لم  يعد أمام  قبيلة الزنتان إلا أن تستفيد من الفجوة التي فتحتها لها محكمة الجنايات الدولية  في جدار الأزمة الليبية المتصاعدة ، وأن  تخرج بنفسها من دائرة الحرج أمام القبائل المتحالفة معها تاريخيا والتي لا تزال موالية لنظام العقيد الراحل معمر القذافي ،وتطلب من الزنتان إطللاق سراح سيف الإسلام القذافي أو تقديمه للقضاء الدولي بدل محاكمته سياسيا وأمام قضاء غير مضمون الحياد في ليبيا

فقد  حسمت محكمة الجنايات الدولية موقفها من قضية سيف الإسلام القذافي وقالت إنه سيحاكم أمامها رافضةً بذلك طلباً ليبياً بمحاكمته في طرابلس ،وهو ما يطالب به سيف الإسلام ذاته ، الذي يرى المقربون منه أنه يثق في القضاء الدولي ،كما يثق في براءته من التهم المنسوبة إليه ، ورفضت لجنة من خمسة قضاة يترأسها القاضي إركي كورولاس  رفضت استئنافا بهذا الخصوص تقدمت به ليبيا ضد قرار صادر عن المحكمة في لاهاي بهذا الخصوص عام 2013.وكانت  المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسوده مجلس الأمن الدولي ان خاطبت العام الماضي مجلس الأمن للضغط على الحكومة الليبية للامتثال لقرار المحكمة الجنائية الدولية بإرسال سيف الإسلام القذافي إلى لاهاي بهولندا لمحاكمته.

و قالت بنسوده "إن الاعتبارات السياسية لا مكان لها حين يطبق القانون بطريقة حيادية ومستقلة" واضافت "أحث بشدة الحكومة الليبية على تسليم سيف الإسلام القذافي إلى المحكمة دون مزيد من التأخير"وفي العام 2011  قدمت لائحة اتهام ضد سيف الإسلام  تتضمن "ارتكاب جرائم ضد الإنسانية" و "القتل والاضطهاد"، يرى الادعاء أنها ارتكبت خلال قيام نظام حكم والده معمر القذافي بقمع انتفاضة شعبية اندلعت في تلك السنة، وتمكنت في النهاية من الإطاحة به.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 27 يونيو 2011، مذكرات توقيف بحق الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي ونجله سيف الإسلام ورئيس المخابرات عبد الله السنوسي السنوسي متهمة إياهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية أثناء قمع التظاهرات في ليبيا. وقال لويس مورينو أوكامبو، مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية أنذاك، إن لديه أدلة جوهرية على أن سيف الإسلام، قد ساعد باستئجار مرتزقة لمهاجمة مدنيين ليبيين كانوا يتظاهرون ضد حكم والده، غير أن قضية المرتزقة باتت جزءا من الماضي كونها كانت خدعة إعلامية لشيطنة نظام القذافي ،ولم يثبت إعتماد النظام السابق على أية مرتزقة أجانب ، بينما تأكد مشاركة أرهابيين من خارج ليبيا في مقاتلة قوات النظام 

ويرى مراقبون  أن تلك التهم تم توجيهها لسيف الإسلام في ظل الضغط الدولي على والده بالتنازل عن الحكم وفي ظل مخطط دولي كان الهدف منه الإطاحة بالنظام الليبي السابق لفائدة المعارضة التي كانت تقود تمردا مسلحا مدعوما من قبل حلف الناتو وتشارك فيه الجماعات الدينية المتمردة التي كان سيف الإسلام وراء إطلاق سراحها من السجون وجلبها من سجون  باكستان وأإفغانستان وغوانتامو وفي نوفمبر 2011 إعتقلت كتائب الزنتان سيف الإسلام القذافي في جنوب البلاد عندما كان يستعد لمغادرة ليبيا حيث وشى به دليله في الصحراء 

وكان الدليل يوسف صالح الحطماني من بلدة برقن في أقصى الصحراء الكبرى قد عُرضَت عليه المكافأة لتهريب سيف الإسلام وأربعة من مرافقيه إلى منطقة الحدود الليبية مع النيجر والجزائر.

وذكر أن رجال سيف الإسلام قالوا له إن هناك من ينتظر ليقله بعد وصوله إلى مبتغاه وينقله إلى منفاه "ليعود لاحقا ويسعى لزعامة بلده مرة أخرى".وقال الحطماني لصحيفة تلغراف البريطانية  في ديسمبر 2011"أشكر الله لأنه مكنني من الانتصار على هذا العدو. لقد مُنحت الملايين ولكن كل أموالهم لا تساوي حجرا واحدا من صحرائنا ولا قطرة واحدة من دماء شهدائنا"ولم يهنأ الحطماني طويلا بالمكافأة المالية التي حصل عليها ولا بالمجد الأسطو،ري الذي حاول أن يحيط به نفسه حيث تمت تصفيته في أول فبراير 2012 من قبل مقاتلين من أنصار النظام السابق 

الى ذلك ،كشفت صحيفة «ديلي ستار صنداي» البريطانية، أن جواسيس من جهاز الأمن الخارجي البريطاني «إم آي 6» ساعدوا في اعتقال سيف القذافي في إطار عملية تنصت بلغت تكلفتها 25 مليون جنيه إسترليني. وقالت إن العملية السرية أطلق عليها اسم «إكس» لعدم تسريب أية أدلة عنها، واستخدمت أحدث تكنولوجيا الاستخبارات الإلكترونية للتنصت على سيف وأصدقائه وأفراد أسرته، والذي كان يختبئ في الصحراء. وأضافت أن الاختراق حصل حين أجرى سيف الإسلام مكالمتين هاتفيتين، ما سمح لعملية التنصت المشتركة البريطانية الفرنسية بتحديد مكان وجوده. وأشارت الصحيفة إلى أن جهاز «إم آي 6» البريطاني تمكن من تحديد المكان الذي يختبئ فيه بدقة باستخدام المعدات السرية. ونسبت إلى مصدر أمني بريطاني قوله «إن سيف الإسلام ارتكب خطأ وكنا بانتظاره، وعندما يقوم شخص ما بالانسحاب من المشهد لا يستطيع مقاومة الرغبة في الاتصال بأفراد مقربين منه ليبلغهم أنه على ما يرام، ومكننا ذلك من التعرف على جميع الهواتف وأجهزة الاتصال التي بحوزته». وأضاف «سيف الإسلام كان مستهدفا من قبلنا، لكن كان من الضروري أن يقوم الليبيون بإلقاء القبض عليه، لأنه كان الساعد الأيمن وعضوا رئيسا في نظام والده»

وكانت المخابرات البريطانية والفرنسية والأمريكية قد قامت بدور أساسي في الإطاحة بنظام القذافي الذي كان يعتبر عدوا رئيسيا للغرب ،وفي 20 أكتوبر 2011 تمت تصفية القذافي بعد أسره في سرت من قبل مسلحين من مدينة مصراتة ، حيث قامت برصد تحركاته وقصف موكبه الذي كان متجها لمسقط رأسه بوهادي في صحراء سرت ، وإعتمدت على غازات مخدرة أطلقت طائرة فرنسية  للسيطرة على تحركات سيارته ثم القبض عليه حيا وقتله وإنتهاك حرمة جسده ،وتصوير فيديوهات بذلك ونشرها على الإنترنيت ، وبعد أشهر تمت تصفية الشابين الذي أقتادا القذافي الى حتفه من قبل أنصار النظام السابق 

وأكدت تقارير مخابراتية أن قرار تصفية القذافي جاء من باريس والدوحة لقبر الملفات والأسرار التي يمتلكها حول مؤامرات قطر على الدول الخليجية والعربية وحول تمويل حملة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الإنتخابية ، وكذلك للقضاء على أي أمل لدى أنصاره بأمكانية عودة نظامه الى الحكم وبعد أقل من شهر تم إعتقال سيف الإسلام الذي كان مؤهلا لخلافة والده ، والمعروف بأنه كان يمتلك علاقات جيدة مع أغلب قائدي معركة الإطاحة بوالده من الإسلاميين والليبيراليين ،وكان وراء التفاوض معهم وإطلاقهم من السجون ومساعدتهم ماديا ومعنويا وتوظيف عدد كبير منهم في الدولة الليبية ومنذ إعتقاله رفضت قبيلة الزنتان تسليم سيف الإسلام القذافي الى سلطات طرابلس لمقاضاته 

ووراء رفض الزنتان تسليم سيف الإسلام القذافي للحكومة أسباب عدة منها على ما يرى مراقبون تحالفات قبلية قديمة كانت مستمرّة حتى الحرب الأخيرة التي أطاحت بنظام القذافي، فالزنتان تنتمي إلى تحالف يسمّى «الصف الفوقي» من القبائل البدوية ويضم قبائل ورفلة والقذاذفة والمقارحة وأولاد سليمان، وشكّل هذا الصف تحالفات مع قبائل أخرى تحيط بالعاصمة طرابلس من ثلاث جهات وهي المشاشية وورشفانة وترهونة وأولاد بريك والنوايل والصيعان والرقيعات والقديرات وأولاد طالب والعجيلات، وتعتبر الزنتان القبيلة الوحيدة من ضمن هذا التحالف التي شاركت في جهود الإطاحة بنظام القذافي، ما جعلها في عزلة بين القبائل البدوية التي يرى أغلب أبناؤها أن ما حدث في ليبيا كان ثورة ذات أبعاد جهوية من قبل قبائل الشرق، ومرتبطة بصراع عرقي قادته أطراف ذات جذور غير ليبية تحالفت مع تنظيم الإخوان المسلمين، وأسهم تدخّل التحالف الدولي في تفكيك المجتمع الليبي إلى موالين للنظام السابق ومناوئين.

وفي ظل هذا الوضع المعقّد بقيت الزنتان القبيلة البدوية الوحيدة في منطقة غرب وجنوب ليبيا المندفعة كلياً لدعم التحالف ضد النظام السابق بين القبائل البدوية الكبرى التي لا تزال ترى في سيف الإسلام القذافي رمزاً لها، ورجل سياسة بإمكانه جمع نسبة مهمة من الليبيين حوله، كما وجدت نفسها في مواجهة مع القبائل الأمازيغية المحيطية بها والتي ترى وجود قبيلة عربية في جبل نفوسة نشازاً يمنعها من تحقيق أملها في تكوين إقليم أمازيغي في ظل إعادة ترتيب خارطة ليبيا والمنطقة ككل.ونظراً لأن تعداد سكان الزنتان لا يتجاوز 35 ألف نسمة، فإنها تحتاج في حالة العدوان عليها دعم القبائل البدوية الأخرى وخاصة القريبة من الجبل الغربي والواقعة على سفحه ومنها الصيعان والنوايل وورشفانة والعجيلات والمشاشية، وكذلك قبائل الصف الفوقي التاريخي: ورفلة وأولاد سليمان والمقارحة والقذاذفة.

يضاف إلى ذلك أن كتائب الزنتان في طرابلس، تعيش حالة صراع صامت تحوّل إلى مواجهات مسلّحة في مناسبات عدة مع ميلشيات تابعة لمصراتة وحلفائها يقع أغلبها تحت سيطرة الجماعات السلفية والإخوان المسلمين،ولكن سرعان ما دخلت كتائب الزنتان في طرابلس وهي القعقاع والمدني والصواعق في مواجهة فعلية مع الميلشيات الإخوانية والجهادية المتشددة المدعومة من قبل قطر وتركيا ،وخصوصا بعد إنضمامها الى الجيش الليبي تحت أمرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر  وسعت الزنتان إلى استقطاب عدد من ضباط وجنود الجيش الليبي السابق ومن اللواء 32 المعزّز الذي كان تحت قيادة خميس القذافي، ومن كتيبة محمد المقريف وخاصة في إطار لواء القعقاع الذي كان قد دخل منذ أواخر يونيو الماضي في معارك مع ميلشيات غنيوة الككلي في حي بوسليم بطرابلس، نجح خلالها في تحرير عدد من الأسرى داخل سجون غير تابعة للحكومة.

وتسعى الزنتان وفق مراقبين إلى استعادة علاقاتها في إطار تحالفها مع القبائل البدوية الكبيرة والعريقة عبر رفضها تسليم سيف الإسلام القذافي إلى العاصمة طرابلس مخافة وقوعه بين أيدي ميلشيات خارجة على القانون ومنها ميلشيات مصراتة الواقعة تحت هيمنة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية، وهي الميلشيات التي سبق لها التورّط في اغتيال والده معمر القذافي وشقيقه المعتصموفي ظل الصراع الحالي ، لا تزال القبائل المؤيدة للنظام السابق ومنها ورشفانة وورفلة والمقارحة والقذاذفة والمشاشية وغيرها ،تطالب بإطلاق سراح سيف الإسلام القذافي القادر حسب رأيها على توحيد صف القبائل وأنصار النظام السابق في مواجهة المد الإخواني والسلفي الجهادي والميلشياوي الذي يسيطر على مفاصل الحكم المتهالك في البلاد 

 ويعتقد المراقبون أن إستعادة تحالفات الزنتان القديمة وحصولها على دعم القبائل الموالية لنظام القذافي يمر عبر إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي من سجونها ،أو تسليمه لمحكمة الجنايات الدولية ،التي سيكون حكمها أقرب الى العدالة والإنصاف من أي حكم قضائي ليبي خاضع للخلفية السياسية ويقول محامو سيف أنه كان مدنيا ولم يكن له دور في المعارك ولا في قيادة القوات المسلحة مثل شقيقيه خميس والمعتصم بالله الذين تمت تصفيتهما خلال الحرب ، وأن وراء رغبة الحكام الجدد في مقاضاته والحكم عليه بالإعدام أو السجن المؤبد ،طموح بإقصائه نهائيا من الحياة السياسية وهو الذي يمتك نسبة مهمة من الأنصار بين القبائل وفي المدن الليبية تتجاوز ما يمتلكه أي طرف مقابل من الداعمين السياسيين ويمنح قرار المحكمة الجنائية لقبيلة الزنتان فجوة لتجاوز الحرج مع حلفائها السابقين خصوصا في ظل الظرف الحالي الذي تجد نفسها فيه محتاجة الى مساندة قوية منهم في معركة المصير ضد التكفيريين والخارجين عن القانون وميلشيات الإخوان والقاعدة