هل سترسل تركيا فعلا قوات عسكرية الى ليبيا؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بقوة حاليا في ظل اتساع دائرة الرفض الإقليمي والدولي لخطوة كهذه لن تزيد الأوضاع إلا تعقيدا، وقد تدفع بالبلاد إلى حرب أهلية طاحنة ليس بين الجيش والميلشيات الخارجة عن القانون فقط، وإنما بين إتباع تركيا والرافضين لوجودها على الأراضي الليبية.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن «التخلي عن الإجراءات التي بدأناها مع قبرص التركية وليبيا يعني أنهم (اليونان وداعموها) لن يتركوا لنا أي ساحل ندخل منه البحر».

وأضاف في تصريحات له الأحد، أن تركيا ستقيم كافة الإمكانيات التي من شأنها تعزيز البعد العسكري للمساعدات إلى ليبيا في البر والبحر والجو.

وأشار، خلال إطلاق غواصة مدينة “كولجك التركية، إلى أن بلاده «لن تتراجع عن مذكرة التفاهم التي أبرمتها بلاده مع حكومة الوفاق، مضيفا أنها «لا يوجد أي تعارض لهذه المذكرة مع القانون الدولي».

بينما زعم وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أن بلاده ستقف بجانب الحكومة الليبية حتى يتحقق السلام والأمن والاستقرار كما فعلت في سوريا.

وأضاف “إن تركيا ستقف إلى جانب الحكومة الليبية المعترف بها دوليا حتى يتم إرساء السلام والاستقرار والأمن في البلاد”، وذلك بعد أن وقع البلدان اتفاق تعاون عسكري الشهر الماضي.

يأتي ذلك، في الوقت الذي صادق فيه البرلمان التركي، السبت، على مذكرة التعاون العسكري والأمني الموقعة مع حكومة الوفاق مقابل رفض إقليمي ودولي، وإصرار شعبي ليبي على التصدي لأي قوات تركية قد يتم إنزالها في البلاد.

ورغم أن المذكرة باتت مهيئة للتنفيذ بعد تشريعها من الجانب التركي، وموافقة المجلس الرئاسي الليبي عليها في غياب نصابه القانون ودون عرضها على مجلس النواب، أكد رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح   أنها مجرد عملية ابتزاز لن تصل مرحلة التنفيذ الفعلي على الأرض، مشيرا الى أردوغان لا يستطيع إرسال قوات إلى ليبيا كي لا يحدث احتكاك مع دول المتوسط، مشددا على أن الليبيين يقفون صفا واحدا رفضا لإرسال قوات تركية الى بلادهم وفق قوله.

 التصريح لصالح جاء بعد لقاءات جمعته بمسؤولين عرب وأوروبيين أعلموه بأن التدخل التركي قد يؤدي الى حرب شاملة في شرق المتوسط، في ظل تزايد الرفض الإقليمي والعالمي لمشاريع أردوغان التوسعية، وأن جهات دولية عدة أبلغت أنقرة بهذا الرفض، وبأنها ستعتبر إنزال قوات تركية على الأراضي الليبية عدوانا على بلد مستقل وذي سيادة وخرقا لقرارات مجلس الأمن وتعديا على الأمن والسلم الدوليين.

رفض وتنديد

وفي هذا السياق، أبرز عضو مجلس النواب سعيد مغيب أن لا السراج يملك ان يطلب تدخلا تركيا يدنس الأرض الليبية الطاهرة، ولا اردوغان يستطيع إرسال جندي تركي واحد إلى الاراضي الليبية، مبينا أن السراج بهذه المطالبة يفتح أبواب الجحيم عليه وعلى مجلسه الرئاسي، وهو ما فسره المراقبون باتجاه الأغلبية الساحقة من الليبيين الى توحيد صفوفها للحرب ضد أية قوة تركية على أراضي بلادهم، وكذلك كل من يتعاون معها، أو يرتبط بها، أو نادى أو ينادي بوجودها في البلاد.

ويتزامن ذلك مع موقف دولي واضح حيث اعتبرت  وزارة الخارجية الأمريكية أن الاتفاقية التي وقعتها الوفاق مع تركيا تمهّد الطريق لتدخل عسكري محتمل من أنقرة في ليبيا، ما يُهدّد بتفاقم الصراع داخل البلاد.، فيما جدد المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، بيتر ستانو، دعوة الاتحاد الأوروبي جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لضرورة احترام قرار حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا ،مطالبا الجميع بتجنب أي عمل يمكن أن يؤدي إلى تصعيد للعمليات العسكرية في ليبيا، ونقلت وكالة وسائل إعلام  أمس عن مصادر بالخارجية الإيطالية، رفض روما لأي نوع من التدخل الخارجي في الصراع الليبي، كما حذرت روسيا من أي تدخل تركي في ليبي ، وهو الموقف الذي اتخذته دول أخرى عربية وأجنبية.

وما يزيد الأمر وضوحا أن الدول التي دعاها السراج الأسبوع الماضي لدعم حكومته تنفيذا لاتفاقيات أمنية معها، تجاهلت دعوته، باستثناء تركيا التي لا تزال تتحدث عن إمكانية تدخلها في الأزمة الليبية ، وهو ما يؤكد عزلة حكومة الوفاق التي يرى محللون أنها أصبحت عبئا على المجتمع الدولي ، ليس فقط بسبب اعتمادها على ميلشيات خارجة عن القانون وجماعات إرهابية ، وإنما كذلك بعد أن أكدت تبعيتها لمشروع إيديولوجي إخواني يمثل غطاء لأطماع أردوغان الاستعمارية، الأمر الذي يؤكد شرعية الحرب التي يشنها الجيش الوطني لتحرير بلاده وتطهيرها من العدوين الداخلي والخارجي.

حرب إقليمية

ولكن أين ستنزل قوات أردوغان في حال تنفيذ بنود الاتفاقية؟ المتحدث باسم الجيش الليبي أحمد المسماري قال إن الأتراك قد ينزلون من منافذ عدة لا تزال تحت سلطة ميلشيات الوفاق، وهي ميناء وقاعدة مصراتة الجوية والميناء البحري بالخمس ومينائي الزاوية وزوارة وقاعدة معيتيقة بطرابلس، وجميعها منافذ في الشريط الساحلي لغرب البلاد، وووفق المراقبين، سيكون على الجيش الليبي التصدي لعمليات الإنزال من خلال تحريك قطعه البحرية التي توجد في عرض الساحل الغربي، وكذلك من خلال قوات الدفاع الجوي التي باتت تسيطر على كامل أجواء البلاد.

وأكدت مصادر عسكرية أن إنزال قوات تركية على الأراضي الليبية سيعطي مجلس النواب باعتباره القوة الشرعية المنتخبة، الحق في طلب دعم عربي ودولي، وهو أمر سيصبح متاحا، ولن يستطيع أي طرف خارجي رفضه، خصوصا وأن حكومة السراج قد اخترقت قراري مجلس الأمن 1970 و1973 وجميع القرارات اللاحقة بفتح المجال أمام توريد السلاح واستقبال قوات أجنبية (تركية).

لكن هل تحسب تركيا حسابا لهذا الاشتباك الذي قد يحصل في ليبيا؟ المراقبون يرون أن أردوغان لن يبادر بإرسال قوات عسكرية مجحفلة ولكن سيكتفي بالدفع بالخبراء والمستشارين العسكريين وبتهريب المئات من الإرهابيين من شمال سوريا الى الغرب الليبي الى جانب الأسلحة التي قد يحاول تمريرها الى الميلشيات، وكل هذا كان قام به سابقا، فالأتراك موجود بالفعل على الأراضي الليبية، وكذلك الأمر بالنسبة للإرهابيين والمرتزقة الذي أرسلهم أردوغان الى محاور القتال في طرابلس خلال الأشهر الماضية.