كشفت تركيا عن نواياها التوسعية في ليبيا ، والتي تتفق فيها مع الميلشيات المسلحة والجماعات الإرهابية المرتبطة بمنظومة الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان ، وكذلك مع الأقلية العرقية المنحدرة من أصول عثمانية إستوطنت المدن الساحلية الغربية وخاصة مصراتة  قبل عدة قرون

وتحاول تركيا قبرصة ليبيا عبر تقسيمها والسيطرة على منطقتها الغربية من خلال تدخل عسكري مباشر بهدف دعم حكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج ضد الجيش الوطني الليبي والقبائل والمناطلق الداعمة له

وكانت القوات التركية غزت قبرص في 20 يوليو 1974 ، وقامت بإنزال جنودها في الجزء الشمالي من الجزيرة ، ليتم  الإعلان  عن استقلال جمهورية شمال قبرص على الجزء المحتل من قبل تركيا في 15 نوفمبر من عام 1983.

وتقع جمهورية شمال قبرص التركية، في الجزء الشمالي من جزيرة قبرص، وهي ذات أغلبية سكانية من أصول تركية. وعلى الرغم من إدارة هذا الجزء من جزيرة قبرص كدولة مستقلة، إلا أنه لا تعترف باستقلاله أي دولة أو مؤسسات دولية إلا تركيا. لذلك تدير جمهورية شمال قبرص علاقتها الخارجية عن طريق تركيا، وكذلك يرتبط اقتصاد الجمهورية بالاقتصاد التركي بشكل كامل وتستعمل فيها العملة التركية كعملة رسمية.

وتطمح جمهورية قبرص إلى استعادة الأراضي الخاضعة لسيطرة جمهورية شمال قبرص، و لكن رغم اعتراف المجتمع الدولي بسيادة جمهورية قبرص على جميع آراضي الجزيرة، فقد فشلت كل المحاولات الدولية لتوحيد الجزيرة من جديد. ومع ذلك، يبدو أن هناك انخفاضًا في حالة التوتر بين الجمهوريتين، إذ قرر الجانبان في ابريل عام 2003 افتتاح 3 معابر على خط الهدنة الفاصل بينهما.

وتمتد أراضي الجمهورية على مساحة 3,335 كم مربع، ويبلغ عدد سكانها ما يقارب 210,000 آلاف نسمة.

وقد أُعلِن عن إنشاء جمهورية شمال قبرص التركية في 15 نوفمبر من عام 1983،  ولكنها نشأت فعلا بعام 1975 إثر الاجتياح العسكري التركي لقبرص واحتلالها الجزء الشمالي من البلاد. وجاء التدخل العسكري التركي في أعقاب أزمة حادة في العلاقات بين المجتمعين اليوناني والتركي في قبرص انتهت بانقلاب عسكري قاده عناصر من القبرصيين اليونانيين.

ولا تزال شمال قبرص دولة معلنة من طرف واحد ولا تحظى بإعتراف دولي ما عدا تركيا ، وترتبط في علاقاتها وإقتصادها بإنقرة وتعتمد على العملة التركية في معاملاتها الداخلية

ولا تخفي أطراف ليبية خشيتها من أن تنجه تركيا للعمل على إسقاط النموذج القبرصي على غرب بلادها ، وخاصة العاصمة طرابلس ومصراتة والزاوية التي باتت مدنا مخترقة من قبل الأتراك سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وأمنيا ، ويقوم نظام أردوغان بتزويد ميلشياتها بمختلف أنواع الأسلحة ، وبالخبراء العسكريين لتدريب المسلحين

ومما يزيد من تلك المخاوف ، إعلان حكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج ، وتخضع لهيمنة جماعة الإخوان ، تبعيتها لتركيا من خلال مذكرتي التفاهم الموقعتين في 27 نوفمبر الماضي في إسطمبول ، والتيين أثارتا سجالا حادا في البلاد ، ورفضهما مجلس النواب والجيش والفاعلون السياسيون والقبائل

وتنص مذكرة التفاهم الأمنية على دعم إنشاء قوة “استجابة سريعة” لنقل الخبرات والدعم التدريبي والاستشاري والتخطيطي والمعدات من الجانب التركي الى حكومة الوفاق ، وعند الطلب، يتم إنشاء مكتب مشترك في ليبيا للتعاون في مجالات الأمن والدفاع بعدد كاف من الخبراء والموظفين

كما تنص على تقديم خبرات تدريبية واستشارية تتعلق بالتخطيط العسكري ونقل الخبرات واستخدام نشاطات التعليم والتدريب ونظم الأسلحة والمعدات في مجال القوات البرية والبحرية والجوية ،والمشاركة في التدريبات العسكرية أو المناورات المشتركة والصناعة الخاصة بالأمن والدفاع

وكان مسؤولون حكوميون أتراك أكدوا إستعداد بلادهم لإرسال قوات عسكرية الى طرابلس لدعم ميلشيات الوفاق في وجه الجيش الوطني ، وهو ما إعتبرته القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية إعتداء سافرا ، ومخططا لغزو البلاد ،

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي عن استعداد بلاده لإرسال عسكرييها إلى ليبيا، في حال طلبت حكومة "الوفاق الوطني" المعترف بها دولياً ذلك

وقال "إذا أرادت ليبيا ذلك، فإن تركيا ستتخذ قراراً بشكل مستقل، ونحن لن نطلب إذناً من أحد بهذا الشأن، وتركيا مستعدة لتقدم أي دعم لليبيا".

وبدوره  أكد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أن حكومة الوفاق لم تطلب من بلاده إرسال جنود إلى طرابلس حتى الآن ، وأضاف في تصريحات خلال “منتدى الدوحة” أول أمس السبت أن  : “حكومة الوفاق الليبية لم تطلب إرسال جنود إلى طرابلس حتى الآن وفي حال طلبت من تركيا نشر قوات في ليبيا سنقبل ذلك وإرسال جنود هو أسهل شيء يمكن أن يحدث”.

وشهدت الأيام الماضية ضغوطا  متزايدة من قبل قيادات الإسلام السياسي في ليبيا على حكومة الوفاق لدفعها الى التسريع بتفعيل الإتفاق الأمني مع أنقرة وإستدعاء قوات تركية الى البلاد للتصدي للجيش الوطني ، غير أن السراج تلقى إشارات إقليمية ودولية بأن مثل هذه الخطوة سيؤدي الى حرب إقليمية ، حيث ستفتح المجال أمام البرلمان والقيادة العامة للقوات المسلحة والحكومة المؤقتة الى الإستعانة بحلفاءهم ممن يدعمون سيادة الدولة ويقفون الى جانب إرادة الشعب الليبي في مواجهة الأطماع التركية المتزايدة

ويمكن أن يؤدى التدخل التركي في ليبيا الى تقسيم البلاد إذا لم ينجح الجيش الوطني في تحرير العاصمة طرابلس من خلال عمليته التي أطلقها منذ الرابع من أبريل الماضي 

ويرى أردوغان منذ 2011 أن من أهدافه حماية ما وصفها بالأقلية التركية في ليبيا وخاصة في مدينة مصراتة ، وهو ما كشف عنه القيادي الإخواني علي الصلابي في تصريحات تلفزيونية 

وتتحدث تقارير محلية عن ضغط مصراتة لنقل عدد من مؤسسات الدولة الليبية إليها من العاصمة طرابلس في حال تحقيق الجيش المزيد من الإنتصارات الميدانية ،وهو ما يمثّل البحث عن إمكانية نقل العاصمة إليها ، بدعم مباشر من تركيا ، لكن ذلك لن يجد أي إعتراف دولي ، تماما كما كان الحال في شمال قبرص ، 

فعل يتجرأ أردوغان بأن يفعل في ليبيا ما فعله أستاذه نجم الدين أربكان في قبرص ؟