لليوم الرابع على التوالي، تشهد العاصمة الليبية طرابلس وقف إطلاق نار بين المجموعات المتصارعة في جنوبها، لكن تصريحات قادة الحرب فيها قد تعكس هشاشة الاتفاق الموقّع بينها، لا سيما وأن تلك الفصائل لا تزال تحافظ على تمركزاتها ولم تعلن أي منها سحب أسلحتها ومقاتليها. يأتي ذلك، في وقت تشير فيه الأحداث إلى إمكانية تدخل الجيش الليبي بعملية عسكرية لتحرير المدينة من سطوة الميليشيات.

وشهدت العاصمة الليبية اشتباكات بين مجموعات مسلحة متنافسة على نفوذ ونقاط تمركز،ما أدى لسقوط  78 قتيلًا و210 جرحى،بحسب آخر إحصائية لإدارة شؤون الجرحى في طرابلس، التابعة لوزارة الصحة بحكومة الوفاق،والتي أكدت عبر بيان صدر عنها،السبت 08 سبتمبر 2018: إن "الحصيلة الجديدة تضم ضحايا المواجهات منذ اندلاعها في 26 أغسطس/آب الماضي، وحتى منتصف اليوم".

هدنة هشة

وعلى الرغم من سريان وقف إطلاق النار الذي توصلت إلية بعثة الأمم المتحدة،فإن الحديث عن إمكانية تجدد الإشتباكات لم ينقطع.حيث توعدت الجماعات المسلحة باستئناف القتال إذا لم تسفر المحادثات التي يستضيفها مبعوث الأمم المتحدة الخاص غسان سلامة عن تسوية دائمة..

وبحسب "رويترز"،قال أحمد بن سالم المتحدث باسم قوة الردع،إحدى أقوى الوحدات المسلحة في طرابلس "نحن ملتزمون بوقف إطلاق النار طالما لم يتم اختراقه من الطرف الآخر".وتابع قائلا "قوتنا ما زالت متمركزة في مكانها… ونحن ننتظر ما الذي يستجد بخصوص وقف إطلاق النار".فيما أكد اللواء السابع، وهو الجماعة المنافسة الرئيسية لقوة الردع، لرويترز أنه سيبقى في مواقعه أيضا.

أما المتحدث باسم لواء الصمود، صلاح بادي،فقد هدد بأن "الساعات القادمة ستكون حاسمة"،في تسجيل مصور ،مساء الجمعة،نشرته صفحة تسمي نفسها "عملية تطهير طرابلس" عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسوك".وبادي هو أحد قيادات عملية "فجر ليبيا" وعضو المؤتمر الوطني العام السابق عن مدينة مصراتة،وظهر في الثامن والعشرين من أغسطس مع بدء التوترات، معلنًا تواجده في العاصمة طرابلس. 

الجيش يتوعد

وفي تطور جديد،شدد القائد العام للجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، على ضرورة أن تتحرر العاصمة طرابلس، وأن لا تبقى في أيد عابثة، لافتا في هذا السياق إلى أن الجيش لا يتحرك إلا بحسابات دقيقة.مؤكدا على "استحالة التنازل عن أي قطعة أرض في بلادنا، ناهيك عن العاصمة طرابلس.

ولوح المشير خلال لقاء عقده،الخميس، مع ممثلي القبائل الليبية بتحرير طرابلس مجددا من قبضة الميليشيات المسلحة، وقال إن "تحرير المدينة وفقا لخطة عسكرية مرسومة خيار لا مناص منه"، معتبرا أن "الجيش سيتحرك إلى طرابلس في الوقت المناسب، والأمر محسوب لأنه لا يتحرك إلا بحسابات دقيقة".

ولفت القائد العام للجيش، إلى أن الأزمة التي شهدتها طرابلس "لا بد أن تنتهي في أقرب وقت، ولا يمكن أن نصمت أمام الوضع الحالي... فطرابلس عاصمة ليبيا التي لن يتم التنازل عن أي قطعة أرض فيها وفي كل ليبيا، كما أنّه لا بد لطرابلس أن تتحرر ولا يمكن أن تبقى في أيادي عابثة لوقتٍ أطول".

كما تعهد المشير حفتر بالقضاء على تنظيم داعش في ليبيا، مشددا على أنّ بلاده ستكون إحدى الدول التي تتخلص من "الدواعش" قريباً،مشيرا إلى أن 85 في المائة من أهالي العاصمة مع قوات الجيش الوطني، التي قال إنها "تسيطر على مناطق كبيرة في المنطقة الشرقية، وعلى رأسها مدينة بنغازي".

وفي تصريحات له الأسبوع الماضي، أكد آمر القوات الخاصة، اللواء ونيس بوخماده،على جاهزية قواته للتدخل لفض الإشتباكات في طرابلس ، إلا أنهم بانتظار أوامر القائد العام للقوات المسلحة.

وأضاف المسؤول العسكري الليبي، في مقطع فيديو مصور خلال كلمته بحفل تأبين أحد ضباط الجيش، نشرته وسائل إعلام محلية، أنهم رهن إشارة الشعب الليبي وأنهم مستعدون لتقديم المزيد من الشهداء في الجنوب أو في طرابلس.

وأوضح ونيس بوخماده أنه لا بد من التضحية لطرد العصابات المارقة، مشيرا إلى أن بنغازي لم تتخلص منهم إلا بعد وقوف أبنائها وضحوا بأنفسهم فداء للوطن.

ولفت قائد القوات الخاصة إلى أن الجيش الليبي لن يتوقف، فالمشوار لا يزال طويلا، مطالبا أهالي طرابلس وكل مدن ليبيا بالاقتداء بأهالي بنغازي الذين دفعوا الدماء لطرد العصابات المسلحة من مدينتهم.

تدخل وشيك

ويشير مراقبون إلى أن تدخل الجيش الليبي بات وشيكا في ظل الأزمة التي تعصف بالعاصمة.ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن النائب بمجلس النواب الليبي، إبراهيم الدرسي،اعتقاده بأن تصريحات حفتر "جاءت بعد صمت متعمد عقب أحداث العاصمة التي أثبتت لليبيين وللعالم أن طرابلس لا يمكن أن تستقر بوجود الميليشيات المسلحة متعددة الولاءات".

وأضاف الدرسي،إن المهم الآن هو أن "جل الليبيين، وخاصة العسكريين في غرب البلاد، أصبحت لديهم قناعة تامة بضرورة التواصل مع القيادة العامة للجيش الليبي في شرق البلاد والتنسيق معها لتحرير العاصمة من الجماعات المسلحة".وأعرب الدرسي عن اعتقاده بأن ذلك هو "ما سيحصل، وأن الجيش الليبي سيدخل طرابلس لا محالة، وبالتنسيق مع أفراد الجيش هناك".

وبدورها لم تستبعد سلطنة المسماري، عضو مجلس النواب الليبي، عن مدينة بنغازي، أن تكون معركة تحرير طرابلس قريبة جدا، لعدة اعتبارات أبرزها أن قيادة الجيش "لن تقبل أبدا العبث بالعاصمة، واستمرار تغول الميليشيات فيها".وقالت في تصريح لصحيفة "العرب"،إن ما ورد على لسان حفتر "واضح وجلي"، ثم إن الجيش الليبي 'لن يبقى مكتوف الأيدي أمام هذا العبث الذي يتم بتواطؤ المجتمع الدولي الذي تجاهل فرض الترتيبات الأمنية التي تنص أساسا على إخراج الميليشيات من العاصمة".

واعتبرت أن المسؤولية الوطنية والأخلاقية الملقاة على كاهل الجيش "تفرض عليه التحرك لتحرير طرابلس من عبث الميليشيات، وإني واثقة بأن الجيش له ما يفعله في العاصمة، وسيفعله في الوقت المناسب".

من جانبها، نقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن الباحث في المعهد الألماني للشئون الدولية والأمن (مقره برلين) ولفرام لاتشر،قوله "أن السبب الرئيسي لأزمة طرابلس تورط حكومة الوفاق ومجلسها الرئاسي مع مافيا الميلشيات ومنحهم الأمان".وحذر لاتشر من أن الأزمة الليبية ستستمر طالما لم تتخذ أي إجراءات أمنية وسياسية حاسمة.

ودعا الباحث الألماني إلى ضرورة تدخل الجيش الوطني للبلاد، ووجودهم على الأرض لتطهيرها من الفصائل المسلحة، حتى لا تعود مرة أخرى، مشيراً إلى أن استبعاد عدد كبير من السياسيين والجيش الوطني الليبي في التسوية السياسية أجج الوضع، وأتاح الفرصة للمليشيات والعصابات في السيطرة على طرابلس.

مؤشر جديد

وتأتي هذه التطورات في وقت أعلن فيه عدد من القيادات العسكرية في مدينة مصراتة إن هناك إجماعًا في المدينة على تغيير سياستها، والاستعداد الآن للحوار مع الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر. ونقلت صحيفة "كوريري دي لا سيرا" الإيطالية، عن تلك القيادات القول إن رئيس الحكومة الانتقالية فايز السراج "ﻓﺸﻞ في إدارة البلاد؛ وإنهم يئسوا ﻣﻦ الحروب".

وقال القائد العسكري عبد الرحمن كوت (34 عامًا) من كتيبة "المرداس"، وهي ميليشيات تتكون من 250 مقاتلًا شاركوا قبل عامين، في الخط الأمامي للقتال ضد تنظيم داعش في سرت:"إن الجميع تقريبًا اختاروا البقاء في مصراتة". وأضاف:"اليوم كل شيء مختلف عن الوقت الذي كنا فيه مستعدين للتطوع والموت في سرت، كانت تلك حربًا عادلة ضد الإرهابيين، وكثير منهم من الأجانب المتعصبين، أما هذه (ويقصد ما يجري في طرابلس)، فهي حرب أهلية بين الليبيين، ولن تؤدي إلى شيء، إن لم يكن سفك دماء جديدة.

وتشير صحيفة "كوريري دي لاسيرا"،إلى إن هذه التصريحات، على أقل تقدير مذهلة، فعندما حاربوا ضد داعش، أكد هؤلاء الرجال بحذر، أن حفتر كان عدوهم الرئيس، وتوعدوا بأن هدفهم بعد سرت هي بنغازي.وبدلًا من ذلك، يتحدث القيادي السعداوي عن الحاجة لإطلاق "حوار وطني" قوي ومفتوح للجميع، من حفتر إلى رؤساء ترهونة والزنتان والجنوب والشمال، بما في ذلك سيف الإسلام، نجل العقيد معمر القذافي، الذي أعلن منذ فترة طويلة أنه يود خوض الانتخابات.

وأشارت الصحيفة إلى أن الكثيرين يرغبون في تأجيل الانتخابات إلى ما بعد العاشر من ديسمبر المقبل.مشيرين إلى "إن التصويت  يوم 10 كانون الأول/ ديسمبر سيكون ضربًا من الجنون. نحن لسنا مستعدين. لا يزال هناك الكثير من الفوضى".

وكانت فرنسا شدّدت خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول ليبيا الأربعاء الماضي على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في هذا البلد في 10 ديسمبر المقبل تنفيذًا للاتفاق الذي تم التوصّل إليه في باريس في مايو الماضي، مؤكّدة أن إجراء الانتخابات هو السبيل الوحيد لإخراج البلاد من الوضع الراهن.

وفشلت حكومة الوفاق الوطني التي انبثقت عن اتفاق سياسي ليبي وقع في ديسمبر 2015 برعاية الأمم المتحدة، في تشكيل قوات أمن موحدة.وخيرت منذ وصولها العاصمة الليبية،أن تعوّل على ميليشيات مسلحة أعلنت ولاءها لها لضمان أمنها وأمن العاصمة. لكنها فشلت في كبح جماح هذه الميليشيات وباتت بحسب المراقبين رهينة بين ما سمي ب"كارتل طرابلس"،الذي مثل المجموعات المسلحة الكبرى التي سيطرت على مواقع الحكم والاقتصاد.