منذ اندلاع الصراع في العاصمة الليبية طرابلس في الرابع من أبريل/نيسان الماضي،تصاعد التدخل التركي في ليبيا لدعم القوات الموالية لحكومة الوفاق،وبعد شحنات الأسلحة والطئرات المسيرة دفعت أنقرة بجنودها وآلاف من المرتزقة الموالين لها الى الأراضي الليبية في محاولة لعرقلة تقدم الجيش الوطني الليبي ومنعه من دخول طرابلس.

وخلال الأشهر الماضية تكرر الحديث عن الوجود العسكري التركي في الأراضي الليبية وهو ما سعى مسؤولون أتراك وآخرون في حكومة الوفاق الى نفيه،لكن التطورات الميدانية فرضت على هؤلاء الاقرار بهذا الوجود خاصة في ظل الخسائر التي باتت تواجهها تركيا أمام الجيش الوطني الليبي الذي أعلن في أكثر من مناسبة عن استعداده لمواجهة الغزو التركي ودحره.

 وتصاعدت وتيرة المواجهات بين الجيش الوطني الليبي وتركيا التي باتت تقود الصراع في طرابلس،وأكد مصدر عسكري ليبي أن المدفعية الموجهة التابعة للجيش الليبي استهدفت عدة مواقع، ليلة أمس الثلاثاء/الأربعاء، بمدينة طرابلس، ما أوقع  خسائر بشرية ومادية بينها عناصر من المرتزقة التابعة لتركيا.ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن النقيب سليمان الجارح،قوله إن المدفعية الموجهة استطاعت إصابة عدة أهداف تم رصدها مسبقا بوساطة الاستخبارات العسكرية، بينها مخازن أسلحة وغرفة عمليات تابعة للقوات التركية.

وأضاف الجارح إن القصف استهدف غرفة عمليات بقاعدة معيتيقة تستعملها عناصر من الضباط والجنود الأتراك لتسيير عملياتها في طرابلس وإطلاق الطائرات المسيرة، مؤكدا مقتل أكثر من 10 عناصر بهذا القصف أغلبهم من القوات التركية.كما أكد أن القصف الثاني طال قاعدة أبي ستة البحرية، واستهدف سفينة شحن صغيرة قادمة من تركيا، موضحا أن القصف أصاب الحمولة التي أنزلتها السفينة بالكامل، كما قتل أكثر من 20 مسلحا بينهم 5 ليبيين والباقي من بين الأتراك والسوريين.

 من جهة أخرى،أسقطت دفاعات الجيش الوطني الليبي اليوم الثلاثاء، طائرة عسكرية تركية مسيرة جنوب العاصمة طرابلس.وقالت غرفة عمليات المنطقة الغربية في بيان، إن الطائرة من نوع "بيرقدار" أقلعت من مطار معتيقة، وجرى إسقاطها حينما كانت تستعد لاستهداف وحدات عسكرية في محور الأحياء البرية.وأكدت الغرفة أن "الجيش بالمرصاد لأي تحرك للمليشيات والمرتزقة أو الطيران التركي حتى تحرير طرابلس".







يذكر أن الجيش الليبي استهدف طوال الأسبوع الماضي عدة مواقع بالقصف المدفعي المباشر مؤكدا أن هذه الأهداف تعمل على زيادة القدرة العسكرية للميليشيات والمرتزقة في طرابلس، وتخرق الهدنة التي لا يزال الجيش يحترمها، كما تقوم المجموعات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق بقصف عدة مواقع بوساطة الدبابات وتحاول استهداف قوات الجيش بالطيران التركي المسير

وأكد الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي أحمد المسماري، أن من أسماهم بـ "العصابات الإرهابية" بقيادة أتراك، يروعون المدنيين في تخوم العاصمة طرابلس بالاسلحة الثقيلة.وبين المسماري، في منشور عبر الصفحة الرسمية للناطق الرسمي باسم القيادة العامة، على موقع التواصل فيس بوك، منتصف ليل الثلاثاء، أن القصف يأتي  من عدة مواقع داخل طرابلس، حيث استهدفت بيوت المدنيين في منطقتي قصر بن غشير وعين زارة، بحسب المنشور.

وتدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني الليبية وأرسلت مرتزقة سوريين مع بعض جنودها وأسلحتها لمساعدة الحكومة المتمركزة في طرابلس، ضد الجيش الوطني الليبي.واعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان،الثلاثاء،بمقتل جنديين تركيين في ليبيا.وقال أردوغان، في مؤتمر صحفي قبيل مغادرته إلى أذربيجان، "قتل عسكريان تركيان في ليبيا، وهناك عناصر من الجيش الوطني السوري في ليبيا، ولديهم قواسم مشتركة".




وكان إردوغان،أقر السبت الماضي، للمرة الأولى بمقتل بعض الجنود الأتراك خلال القتال في العاصمة طرابلس، إلى جانب القوات الموالية لحكومة السراج ضد قوات الجيش الوطني الليبي.وقال أردوغان "نحن (في ليبيا) بجنودنا (الأتراك) وفرقنا من الجيش الوطني السوري نواصل الكفاح هناك، لدينا عدد من الشهداء.. في المقابل، قمنا بتحييد نحو مئة من جنود حفتر (الجيش الوطني)".على حد زعمه.

وأكد مدير إدارة التوجيه المعنوي بـالقوات المسلحة العربية الليبية عميد خالد المحجوب،في وقت سابق، سقوط 16 قتيلا، من الجيش التركي خلال المعارك مع القوات المسلحة في طرابلس.وقال المحجوب:" إن 16 قتيلا من الجيش التركي سقطوا على أيدي القوات المسلحة الليبية حتى الآن ونعد الرئيس التركي بالمزيد"، وفقا لروسيا اليوم.

وترددت أنباء بقوة عن مقتل الجنرال خليل سوسيال عضو هيئة أركان الجيش التركي وقائد القوات التركية في ليبيا، إثر إصابته خلال قصف للجيش الليبي استهدف سفينة تحمل أسلحة تركية بميناء طرابلس.وبحسب تقارير إخبارية، أصيب الضابط التركي بجروح خطيرة في القصف يوم 18 فبراير/شباط الجاري، قبل أن يلقي حتفه في تركيا التي نقل إليها للعلاج.

وليست هذه المرة الأولى التي يتصاعد فيها الحديث عن خسائر في صفوف القوات التركية المتواجدة في ليبيا لدعم حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي،ففي 10 يناير/كانون الثاني الماضي، تحدثت مصادر مسؤولة في ليبيا عن مقتل 3 ضباط أتراك آخرين وإصابة 6 في معارك العاصمة قبل إعلان وقف إطلاق النار 12 يناير/كانون الثاني الماضي.

كما تعرض مرتزقة الرئيس التركي، إلى خسائر مدوية بشكل مستمر أمام قوات الجيش الوطني الليبي،  إثر المعارك الضارية بالقرب من طرابلس، حيث أكدت وكالة الأنباء الروسية "تاس" الأحد 2 فبراير 2020، أن أكثر من 70 مقاتلًا من مرتزقة الفصائل الموالية لأنقرة، ممن أرسلتهم تركيا لدعم قوات الوفاق للقتال ضد الجش الليبي قتلوا في المعارك بالقرب من طرابلس، موضحةً نقلًا عن مصادر عسكرية أن عدد القتلى من الميليشيات السورية بلغ 71، وإصابة نحو 50 آخرين.




وتثير هذه التطورات تساؤلات حول بداية المواجهة العسكرية بين قوات الجيش الليبي وتركيا.وكانت صحيفة لوفيغارو الفرنسية قد توقعت،الأحد الماضي، أن يدخل الجيش الليبي في مواجهة عسكرية مباشرة مع "الغزو التركي" في حال فشل مفاوضات جنيف لوقف إطلاق النار.وقالت لوفيغارو تحت عنوان "إذا فشلت المحادثات.. حفتر سيواجه الغزو التركي" إن مهمة المبعوث الأممي الخاص لدى ليبيا غسان سلامة ستكون عسيرة، بعد اعتراف أردوغان بمقتل جنود أتراك في معارك طرابلس.

واستشهدت الصحيفة في تقريرها بتصريحات القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، التي أكد فيها عدم إمكانية نجاح محادثات جنيف إلا في حالة انسحاب المرتزقة السوريين والأتراك من بلاده. فيما تمسك حفتر كذلك بوقف إرسال شحنات الأسلحة من تركيا إلى العاصمة الليبية طرابلس وتصفية الجماعات الإرهابية.

وحذرت لوفيجارو من عقبات استمرار علاقة أردوغان برئيس حكومة الوفاق فايز السراج، والتي تتزايد منذ توقيع اتفاقًا أمنيًا وبحريًا في نوفمبر الماضي.وقالت: "كل لقاء يجمع أردوغان والسراج يسفر عن أزمة، ففي نوفمبر الماضي وقع الطرفان على مذكرة أمنية"، ثم الإعلان عن الغزو العسكري التركي لليبيا.

ونددت عدة دول غربية وعربية بالتدخل العسكري التركي في ليبيا منذ إعلان أردوغان ذلك في خطوة أججت الصراع أكثر في البلاد التي تعاني من الفوضى منذ 2011، حيث اتهم أردوغان بنقل عناصر من داعش والقاعدة ومسلحين متشددين موالين لأنقرة من سوريا للقتال في ليبيا وتهديده لأمن المنطقة بأسرها.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، اليوم الأربعاء،أن موسكو تؤكد تقارير فريق خبراء مجلس الأمن بشأن، نقل المسلحين إلى ليبيا بمساعدة من تركيا، قائلا ""نص مشروع قرار (الأمم المتحدة بشأن ليبيا) لم يذكر الإرهابيين والمقاتلين الأجانب، على الرغم من أن مجموعة من خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يبلغون بانتظام عن نقلهم إلى ليبيا. نلاحظ أيضا هذا، وهذا يحدث بمساعدة تركيا".




ويتهم الجيش الوطني الليبي، السراج وأردوغان يعدم التزامهما بالتعهدات المبرمة في مؤتمر برلين للتسوية الليبية، وتحديدًا ما يرتبط بوقف تسليم الأسلحة للميليشيات.وكان القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر قد أكد في تصريحات قبل أيام ضرورة تحمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن ودول برلين مسؤولياتها في وقف تدفق المرتزقة السوريين والأتراك والأسلحة المختلفة، التي تنقل يوميًا لطرابلس عبر تركيا أمام العالم أجمع دون رادع.

وبدأت تداعيات الخسائر التركية في ليبيا تلقي بظلالها على الداخل التركي،حيث أكد حزب الشعب الجمهوري أن أردوغان يخفي معلومات عن قتلى الجيش التركي في ليبيا.وانتقد الحزب سياسة التكتم التي يتبعها أردوغان وإخفاءه معلومات عن الشعب التركي بخصوص قتل جنود من جيشه في طرابلس.

وطالب الحزب بضرورة إعطاء معلومات وافية عن ذلك وضرورة سحب قواته من ليبيا تفادياً لإراقة دماء الأتراك هناك.كما شدد الحزب التركي على أن إنهاء التدخل في الشأن الليبي، بات ضرورة حتمية خاصة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية لتركيا في عهد أردوغان، مبيناً أن عدد العاطلين وصل إلى أربعة ملايين عاطل مقارنة بمليونين فقط قبل تولي أردوغان مسئولية البلاد.

ويواصل نظام أردوغان الكشف عن نواياه المشبوه تجاه البلدان العربية وعلى رأسها ليبيا،حيث تسعى انقرة إلى تكريس حالة الفوضى، وإنتاج المزيد من عدم الاستقرار في المشهد الليبي وذلك من خلال دعم الجماعات الموالية لها بهدف مد أذرعها والسيطرة على البلاد خدمة لمصالحها وأطماعها في هذا البلد الغني.وتؤكد المؤشرات على الأرض أن ستفشل في ظل اصرار الجيش الليبي على اجتثاث الجماعات الموالية لأنقرة من العاصمة الليبية واستعادة سلطة الدولة،مستعينا في ذلك بوعي الشعب الليبي ووقوفه ضد التدخلات الخارجية التي تقودها الأطماع في نهب ثرواته.