في ظل اتساع رقعة الخلافات المغاربية، تنتظم القمة العربية بالجزائر أوائل شهر نوفمبر وسط تطلعات لحل الخلاف القائم بين الجزائر والمغرب والتوتر الأخير بين تونس والمغرب. تميل الآراء في معظمها إلى صعوبة حل الأزمة المغربية الجزائرية خاصّة وأن أسبابها متجذّرة ويصعب فض الخلاف حول الصحراء الغربية، بينما يبقى التوتر مع تونس رهين "توضيحات" و"تنازلات".
في 24 أغسطس 2021 أعلن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، قطع بلاده علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، موضّحا أن "قطع العلاقات يعني أن هناك خلافات عميقة بين البلدين "من جانبها ردت الخارجية المغربية في بيان مقتضب أعربت فيه عن "أسفها لهذا القرار غير المبرّر تماماً".
الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب لا تعتبر سابقة أو وليدة السنوات الماضية حيث سبق أن قطع المغرب علاقاته مع الجزائر سنة 1976 بعد اعتراف الجزائر بقيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. ولم تستأنف العلاقات إلا في 1988 بعد وساطة سعودية، كما أن الحدود بين الجزائر والمغرب مغلقة رسميا منذ 16 أغسطس 1994. فبذلك لا يعتبر الخبراء قرار قطع العلاقات الدبلوماسية أمرا جللا بل متوقع عند البعض بسبب التوترات والخلافات القائمة أساسا بين البلدين لكن ما تلا القرار من جراءات اعتبرت سابقة تاريخية في العلاقات الجزائرية المغربية وانذارا بشرارة "حرب باردة" طويلة الأمد.
وهو ما أكّده وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في شهر مايو الماضي، حيث أوضح أن موضوع قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب "لا يحتمل وساطات"، مبرزا أن موقف الجزائر "واضح" بخصوص هذه المسألة. وأوضح لعمامرة، في تصريح صحفي عند سؤاله حول احتمال وجود وساطة من طرف المملكة العربية السعودية بين الجزائر والمغرب أنه "لا توجد وساطة لا بالأمس ولا اليوم ولا غدا"، مشيرا إلى وجود "أسباب قوية تحمل الطرف الذي أوصل العلاقات إلى هذا المستوى السيء المسؤولية كاملة غير منقوصة".
أما بخصوص التوتر الأخير بين تونس والمغرب، فيبدو أنه يأخذ منحى "معقّد" بدوره، خاصة بعد نفي وزير الشؤون الخارجية المغربية ناصر بوريطة تصريحات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط ،التي أعلن خلالها عن تسوية الخلاف بين تونس والمغرب .حيث أكد بوريطة، أن "موقف المغرب من استقبال رئيس الدولة التونسية، الجسيم وغير المقبول، لزعيم الميليشيا الانفصالية، لم يتغير، إنه الموقف الذي عبرت عنه وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج في بلاغها بتاريخ 26 أغسطس 2022، ويشاطره مجموع الشعب المغربي وكافة القوى الحية".
في حين لم يصدر أي تصريح رسمي من رئاسة الجمهورية التونسية حول هذا التوتر، كذلك لم تصدر الرئاسة التونسية أي توضيح سوى البيان الصادر عن خارجيتها في الذي أعربت فيه عن استغرابها الشديد ممّا ورد في بيان المملكة المغربية من تحامل غير مقبول على تونس ومغالطات بشأن مشاركة وفد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في الندوة المذكورة. وأوضحت أنّ تونس حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء الغربية التزاما بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاّ سلميا يرتضيه الجميع الى جانب التزامها بقرارات الأمم المتحدة، فإنّها مُلتزمة أيضا بقرارات الاتحاد الإفريقي التي تعدّ بلادنا من أحد مؤسّسيه.
وبينت الخارجية التونسية أنه خلافا لما ورد في البيان المغربي، فقد قام الاتحاد الإفريقي في مرحلة أولى بصفته مشاركا رئيسيا في تنظيم ندوة طوكيو الدولية بتعميم مذكّرة يدعو فيها كافة أعضاء الاتحاد الإفريقي بما فيهم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية للمشاركة في فعاليات قمة تيكاد 8 بتونس.
وتعليقا على القمة العربية التي ستقام في الجزائر فقد صرّح وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة، في كلمة أمام مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته العادية 158، "أن القمة العربية المقبلة يجب أن تنعقد على أساس الالتزام بالمسؤولية، بعيدا عن أية حسابات ضيقة أو منطق متجاوز، قائلا "السياق الدولي والعربي يسائل القمة المقبلة لتنعقد على أساس الالتزام بالمسؤولية، بعيدا عن أية حسابات ضيقة أو منطق متجاوز، وتوطيد الثقة اللازمة، والتقيد بالأدوار الخاصة بكل طرف".
وهو تصريح أثار حفيظة الجزائر ووصفها المبعوث الخاص المكلف بقضية الصحراء الغربية وبلدان المغرب العربي بوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، عمار بلانيبـ"المزايدات السخيفة"مبديا أسفه تجاه ما صدر على لسان "بوريطة" متهما الرباط بممارسة ما وصفها "الأساليب القذرة والحسابات الضيقة".
أما بخصوص مشاركة المغرب من عدمه في القمة العربية، مع هذه الخلافات خاصّة وأن القمة تقام في الجزائر، فقد أعلنت وزارة الخارجية المغربية إنه في إطار التحضير للقمة العربية المقبلة، المقرر عقدها بالجزائر العاصمة في الفاتح نوفمبر 2022، قررت السلطات الجزائرية إيفاد عدد من المبعوثين إلى العواصم العربية، حاملين دعوات لجميع قادة الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية.
وأضافت الخارجية، في بلاغ رسمي، أنه سيتم إيفاد وزير العدل الجزائري إلى المغرب، بعد المملكة العربية السعودية والأردن، في حين سيسلم وزير الداخلية الدعوة نفسها إلى القمة لتونس وموريتانيا. وفي هذا السياق سيتم استقبال وزير العدل الجزائري بالمغرب، وفق بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج.
مدّ طويل في التوترات المغاربية، لا ينذر بجزر قريب في ظل التصريحات والتصريحات المضادّة بين المغرب والجزائر والصمت التونسي في المقابل، لكن ذلك لا ينفي وجود فرضيات التسوية خلال القمة العربية خاصة مع وجود وساطات وانعقاد القمة في الجزائر كبلد مغاربي.