تبدو المخاوف من تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا" أكثر واقعية حين مقارنة المشهد بالسيناريو العراقي.

فهل يتدارك الليبيون ما فشل فيه العراقيون لإنقاذ بلدهم من براثن التنظيم المتطرف؟

لم تعد ليبيا نقطة انطلاق لتجار البشر ولألوف اللاجئين الباحثين عن الجنة الموعودة في أوروبا، ولا مصدر لتهريب السلاح إلى دول الجوار فحسب، بل قد تتحول إلى مركز عمليات لتنظيم "الدولة الإسلامية" في منطقة شمال إفريقيا.

هذا السيناريو محتمل في ظل الوضع المتوتر الذي تشهده ليبيا منذ سقوط نظام القذافي، فالحكومة الليبية المعترف بها دوليا طالما أعربت عن خشيتها من تكرار سيناريو العراق في ليبيا من نجاح هذا التنظيم الإرهابي من بسط نفوذه على مناطق واسعة في البلاد.

من جهته، يرى الدكتور جمال عبد الجواد، مدير مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن هذه المخاوف واقعية، بحيث يقول في حديث مع DWعربية: "هناك احتمال كبير أن نشهد في ليبيا سيناريو شبيها إلى حد كبير لما يحدث في العراق وسوريا."

ويعزو ذلك إلى الوضع السياسي والأمني المتوتر في ليبيا، ويوضح قائلا: "حالة الانقسام والصراع السياسي شبيهة بالصراع السياسي في العراق وسوريا والتي شكلت خلفية ووفرت ظروفا مناسبة سمحت بتمدد تنظيم داعش.

الصراع في ليبيا ما بين حكومتين منذ أكثر من سنة يشكل الأرضية المناسبة لتمدد تنظيم متطرف على غرار تنظيم الدولة الإسلامية.

 ليبيا تشهد منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011 فوضى أمنية ونزاعا على السلطة تسببا في انقسام البلد خلال الصيف الماضي بين سلطتين، حكومة وبرلمان معترف بهما دوليا في الشرق، وحكومة وبرلمان يديران العاصمة طرابلس بمساندة تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى "فجر ليبيا".

وما يزيد من فرضية تكرار السيناريو العراقي في ليبيا، هو نجاح تنظيم "الدولة الإسلامية" في السيطرة على مطار مدينة سرت، مسقط رأس القذافي، ما يذكر بسيطرة التنظيم الإرهابي على مدينة تكريت العراقية قبل أن يتمدد في محافظة الأنبار.

في سياق متصل بهذه المقاربة قال الدكتور جمال جواد لـDWعربية: ""مدينة سرت تقع في قلب المنشآت النفطية والموانئ النفطية الكبيرة في ليبيا ما يوفر للتنظيم فرصة ذهبية للسيطرة على موارد نفطية كبيرة.

وتجارة النفط غير الشرعية في العراق كانت أحد أهم مصدر تمويل داعش لشراء السلاح ودفع أجور المقاتلين."

يذكر أن سرت تبعد نحو 150 كيلومترا فقط عن منطقة الهلال النفطي التي تشمل مؤسسات وحقولا وموانئ نفطية رئيسية.

خلال هذا الأسبوع حذرت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا من أن المؤسسات والمنشآت النفطية القريبة من سرت باتت تواجه خطر التعرض لهجمات من قبل هذا التنظيم المتطرف بعد أن سيطر على قاعدة القرضابية التي تقع على بعد نحو 20 كيلومترا جنوب سرت وتضم المطار.

ليبيا: "وكر جديد للإرهاب"؟

مدينة درنة الواقعة شرقي ليبيا، هي الأخرى تخضع لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية".

كما يؤكد مسؤولون في طرابلس أن التنظيم متواجد عبر خلايا نائمة في العاصمة، حيث أعلنت هذه المجموعة المتطرفة مسؤوليتها عن تفجيرات وقعت في المدينة خلال الأشهر الماضية.

كما أن ما من شأنه أن يزيد من خطورة الوضع في ليبيا هو تورط أفراد من نظام القذافي مع تنظيم "الدولة الإسلامية" ما يزيد من أوجه الشبه مع السيناريو العراقي، حيث تتكرر الاتهامات بضلوع رموز وضباط سابقين من حزب البعث في نشأة وتمدد "داعش" في العراق، حسبما قال الدكتور جمال عبد الجواد مضيفا : "لكن في نفس الوقت أعتقد أن "الدولة الإسلامية " تستمد قوتها أساسا من الجماعات المتطرفة التي أصبح لها من الخبرة ومن الموارد ما يسمح لها بالعمل بشكل مستقل ودون حاجة كبيرة لدعم من ضباط محترفين أو عناصر من النظام السابق. وبالتالي، فإن خطر داعش يكمن أيضا في كونها قوة مستقلة وكجماعة متطرفة لها خبرات عسكرية وموارد كبيرة."

من جهتها دقت صحيفة زود دويتشه تسايتونغ في عددها الصادر الاثنين (الأول من يونيو / حزيران2015) ناقوس الخطر في حال عدم محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" سريعا محذرة من أن ذلك قد يشكل تهديدا كبيرا لدول المنطقة بأسرها، خاصة وأنّ في كل من مصر وتونس والجزائر جماعات قد أعلنت ولاءها لـهذا التنظيم الإرهابي، وكتبت تقول: "من خلال إعلانه المسؤولية عن عملية متحف باردو في تونس أظهر هذا التنظيم طموحاته في تونس"، لافتة إلى أن ليبيا أصبحت "وكرا للإرهاب" في المنطقة.

"الحل بيد مصر والجزائر وتونس"

ولعل سيناريو تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" لا يقض مضجع الليبيين فحسب، بل دول الجوار أيضا، خاصة وأنّ تداعيات الوضع الأمني المتوتر في ليبيا قد برزت في الفترة الأخيرة بوضوح في كل من تونس ومصر. في هذا السياق، يقول مدير مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية "يتعين على كل من مصر والجزائر وتونس تنسيق سياساتهم بين بعضهم البعض بدرجة أكبر من خلال الاتفاق على طريقة لحث الأطراف المتنازعة في طرابلس وبنغازي وجميع الفرقاء الليبيين –باستثناء داعش- إلى طاولة الحوار وإيجاد توافق لتشكيل حكومة تمثل جميع الأطراف وقطع الطريق على داعش حتى لا يتمدد في المنطقة."

 وأشار د.جمال جواد إلى أن جهود المبعوث الدولي إلى ليبيا لم تؤت أُكلها، مؤكدا أن دول الجوار هي وحدها التي بإمكانها أن تساهم بشكل كبير في الدفع نحو توحد الليبيين وراء حكومة موحدة وتكريس جهودهم لمحاربة تنظيم "داعش".