الى ليبيا.
وخلال الأشهر الماضية تكرر صدور التقارير التي تتحدث عن عمليات نقل لآلاف المرتزقة والعناصر الارهابية من سوريا الى ليبيا عن طريق تركيا التي تسعى لدعم حلفائها في طرابلس.وبالرغم من نفي حكومة الوفاق في أول الأمر وصول المرتزقة فان رئيسها فائز السراج لم يجد بدّا من الاقرار بذلك في يناير الماضي،حين قال "نحن لا نتردد في التعامل مع أي طرف في مساعدتنا لدحر هذا الاعتداء بأي طريقة كانت"،في اجابة عن سؤال حول الاستعانة بمرتزقة سوريين للقتال في صفوف قواته، خلال مقابلة أجراها مع تلفزيون "بي بي سي" البريطاني.
وتحدثت تقارير اعلامية متعددة عن اغراءات كبيرة بحوافز مختلفة،تقدمها أنقرة للمرتزقة مثل منح الجنسية التركية ورواتب تصل إلى ألفي دولار شهرياً للقتال إلى جانب الميليشيات المسلحة في العاصمة الليبية.وقدر "المرصد السوري لحقوق الإنسان"،في وقت سابق أعداد المرتزقة الذين وصلوا ليبيا بنحو 3600 مقاتل من الفصائل والألوية الموالية لتركيا في سوريا.

الجديد في الأمر أن طيب رجب إردوغان،يقر ولأول مرة بإرسال بلاده للمرتزقة الموالين للقتال في ليبيا،وقال إردوغان إن تركيا "موجودة في ليبيا عبر قوّة تجري عمليات تدريب... وهناك كذلك أشخاص من الجيش الوطني السوري"، في إشارة إلى مقاتلي المعارضة الذين كان يطلق عليهم سابقاً اسم "الجيش السوري الحر".
كما أقر الرئيس التركي،بسقوط قتلى من عناصر المرتزقة الذين نقلهم  لقتال الجيش في ليبيا.وبحسب سبوتنيك قال أردوغان في كلمة له بمدينة إزمير،السبت، "ذهبنا إلى هناك (ليبيا) مع فرق من الجيش الوطني السوري المعارض، ومستمرون في الكفاح في الميادين ضد قوات (قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة) حفتر". وأضاف "لدينا عدد من الشهداء في القتال مع قوات حفتر، ولكن قمنا بالقضاء على عدد من المقاتلين المرتزقة هناك مقابل ذلك".
اعتراف أردوغان بوجود مرتزقته في ليبيا وان كان الأول من نوعه فانه ليس مفاجئا فهذه المعلومة لم تكن في حاجة لاعترافه لتأكيدها فخلال الأسابيع الماضية قدمت الكثير من الدلائل القاطعة على وجود المرتزقة من فيديوهات وصور واعترافات لمسؤولين على رأسهم اعتراف رئيس حكومة الوفاق بتحالفه مع مرتزقة أردوغان لقتال الجيش الليبي.
 لكن الأغرب من ذلك،أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بات يتكلم على نحو يشير الى أنه المتحكم الفعلي في القرار في طرابلس،حيث قال أردوغان  في تصريحات مثيرة للجدل نقلتها وكالة "الأناضول"،إن بلاده لن تحاور قائد الجيش الليبي خليفة حفتر لأن ليس له وضع شرعي أو قانوني بحسب توصيفه.

تصريحات أردوغان تلقى الضوء على حقيقة ارتهان حكومة الوفاق للقرار التركي،وهو ما يمكن ملاحظته في زيارة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج الغير معلنة الى إسطنبول،الخميس الماضي، في الوقت الذي أعلنت فيه الأمم المتحدة استئناف محادثات جنيف بين وفدي طرابلس والقيادة العامة للجيش الوطني.
وأفاد المكتب الإعلامي للسراج،بأن اللقاء تناول التشاور والتنسيق بين تركيا وحكومة الوفاق، تجاه تطورات الأزمة الليبية سياسيًا وعسكريًا.لكن مراقبين يرجحون أن تكون زيارة السراج لتركيا التي لم يعلن عنها مسبقا كانت بهدف اطلاع الرئيس التركي على تطورات الوضع بعد قصف الجيش الوطني الليبي مستودعا للأسلحة والذخيرة التركية في ميناء طرابلس.
ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصادر دبلوماسية،قولها إن السراج أطلع إردوغان على ما دار في مفاوضات جنيف، والموقف بعد قصف الجيش الليبي ميناء طرابلس، ورجحت أن يكون قد طلب مزيداً من الدعم العسكري التركي لوقف تقدم الجيش الوطني، وتضييقه الخناق على وصول السلاح ومقاتلي الفصائل السورية المسلحة الذين ترسلهم تركيا إلى طرابلس كمرتزقة.
وكانت قيادة الجيش قد أعلنت في بيان لها،مسؤوليتها عن قصف ميناء طرابلس البحري،مشيرة إلى أنه "جاء نظراً للخروقات المتكررة، وإطلاق النار من قبل الجماعات الإرهابية، التي خرجت عن سيطرة السراج وزمرته". وقالت إنها أعطت أوامرها لتوجيه ضربة عسكرية على مستودع أسلحة وذخيرة داخل ميناء طرابلس، بهدف إضعاف الإمكانيات القتالية للمرتزقة، الذين وصلوا من سوريا لمساعدة عناصر الجماعات المسلحة المتحالفة مع مقاتلي تنظيم "داعش" و"القاعدة".
وحاولت حكومة السراج استغلال الهجوم لكي تعلن وقف مشاركتها في مباحثات جنيف وهو ما بدا أنه قرار تم اتخاذه في أنقرة حيث سارع الرئيس التركي الى اعلان تأييده للانسحاب.من جهة أخرى،قال المتحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم قالن،لوكالة "الأناضول"، الثلاثاء،تعقيبا على الهجوم على ميناء طرابلس، "كان هناك قصف، لكن لم تقع إصابات، وتم الرد على مصدر هذه النيران".في مشهد يشير الى أن تركيا باتت هي التي تصدر الأوامر بمهاجمة الجيش الليبي.
ولا يملك رئيس حكومة الوفاق إصدار قرارات دون استشارة وموافقة تركيا،وهو ما أكده  قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر،الجمعة،خلال مقابلة مع وكالة الإعلام الروسية "سبوتنيك"،قائلا أن "حكومة السراج لا تملك قرارها فهي حكومة مرتهنة داخليا للمليشيات والمجموعات الإرهابية وخارجيا لتركيا وقطر"، مشيرا إلى أن "السراج لا يملك من أمره شيئاً، والدليل تصريحات أردوغان التي أكد فيها على ضرورة انسحاب الوفاق من محادثات جنيف".
ومن جانبه،أكد الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي أحمد المسماري،في مؤتمر صحفي مساء الأربعاء الماضي،أن أردوغان أصبح يصدر تصريحات رسمية وكأنه أصبح رئيس طرابلس.وأشار المسماري،الى إن أردوغان يتجه إلى التصعيد في الأزمة الليبية بشكل كبير جدا، ويواصل إرسال السلاح والإرهابيين إلى طرابلس وعرقلة أي مبادرة سلمية لحل النزاع الليبي.
وتسعى الأمم المتحدة الى انقاذ محادثات وقف إطلاق النار في ليبيا،التي قال عنها المبعوث الأممي غسان سلامة،انها تسير في "الاتجاه الصحيح" ولكنه "يواجه عقبات" تتعلق بالانتهاكات المتواصلة لحظر الأسلحة والهدنة التي أعلنت الشهر الماضي، خاصة مع اقرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوجود مرتزقة سوريين يقاتلون إلى جانب الميليشيات الداعمة لحكومة الوفاق في طرابلس.


ورهن الجيش الليبي استعداده لوقف إطلاق النار بانسحاب المرتزقة السوريين والأتراك من البلاد وتوقف تركيا عن مد حكومة الوفاق في طرابلس بالسلاح.وقال الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي،في تصريحات تلفزيونية الجمعة، أن القيادة العامة لن توقع على اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار قبل انسحاب المرتزقة والقوات التركية من الأراضي الليبية.
وكان القائد العام للجيش الوطني الليبي خليفة حفتر،أعلن في تصريحات سابقة لوكالة "سبوتنيك" الروسية،استعداده للموافقة على وقف إطلاق النار في البلاد، إذا لُبيت شروطه، التي تتضمن "انسحاب القوات التركية والمرتزقة" منها، ووقف إمدادات السلاح وتصفية الجماعات الإرهابية في العاصمة طرابلس.
وتعليقاً على شروط قائد الجيش الليبي لتثبيت وقف النار، ومنها انسحاب "مرتزقة تركيا ووقف تسليح الميليشيات في طرابلس"، قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامة في مقابلة مع وكالة "رويترز"،إنها شروط معقولة.ولدى سؤاله عما إذا كان الطرف الآخر مستعدا لقبول تلك الشروط أو المطالب، قال "أعتقد أن هذه المطالب معقولة، وأعتقد أن الطرف الآخر يراها معقولة أيضا. السؤال الآن هو متى وما هو المقابل؟ هذا هو التفاوض".
وتوقع سلامة انعقاد المحادثات السياسية في جنيف الأربعاء المقبل لكنه يعمل على إجراءات لبناء الثقة.وأوضح سلامة أنه لا يزال يجري محادثات مكوكية في جلسات منفصلة مع مسؤولي حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني بدلا من اجتماعهما سويا.وقال "نحن بالتأكيد حازمون في عزمنا على إطلاق العملية السياسية بالطريقة التي أطلقنا بها (المحادثات) الاقتصادية والعسكرية".


وبدأت في جنيف الجمعة جولة جديدة من محادثات وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع الليبي،في اار الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة في ليبيا.وكان مجلس الأمن الدولي تبنى في 12 شباط/فبراير للمرة الأولى منذ بدء حملة الجيش الوطني الليبي لاستعادة طرابلس في نيسان/إبريل 2019، قراراً يطالب بـ"وقف دائم لإطلاق النار" في ليبيا.
ويتهدد الفشل هذه الجهود خاصة في ظل استمرار خرق تركيا الاتفاقيات وتواصل عملياتها لنقل شحنات السلاح الى ليبيا والتي كان آخرها اعلان رئيس الادعاء العام في مدينة جنوة الإيطالية الجمعة إن السلطات ألقت القبض على قبطان سفينة ترفع علم لبنان تم احتجازها في ميناء جنوة للاشتباه في تهريبها أسلحة إلى ليبيا تشمل دبابات ومدفعية.
واحتجزت الشرطة في ميناء جنوة السفينة بانا في الثالث من فبراير.وقال مصدر قضائي،وفق وكالة "رويترز"، إن السفينة خضعت للتفتيش بعد ذلك بعدما أبلغ ضابط بالسفينة السلطات الإيطالية بأنه تم تحميلها بأسلحة في ميناء مرسين التركي ونقلها إلى العاصمة الليبية طرابلس.وأضاف المصدر أن الشحنة شملت دبابات ومدافع هاوتزر ومدافع رشاشة وأنظمة دفاع جوي.
ويرى مراقبون، إن حكومة الوفاق رهينة لتركيا التي باتت تدير الصراع في ليبيا من خلال دعم المليشيات المسلحة والتنظيمات الارهابية بالسلاح والمرتزقة بهدف السيطرة على ثروات البلاد ونهبها لتحقيق أطماع أردوغان وأحلامه الاستعمارية التي سبق أن كشف عنها صراحة حين اعتبر أن ليبيا جزء من ارث أجداده العثمانيين.


وباتت كل مخططات أردوغان وحلفائه مكشوفة لدى الشعب الليبي الذي أدرك مساعي تركيا للسيطرة البلاد وتنفيذ مشروعها التخريبي في المنطقة.وخولت القبائل والنخب الليبية، في بيانها الختامي للقائها بترهونة،الخميس،القوات المسلحة بالبدء بسرعة حسم المعركة والقضاء على المليشيات، مع التأكيد على مقاومة كافة أشكال الغزو الخارجي وفي مقدمتها الغزو التركي. وشدد المجتمعون على عدم قبول أي حوار أو هدنة قبل خروج كافة الإرهابيين والمرتزقة من ليبيا، ورفع قضايا دولية ضد الدول التي صنعت الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا وعلى رأسها قطر وتركيا.
واجتمع 4 الآلاف شخص من شيوخ وأعيان القبائل والمدن والنخب الليبية فى مدينة ترهونة غرب ليبيا على مدار يومين، للتأكيد على أن ليبيا دولة مستقلة ذات سيادة وموحدة.وطالب المجتمعون الأمم المتحدة بسحب اعترافها بما يسمى بالمجلس الرئاسي ومجلس الدولة اللذين لم يحصلا على اعتراف مجلس النواب الليبي، داعيين إلى محاكمة المجلسين بجريمة خيانة الوطن.وشددت قبائل ليبيا على أن المصالحة الوطنية الشاملة أساس بناء العلاقة الوطنية لتضميد الجراح وجبر الضرر لخلق وئام اجتماعي وضمان وحدة الدولة ومؤسساتها.