حال المقابر بالمغرب بات يؤرق المواطنين والمسؤولين على حد سواء، يوما بعد يوم يتضح جليا أن "أزمة مقابر" تلوح في الأفق المنظور بالمملكة، ذاك ما يؤكده باحثون ودارسون حول الموضوع.
سواء في المجال الحضري أو القروي، فإن المساحات المخصصة للمقابر باتت تتقلص يوما بعد يوم، فضاءاتها تعرف انتهاكات تصل أحيانا حد الفضاعة، وتأطير قانوني في حاجة إلى تحيين عاجل، حماية لفضاءات دفن اموات المسلمين بالمغرب، تلك التي باتت تغلق أبوابها تباعا، فهل تضيق أرض المملكة على أمواتها؟ وهل يمكن الحديث عن أزمة مقابر؟ وما العمل لحمايتها؟ ثم ما من يتحمل المسؤولية؟
أسئلة وأخرى مقلقة باتت تقض مضجع المغاربة وهم على شفا أزمة مقابر حقيقية.
في الحاجة إلى هيئة عليا لحماية المقابر..
جواد الكوهن رئيس الجمعية المغربية للتكافل الاجتماعي والحفاظ على حرمة المقابر المنتمي لمدينة مكناس (وسط المغرب) يقول إن المغرب سيعرف فعلا أزمة مقابر حقيقية، وإن الوضع سيكون كارثيا إن لم يتم تدارك الأمر.
الكوهن يصر في بلاغات تصدرها جمعيته على ضرورة اتخاذ خطوات عملية لأجل حماية المقابر، ويقدم اقتراحات تتراوح بين القيام بحملات التوعية والتحسيس، وأخرى لتنظيف وتنقيتها، كما يقدم اقتراحات مؤسساتية تقضي على سبيل المثال بخلق هيئة عليا لحماية المقابر.
"لماذا لا يتم خلق هيئة عليا لحماية المقابر، على غرار الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة؟" سؤال يطرحه الكوهن في تدخل له ضمن برنامج تلفزي على قناة مغربية، ويذهب الكوهن إلى أكثر من ذلك، مطالبا –في حال فشل السلطات الحكومية- بتدخل العاهل المغربي باعتباره أمير المؤمنين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يضيف رئيس الجمعية المغربية للتكافل الاجتماعي والحفاظ على حرمة المقابر.
من يتحمل المسؤولية ..
باعتبارها من صميم اختصاصات وزارة الداخلية إلى جانب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فإن المسؤولية تبدو قريبة من هذين القطاعين الوزاريين، سواء من خلال توفير فضاءات لإحداث مقابر جديدة، تخفف الضغط على الموجودة حاليا، أو من خلال حماية وتحصين المقابر التي تتعرض بشكل شبه يومي لأعمال تدنيس وتصرفات طائشة.
في حديثه التلفزيوني المذكور، يصر جواد الكوهن رئيس الجمعية المغربية للتكافل الاجتماعي والحفاظ على حرمة المقابر، على تحميل المسؤولية للحكومة ويذكر بالصفة وزارة الداخلية ورئيس الحكومة.
الكوهن قال إنه سلم رسالة مباشرة إلى رئيس الحكومة المغربي الحالي عبد الإله بنكيران، إلا انه لم يذكر ما كان رد فعل المسؤول الحكومي، وما إذا كان سيتم اتخاذ خطوات أو إجراءات في هذا المجال.
عموما تبقى المسؤولية في حماية المقابر وإحداث أخرى بمعايير في المستوى المطلوب، مشتركة بين كل المتدخلين والفاعلين، فإذا كانت الجهات الرسمية صاحبة المسؤولية الكبرى، فإن المواطن يتحمل هو الآخر جزءا ليس باليسير من نصيب المسؤولية، بل إن العنصر البشري يكون في غالب الأحيان سببا مباشرا في تخريب وتدنيس المقابر.
نبش وتخريب وانتهاك لحرمة المقابر ..
لا يقتصر مشكل انتهاك حرمة المقابر في المغرب على ارتيادها من طرف متسكعين ومشردين وسكارى بل وحتى الباحثين عن "المتعة الجنسية" في بعض الأحيان، بل يتجاوز الأمر في أحيان أخرى إلى حد الاعتداء بالتخريب والنبش لبعض المقابر، وذلك ما حدث عندما تعرضت بعض المقابر للتخريب، كقبر ادريس بنزكري الحقوقي و"رجل المصالحة الحقوقية" بالمغرب الراحل، حيث تعرض قبره بمدينة الخميسات بلدته الأصلية (حوالي 100 كلم غرب الرباط) لاعتداء من طرف مجهولين، الأمر الذي استدعى استنفارا أمنيا حينها (قبل حوالي سنتين)، ناهيك عن حالة الاستنكار والتذمر التي سادت الأوساط المدنية بالمدينة المذكورة والمغرب عموما.
تخريب قبر الراحل ادريس بنزكري، ليس حالة فريدة، بل إن مقابر أخرى بمناطق مختلفة تعرضت لنفس العملية، حيث تشير إحصائيات لجمعيات المجتمع المدني إلى أن تسجيل حوالي 85 عملية نبش للمدافن سنة 2010، طالت بعضها مقابر تاريخية، لعل أخطرها عملية التخريب التي تعرض لها قبر السلطان أبو الحسن المريني في موقع شالة الأثري بالعاصمة الرباط.
ثلثا مقابر المغرب تعيش وضعا مزريا
بحسب تصريحات جواد الكوهن رئيس الجمعية المغربية للتكافل الاجتماعي والحفاظ على حرمة المقابر، فإن المغرب يتوفر على حوالي 3000 مقبرة في مختلف مناطق المملكة، في وقت يتجاوز عدد السكان 36 مليون نسمة، وهو ما يعني وجود نقص كبير في الفضاءات المخصصة لدفن أموات المسلمين.
إلا ان المثير في تصريحات المسؤول الجمعوي جواد الكوهن، هو أن ثلثي مقابر أموات المغاربة (حوالي 75 بالمائة) تعيش وضعا مزريا، وهو الذي يضيف مطالبا بتخصيص يوم وطني للمقابر، ويؤكد أن جمعيته تستعد لتنظيم أسبوع وطني للمقابر ، تتخلله أنشطة توعوية تحسيسية لفائدة هذه الفضاءات.
المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدخل على الخط ..
دراسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان المؤسسة الحكومية بالمغرب، أبرزت ضرورة إشراك جميع الأطراف المعنية في قضية وضعية المقابر، كما شددت على القطع مع اعتبار المقابر مجالا ميتا لمجرد أنه يأوي الموتى، بل دعت إلى اعتباره جزءا من المشهد العام للمدن والبوادي المغربية.
دراسة المجلس تقول إن فلسفة هذه المؤسسة تقوم على شعار "النهوض بتدبير المقابر بإشراك جميع الأطراف المعنية"، وتشير الدراسة إلى المجلس يقرر أن من بين الأمور التي وقف عليها ، بمناسبة استكمال التحريات، الحالة السيئة للمقابر، حيث يتم الدفن في معظمها، بما فيها المتواجدة بالعاصمة الرباط، بدون نظام دقيق، كما أن العديد منها لا تتوفر على سجلات للدفن ولا على نظام حراسة، وهو ما يتطلب إشراك جميع الفرقاء من مجالس منتخبة وسلطات محلية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للتداول في الموضوع وتحديد معايير للعناية بالمقابر والنهوض بتدبيرها، حسب منطوق الدراسة.
دورية وزير داخلية سابق أو الاعتراف بالفشل ..
سنة 2000 وتحديدا يوم 29 ماي، وجه وزير الداخلية المغربي حينها أحمد الميداوي، مذكرة إلى الولاة والعمال بمختلف المحافظات والمدن المغربية، يحثهم فيها على المحافظة على المقابر وصيانتها، ومما جاء في تلك الدورية : "بمقتضى دوريتي عدد 159 بتاريخ 5 يوليوز1989 حول المحافظة على المقابر وصيانتها، سبق لي أن لفتت انتباهكم إلى الوضعية المزرية التي توجد عليها غالبية مقابر المسلمين عبر تراب المملكة، ولا سيما المتواجدة منها بالجماعات القروية. كما دعوتكم من خلالها إلى حث الجماعات التابعة لدائرة اختصاصكم على الاعتناء بالمقابر الإسلامية بتنظيمها وصيانتها والمحافظة عليها. ويؤسفني – يضيف الوزير الأسبق - "أن أذكركم مرة أخرى بكون المقابر الإسلامية لا زالت في معظمها على حالتها المزرية، حيث رغم النداءات المتكررة من هذه الوزارة قصد الاعتناء بها، ورغم الأسئلة النيابية المتعددة التي قدمت إلى الحكومة بصددها، لم تبذل الجماعات المعنية أي مجهود ملموس للخروج بها من تلك الأوضاع المزرية".
هذه الدورية لإحدى أقوى الوزارات المغربية، اعتبرت حينها تعبيرا صريحا عن فشل الجماعات المحلية بالمملكة في تدبير مقابر المسلمين، ومن خلالها فشل وزارة الداخلية في الرهان، لكن ما يزيد من حالة القلق اليوم هو أن الحال لم يتغير كثيرا بين الأمس واليوم، اللهم التغيير نحو الأسوأ.
مقابر تختنق .. اكتظاظ مفرط ومقترحات متباينة ..
حالة الامتلاء التي تعرفها مقابر المغرب، باتت تدق ناقوس إنذار حقيقي، فبعد أن امتلأت أو كادت المدافن القديمة أن تعلن عجزها النهائي عن استقبال جثث موتى المسلمين، طفت على السطح أسئلة عديدة، في أفق البحث عن حلول واقعية لحل هذا المشكل.
إكراهات مختلفة تقف أمام محاولة البحث عن أجوبة لسؤال اكتظاظ المقابر، لعل أولها النقص الحاد في الوعاء العقاري، والمضاربة على البقع الأرضية بين المستثمرين العقاريين، ناهيك عن كثرة المتدخلين في تدبير قطاع المقابر.
وأمام هذا الوضع ذهب البعض إلى تقديم اقتراحات متباينة ومختلفة، فبين من دعا إلى اتباع طريقة دفن الموتى بشكل عمودي، أو الترخيص لإعادة استعمال المقابر بعد مضي ثلاثين عاما عوض الأربعين عاما المعمول بها حاليا، كلها مقترحات تظل ضعيفة أو غير ذات جدوى في مسار معالجة هذا الملف الاجتماعي.