ذكر الكاتب ماتيا توالدو، في مقال نشر على موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الأجواء المحيطة بمراكز التصويت في الانتخابات الليبية يوم 25 يونيو لم تكن حماسية ولم تشهد مشاركة مكثفة، والملاحظ أن ليبيا انزلقت ببطء، لكن بثبات نحو فترة من العنف طال أمده، إن لم يكن حربا أهلية شاملة، وقد رأى كثيرون أن الانتخابات تمثل حلاّ سحريا، ولكنها قد تتحول إلى فرصة ضائعة إذا لم يتم البدء في مصالحة حقيقية ، وإذا أثرت نسبة الإقبال المنخفضة على الشرعية.

وبين الكاتب أنه منذ 16 مايو الماضي، يقاتل تحالفان مسلحان بعضها البعض، في الجانب الأول يقف تحالف اللواء المتقاعد خليفة حفتر والأعضاء السابقين لوحدات من الجيش، الذين انشقوا عن نظام القذافي خلال الثورة عام 2011، وكتائب الزنتان التي تسيطر على أجزاء مهمة من طرابلس، أما على الجانب الآخر فتقف كتائب "أنصار الشريعة" وكتائب تنحدر من مصراتة وكتائب قريبة من الإخوان المسلمين.

وأبرز أن العنف يتركز في شرق البلاد، ولا سيما في بنغازي، حيث تعرض البرلمان في طرابلس للاعتداء في 18 مايو الماضي، ويبقى حتى الآن الفعل الأكثر رمزية من القتال.

مواجهة

ويدعي تحالف حفتر الذي توحد تحت راية "عملية الكرامة"، أنه يقاتل ضد "الإرهابيين"، وغالبا ما يتداخل هذا المفهوم مع "الإسلاميين" أو مع جماعة الإخوان المسلمين، وقد اجتذب اللواء المتقاعد جانبا من الدعم الشعبي في ضوء عدة عوامل، منها القلق المتنامي إزاء العنف المستشري، الذي خلف في بنغازي وحدها 50 قتيلا في صفوف المسؤولين الحكوميين والأمنيين خلال فبراير الماضي، هذا إضافة إلى تنامي المشاعر المعادية للإخوان في صفوف  شريحة واسعة من الذين أيدوا الثورة، وعدم ثقتهم في البرلمان الحالي "المؤتمر الوطني العام" الذي حاول تمديد ولايته.

 

وأوضح الكاتب أن المؤتمر لم يتمكن من الموافقة على ميزانية عام 2014، التي دخلت حيز التنفيذ "تلقائيا"، بعد أربعة أشهر من اقتراحها من قبل رئيس الحكومة المقال علي زيدان، الذي لم يكن قادرا على قمع الفوضى الناتجة عن عشرات الكتائب المختلفة، حتى إن بعضها مرتبط بأعضاء بارزين في البرلمان، والنتيجة كانت تنامي مشاعر عدم الثقة المتزايد في المؤسسات الديمقراطية والعملية الانتقالية عموما.

جدل

هذا وسجل في الانتخابات حوالي نصف عدد المسجلين خلال الانتخابات السابقة في يوليو 2012، حيث سجل 1.5 مليون ناخب مقارنة بـ2.8 مليون في ذلك الوقت.

وأبرز الكاتب أن الانفصاليين في الشرق هددوا  في سنة 2012، بمنع الانتخابات، ولكن لم يتمكنوا إلا من الإبقاء على عدد قليل من مراكز الاقتراع مغلقة، والأكثر إزعاجا من ذلك هو أن الضمانات المعتادة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة كانت قليلة في ليبيا بمناسبة هذه الانتخابات. فالمحاكم في كل من بنغازي ودرنة وسرت وسبها لا تعمل، وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، إلا أنه لم تتوفر بعثة مراقبة دولية شاملة في جميع أنحاء البلاد.

 

وقال الكاتب، ربما لن تحلّ هذه الانتخابات أزمة الشرعية التي تؤثر على المؤسسات الرئيسية في ليبيا، وسيكون من الصعب على الأجانب استيعاب النتائج على الفور، نظرا إلى كون القانون الانتخابي قد منع القوائم الحزبية، ويبدو المرشحون مستقلون، لكن في ظل غياب الكتل السياسية الواضحة، قد يؤدي ذلك إلى انتخاب وجهاء وزعماء محليين دون انتماء واضح.

وأشار إلى أن أغلب الفصائل، أكدت للمبعوثين الدوليين، أنها سوف تعترف بالنتائج، ولكن من الصعب القول ما إذا كانت الانتخابات ستضع حدا للقتال، وبين الكاتب أن آخر محاولة للمصالحة، نظمتها البعثة الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا ليوم 18 يونيو الحالي، ولكن تم إحباط ذلك بسبب معارضة جبهة حفتر لها.

مصالح

وشدد الكاتب على أنه ينبغي على البرلمان الجديد، - الذي سيتغير اسمه ليصبح "مجلس النواب"-، أن ينتخب رئيس حكومة جديد في أسرع وقت، إذ من الواجب أن تستعيد الحكومة سلطتها، وبين أن هذا الأمر ليس بالمهمة السهلة، نظرا للتجزئة الناجمة عن قانون الانتخابات، تضاف إليه الخلافات الحدودية القائمة بين المدن التي لعبت أدوارا مختلفة خلال الثورة والحرب الأهلية التي تلت ذلك.

 

وينبغي أيضا أن يكون استئناف إنتاج النفط ووقف العنف الحالي من أهم الأولويات، وأشار الكاتب إلى أن بعض الكتائب المتنازعة، ترى في فراغ السلطة، فرصة لها للحيلولة دون التوصل إلى حل توافقي، ما يعني أن هذا الأمر يمكن أن يتوسع ليصبح حربا شاملة ضد "الإخوان" و"أنصار الشريعة"، على خطوط المواجهة الإقليمية بين الملكيات المحافظة ومصر من جهة وفروع مختلفة من الإسلام السياسي على الجانب الآخر.

ولاحظ الكاتب أن الجائزة الكبرى في ليبيا  تتمثل في السيطرة على مصادر النفط، الذي يعد الرافعة المالية الرئيسية، خاصة بالنسبة للأوروبيين، هذا ويجدر التذكير بما تضمنه قرار مجلس الأمن الدولي عدد 2146، من أن الدول لن تشتري النفط المتداول من قبل قوات معادية للحكومة المنتخبة ديمقراطيا، وقد وقع اللجوء فعلا إلى التدخل العسكري لمنع هذه التجارة غير المشروعة. ولكن من الصعب القول ما إذا كان هذا الأمر كافيا لوقف الحرب الأهلية.