بوكو حرام ، جماعة القاعدة الإفريقية الإرهابية التي تقاتل لإقامة دولة إسلامية متجذرة ، باتت توسع نطاق عملياتها من شمال شرق نيجيريا إلى الكاميرون والنيجر المجاورين - بوتيرة جعلت المسؤولين الأميركيين يدقون ناقوس الخطر .

المجموعة التي تصدرت عناوين الصحف في عام 2011 بإعلان مسؤوليتها عن التفجير الذي استهدف مقر الامم المتحدة في نيجيريا والذي أودى في حينه بحياة 21 شخصا ، أصبحت تحت المجهر الدولي الأسبوع الماضي بعد تقارير أفادت أن أعضاء الجماعة ذبحوا عشرات الأطفال في مدرسة داخلية في نيجيريا .

ورغم أن مثل هذه الحوادث قد تكون واكبت ممارسات بوكو حرام داخل نيجيريا على مدى فترة طويلة من الرعب ، فإن مسؤولين أمريكين يقولون إن الجماعة الآن باتت تمدد حملتها الإقليمية ، مع انتقال مقاتليها عبر الحدود غير المحكمة إلى دول غرب افريقيا.

" لقد رأينا بعض التقارير المقلقة عن "أقلمة" هذا التهديد، وهذا مقلق"، يقول مسؤول في وزارة الخارجية فضل عدم الكشف عن هويته .. ولكن المسؤولين الأمريكيين ليسوا الوحيدين الذين يشعرون بالقلق . " الحكومتان في الكاميرون والنيجر خائفتان حتى الموت من بوكو حرام و مما قد تعنيه و ما قد تؤدي إليه" وفق جون كامبل وهو زميل بارز في دراسات السياسة أفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية:

"أنت تتحدث عن دول ضعيفة جدا ولها قدرة محدودة جدا "، يضيف كامبل. "لذا ، ماذا سيفعلون ؟ "

' حالة حرب '

يقول مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية إن بوكو حرام مسؤولة عن " الهجمات التي لا توصف". في الأسبوع الماضي، قتل متشددون يشتبه في انتمائهم لبوكو حرام حوالي 40 تلميذا في هجوم قبل الفجر على مدرسة في ولاية يوبي شمال شرق نيجيريا.. وأحرق المهاجمون المكان بعد أن أطلقوا النار على من فيه ، و قاموا لاحقا بذبح الأطفال الذين هربوا عبر النوافذ .

وبينما يعني اسم الجماعة "بوكو حرام" في لغة الهوسا المحلية " التعليم الغربي خطيئة "، فإن هجماتها لا تركز حصرا على المدارس.

في 15 فبراير، هاجم مسلحون قرية مسيحية تدعى إزجي بالقرب من الحدود مع الكاميرون مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص. وبعد أقل من أسبوع، قتل متشددون أكثر من 115 شخصا وأحرقوا 1500 مبنى في بلدة باما الحدودية الشمالية .

وقد فرض الرئيس النيجيري غودلاك جوناثان حالة الطوارئ منذ مايو في ولايات بورنو ويوبي و اداماوا شمال شرق البلاد ، بعد رفض متحدث باسم بوكو حرام عرضا للحوار مع حكومته.

وفي الأسبوع الماضي ، وصف ممثل من حكومة جوناثان الصراع مع المتشددين الإسلاميين بأنه " حالة حرب ".

إنه تقييم يعكس الشرخ الواسع الذي حصل في نيجيريا بين الجنوب ذي الأغلبية المسيحية والشمال ذي الأغلبية المسلمة. وقد أبدت بوكو حرام ، التي تنشط أكثر في الشمال حيث توجد جذورها، أبدت رغبة في إقامة أراض تحكم عليها بموجب الشريعة الإسلامية. ويقول  كامبل الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في نيجيريا خلال إدارة جورج بوش:

" جانب من خطاب بوكو حرام يقوم على إقامة دولة إسلامية خالصة في الشمال النيجيري حيث الأغلبية مسلمة ، وجانب آخر من هذا الخطاب يدور حول دولة في جميع أنحاء نيجيريا ، بما في ذلك المناطق التي تتركز فيها أغلبية مسيحية "

محدودية التصينف على "قائمة الإرهاب" الأميركية

إذا كان تصنيف "بوكو حرام" على قائمة الإرهاب الأميركية السلطة القانونية للمسؤولين الأمريكيين لاستهداف الجماعة وعناصرها ، كمصادرة الأصول المالية ، فإن محللين يرون أن نهج الإدارة الأميركية ، قد تنجر عنه مخاطر عالية كإضفاء الشرعية على الجماعة في عيون تنظيمات إرهابية مماثلة و تعزيز قدرتها أكثر على تجنيد أعضاء جدد.

ويعني التصنيف على قائمة الإرهاب منع المواطنين الأميركيين على وجه التحديد من تقديم أي دعم مادي أو في شكل موارد إلى بوكو حرام ، كما يعني تجميد أي ممتلكات قد تكون للجماعة في الولايات المتحدة. غير أن محللين يعتقدون أن ذلك لن يكون له تأثير كبير نظرا لقلة وضعف روابط "بوكو حرام" مع الولايات المتحدة إن لم تكن منعدمة.

ويضيفون أن "لا معنى تقريبا لتصنيف بوكو حرام منظمة إرهابية أجنبية ‘ لأنه ليس هناك أتباع لبوكو حرام يتقدمون للحصول على تأشيرات للمجيء إلى الولايات المتحدة، وليس هناك أي أصول لبوكو حرام في الولايات المتحدة ". ويتابع كامبل في هذا السياق " الأميركيون من أصل نيجيري هو في معظمهم من الجنوب (حيث الأغلبية الساحقة مسيحيون) ، و من الصعب جدا بالنسبة لي أن أتخيل أنهم يقومون بإرسال أي تحويلات إلى بوكو حرام"

ومتابعة لهذه الفكرة ، يشير كامبل إلى أن الحضور الأميركي في الشمال النيجري محدود في غياب عملي لأي ممثلية دبلوماسية أو اقتصادية ، وعموما لا يهتم مواطنو هذه المنطقة بشؤون القوى البعيدة.

العلاقات مع القاعدة

بينما يؤكد مسؤولون أمريكيون أن تنظيم بوكو حرام يشكل  تهديدا للاستقرار في المنطقة على المدى الطويل ، يقول محللون إن جماعة بوكو حرام حركة متشعبة ومنتشرة للغاية وتقيم علاقات مبهمة مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي – فرع تنظيم القاعدة الرئيسي في الصحراء والساحل .

وذكر النائب الجمهوري بيتر كينغ رئيس اللجنة الفرعية للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب والاستخبارات في مجلس النواب في جلسة استماع في  11 فبراير الأخير  :" إذا كان العديد يعتقدون أن تنظيم " القاعدة الأساسي قد تضرر بشدة ، فإن هناك فروعا و"شركات تابعة له" كثيرة ، وهناك منظمات قائمة بذاتها تشترك مع التنظيم الرئيسي في نفس الفلسفة .. وهذا هو في الحقيقة التهديد الجديد الذي نواجهه اليوم " .

وأوضح كينغ أن هذه التهديدات هي واردة من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن ، والقاعدة في العراق ، وحركة الشباب في الصومال ، و جماعة بوكو حرام في نيجيريا.

وفي واشنطن ، يدعم متابعون كبار لملفات الإرهاب في واشنطن ، ما قاله كبار المسؤولين العسكريين في الولايات المتحدة مثل قائد العمليات الخاصة الأمريكية الاميرال وليام مكرافن ، ،أمام لجنة مجلس النواب للخدمات المسلحة بأن بوكو حرام " بدأت تندمج مع   تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في شمال أفريقيا " .

وقد حرصت إدارة أوباما على العمل مع نيجيريا والنيجر و الكاميرون لبناء قدرات هذه الدول على تأمين الحدود و كشف أوتعطيل أو الرد على العمليات الإرهابية .

وتقدم الولايات المتحدة بموجب الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب التي وضعتها إدارة بوش في عام 2005 مساعدات مدنية وعسكرية لأكثر من ست  دول من دول المغرب العربي و الساحل.

فظائع قوات الأمن

أنفقت واشنطن ملايين الدولارات لمساعدة نيجيريا على محاربة الإرهابيين ، ولكن مسؤولين أمريكيين قلقون من أن قوات الأمن النيجيرية تغذي التمرد بارتكاب فظائع خاصة بها .

ففي تقريرها عن حقوق الإنسان في أنحاء العالم، أكدت وزارة الخارجية في تقريرها السنوي الأسبوع الماضي أن الانتهاكات التي ترتكبها على حد سواء بوكو حرام و قوات الأمن النيجيرية تصاعدت خلال العام الماضي .

واتهم التقرير قوات الأمن النيجيرية بالمسؤولة عن ارتكاب فظائع ، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القضاء ، والتعذيب ، والاغتصاب ، والاحتجاز التعسفي والعنف على نطاق واسع .

وفي أحد أكثر الحوادث وحشية بشكل خاص ، داهم جنود نيجيريون بلدة بشمال باجا في 16 و 17 ابريل الماضي بعد معلومات عن قيام بوكو حرام بقتل جندي من قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات ، التي تتألف من جنود من تشاد ، و نيجيريا.

وقد أطلق الجنود النار عشوائيا على و دمروا المنازل. وافاد مسؤول محلي أن عدد القتلى بلغ 228 و قال إنه تم حرق ما يصل إلى أربعة آلاف منزل. وقالت "هيومن رايتس ووتش" نقلا عن قادة المجتمع المحلي أن 183 شخصا قتلوا ، و أكدت بمساعدة من صور الأقمار الصناعية أن   2752 المباني قد تم تدميرها خلال العملية .

ويشير مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أن " رسالة واشنطن للنيجيريين كانت واضحة جدا : 'لمواجهة خطر بوكو حرام عليكم اتباع نهج شامل ، تحتاجون إلى التفكير في المخاوف المشروعة للسكان في شمال نيجيريا و عليكم أن تتأكدوا من أن أفراد الأمن الخاص يقومون بحماية المدنيين ويتبعون بروتوكولات حقوق الإنسان والتي هي ضرورية ".

" ، وهذا شيء عبرنا عنه بوضوح " حسبما ذكر المسؤول. "من الواضح أن هناك تهديدا أمنيا و الأشياء التي يقوم بها بوكو حرام هي ببساطة فظيعة و لا يمكن دحضها ، ولكن عليك أن تكون حذرا جدا للطريقة التي ترد بها وأن تتأكد أنك لا تخلق متمردين أكثر مما تقتل "

ويرى السفير الأمريكي السابق في نيجيريا  كامبل أن الحكومة النيجيرية قد تحتاج إلى تغيير استراتيجيتها لمحاربة بوكو حرام موضحا أن الحكومة تنتهج نهجا لمكافحة الإرهاب في شمال نيجيريا في حين ينبغي لها اتباع نهج لمكافحة التمرد".

ويلخص كامبل المهمة التي تنتظر سلطات نيجريا بالقول " إن نيجيريا تحتاج إلى كسب قلوب وعقول الناس الذين يعيشون في نيجيريا ، وكثير منهم من الفقراء والمهمشين ".