ردت وزارة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية على ملاحظات التقرير الأخير للبعثة الأممية المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا التي كُلفت عملاً بقرار مجلس حقوق الإنسان رقم 50/L.23
وقالت وزارة الخارجية في بيان مطول إن إنشاء بعثة لتقصي الحقائق في ليبيا، والتي تأسست بناءً على طلب من حكومة الوفاق الوطني في 22 يونيو 2020، وجُددت ولايتها بطلب ودعم من حكومة الوحدة الوطنية في 4 يوليو 2022 ولمدة 9 أشهر، يعكس جدية دولة ليبيا في أن يكون هناك جهة أممية مستقلة وموثوقة، تساعد الليبيين على كشف الحقائق المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان التي شهدتها ليبيا، في فترة الانقسام والحروب خلال السنوات الماضية من قِبل الأطراف المحلية والأجنبية المتورطة في النزاع، وكانت نسب هذه الانتهاكات متفاوتة وحدثت خلال فترات زمنية مختلفة ومناطق جغرافية متنوعة، في مقابل تحلل وضعف دور مؤسسات الدولة ذات العلاقة، وأصبحت هناك حاجة لتلقي الدعم الفني من المنظمات الأممية ذات العلاقة لبناء قدرات المؤسسات الليبية وإرساء السلام.
وأضافت وزارة الخارجية أن تعليقها على التقرير الأخير للجنة ينطلق من تعاونها الوثيق مع البعثة، وكافة المؤسسات التابعة لجميع برامج الأمم المتحدة العاملة في ليبيا، والتزامها بإنجاز كافة الأعمال المتعلقة بإجراءات الدخول إلى ليبيا ومنح التأشيرات بدون أي قيود، والتي بذلت الوزارة فيها جهد استثنائي لصالح البعثة، وتسهيل تحركها داخل ليبيا. بالإضافة إلى التنسيق الدائم مع كافة المؤسسات الليبية ذات العلاقة، وقد نفذت البعثة جميع اللقاءات الرسمية التي أبلغت الجانب الليبي برغبتها في إجرائها، وفقاً لما تظهره سجلات إدارة المراسم الليبية، ولا تتحمل الوزارة مسؤولية عدم تحقق اللقاءات غير الرسمية التي لم تستطع البعثة إجرائها، طالماً لما تكن الوزارة طرفاً بها.
وبينت وزارة الخارجية أنها أبدت بشكل واضح جديتها في مساعدة البعثة على العمل داخل ليبيا، واجتمعت الوزيرة نجلاء المنقوش رفقة وزيرة العدل حليمة إبراهيم برئيس البعثة وأعضائها بشكل رسمي ومباشر بالعاصمة طرابلس بتاريخ 25 يناير 2023م. كما اجتمع وتواصل مسؤولين بالوزارة بشكل دوري مع مستشاري سفارات دول غربية مساندة لجهود بعثة التقصي وكشف الحقائق، مما يعكس جدية الوزارة ورفعها لمستوى التعاون وإظهار تقديرها لجهود اللجنة. بالإضافة إلى التنسيق المستمر بين وزيرة الخارجية ووزيرة العدل لتعزيز التعاون بين الوزارتين وتطوير الدعم المقدم لبعثة تقصي الحقائق وتسهيل عملها.
ولفتت الوزارة إلى أن الوزيرة المنقوش مهتمة منذ سنوات بالمشاركة والنشاط ضمن برامج حقوقية محلية ودولية متخصصة بالشأن الحقوقي وقضايا العدالة والمساواة بليبيا، أعطت أولوية قصوى لدعم الجهود الأممية الرامية لمساعدة وإنصاف الضحايا بليبيا، وتشير دائماً إلى وجود إرادة قوية لدى الحقوقيين الليبيين والمسؤولين ذوي العلاقة لمواجهة الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا، مضيفة أن هذا ما أكدت عليه بوضوح الوزيرة خلال استقبالها للمدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان بمقر وزارة الخارجية والتعاون الدولي في نوفمبر 2022م.
وأضافت الوزارة أن رئيس البعثة محمد أوجار إشادة بتعاون السلطات الليبية والدور الإيجابي الذي تقدمه لتسهيل أعمالهم، أثناء اللقاء الرسمي والموثق الذي ترأسته وزيرة الخارجية بحضور وزيرة العدل ووزير الداخلية الأسبق ووزير الدولة لشؤون المهجرين وحقوق الإنسان بتاريخ 24 أغسطس 2021 وبحضور مسؤولين بالوزارة، قائلة كان من المتوقع أن تكون هذه الإشادة ملمح بارز في التقرير النهائي ودليل على استجابة وقدرة المؤسسات الحكومية الليبية أن تكون طرف أساسي في مواجهة الجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الحقوقية في ليبيا.
وأشارت الوزارة إلى أنه خلال اللقاء المذكور طلبت وزيرة العدل من البعثة التوجه فوراً نحو بعض مؤسسات التأهيل والإصلاح الخاضعة للوزارة، ولكن وفد البعثة لم يعطي أسباب معقولة أو واضحة لتلبية الدعوة وتحججوا بعدم جاهزيتهم. كما رصدت الوزارة فتوراً واضحاً في مسألة التفاعل مع البرامج التي قدمها المسؤولين بوزارة العدل والتي تعكس تطورا لافتا في قدرات الوزارة في مواجهة الانتهاكات الحقوقية والتعامل مع التحديات التي تواجه واقع حقوق الإنسان في ليبيا ودور الدولة ومؤسساتها في التعامل معه. ولم يكن هناك إشارة بالتقرير لما تم عرضه أمام البعثة من أعمال وخطوات جدية بذلتها السلطات العدلية بليبيا، وكذلك جهود مكتب النائب العام المتواصلة في هذا الاتجاه. وكذلك لم يتم الإشادة بالتقرير الأخير بتشكيل آلية وطنية لتنسيق كتابة التقارير الحكومية في مجال حقوق الإنسان تتبع وزارة العدل، وتسمى باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تشكلت بموجب قرار مجلس الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية رقم (533) لسنة 2022.
وأشارت وزارة الخارجية إلى ملاحظة أن التقرير لم يهتم بتقديم سرد منفصل للسياق التاريخي للوقائع محل التحقيق والتقصي من قبل البعثة، ولم يكن الفصل واضح بين ولاية حكومة الوحدة الوطنية التي مُنحت الثقة في مارس 2021 وباشرت أعمالها في وقت لاحق من هذا التاريخ، وولاية ومسؤولية السلطات المنقسمة السابقة التي شهدت سنوات الحرب والانقسام بالبلاد وكانت أغلب الانتهاكات الواردة بالتقرير حدثت خلال تلك المدة مبينة أن أهمية هذا الأمر مرتبط بأن يكون هناك إشارة لتحسن الأوضاع في ليبيا ولو كان طفيفاً بالنسبة لمعايير البعثة، بالمقارنة بالسنوات الماضية معتبرة أن هذا التطور يُشجع الليبيين على مواصلة العمل من أجل التعافي وأن يتحدوا في اتجاه بناء الدولة القوية الموحدة التي تحد من ظاهرة الإفلات من العقاب وإنصاف الضحايا.
وبحسب وزارة الخارجية يُشكك التقرير في قدرة مؤسسات الدولة الليبية المعنية بالملفات والقضايا الواردة بالتقرير على العمل بشكل مهني في ظل مساهمة مدنيين سابقين ضمن المستوى القيادي لهذه المؤسسات، كما يتجاهل التقرير تفسير هذا الواقع بأنه مرتبط بالتحديات التي تواجه مراحل التحول الديمقراطي، وأن المجتمع الدولي قد عجز عن تقديم مساعدات فاعلة لبرامج الإصلاح الشامل للقطاعات الأمنية والعسكرية وبناء القدرات، وبرامج دمج المدنيين الذي شاركوا بالمواجهات المسلحة في فبراير سنة 2011 والتي تلقت دعماً لا محدود من المجتمع الدولي ومؤسساته مبينة أن حكومة الوحدة الوطنية لا تعطي حصانة لأي مسؤول مدني أو أمني يخترق القوانين، والسلطات القضائية قادرة على ملاحقة وإدانة المخالفين وجرائم حقوق الإنسان لا تسقط بالتقادم.
ولفتت وزارة الخارجية إلى أن التقرير يدعو لإنشاء آلية تحقيق دولية منفصلة ومستقلة بولاية متواصلة ومزودة بموارد كافية لرصد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ويرى أن هذه الآلية ستساعد على تحقيق العدالة الانتقالية والمساءلة حيث أن هذه الدعوى يجب ألا تتعارض مع موقف ليبيا الساعي للخروج من حالة الصراع الدائم وتنميط ليبيا في المحافل الدولية على أنها دولة أزمات ونزاعات مستمرة. وبالتالي فإن الأولوية هي لبناء القدرات للمؤسسات الليبية، ودعم القضاء الوطني، والاستقرار السياسي، بدلاً عن إعطاء الأولوية لإنتاج آلية دائمة ستواجه مصاعب لوجستية وتمويلية من قبل الأمم المتحدة التي تحملت انتقاد البعثة لضعف دعمها وتمويلها لأنشطتها، مما يبدو أن جعل مهمتها أكثر صعوبة على مستوى العمل الفني والتوسع في التحقيق والتقصي، حيث لم يكن هناك تواجد دائم للبعثة داخل ليبيا طيلة فترة ولايتها.
وأشارت وزارة الخارجية إلى أن التقرير الأخير للبعثة يتحدث عن محدودية الأماكن المخصصة لبعثة الأمم المتحدة للدعم والمشورة، للتهرب من الانتقاد الذي يتبناه حقوقيين ليبيين حول عدم تواجد البعثة بشكل دائم داخل ليبيا طيلة فترة ولايتها مما قد يؤثر على شمولية تقريرها ووصولها لكافة المواقع المطلوب تفقدها وممارسة الضغط على مرتكبي الخروقات الحقوقية. وأشارت الوزارة لبقاء واستمرار عمل بعثات دبلوماسية أوروبية، واستقرار المبعوث الأممي عبد الله باثيلي بالعاصمة طرابلس، مما يعني أن البعثة ضيعت فرصة مهمة للبقاء في العاصمة الليبية، وتقليص الموارد المالية التي خصصتها لها الأمم المتحدة خلال تنقلات أعضائها والوصول إلى الشهود والضحايا وإدانة شهاداتهم وفحص أدلتهم عن بعد واستخدام منصات مخصصة لذلك وفقاً للتقرير.
وأكدت وزارة الخارجية أنه لا يمكن تحميل دولة ليبيا الصعوبات التمويلية التي واجهت البعثة، في الوقت الذي تواصل فيه ليبيا تمويل أعمال الاستجابة والتعامل مع قضية الهجرة غير الشرعية بشكل منفرد ولا تواجه هذه الجهود بالتقدير والترحيب، من مكونات المنظومة الدولية، في مقابل محاولة تأطير ليبيا على أنها دولة ميؤوس من تعافيها، وأن الليبيين شعب من الجناة يمارس بشكل منهجي الاستعباد والعنف الجنسي وكافة الجرائم ضد الإنسانية التي يواجهها مهاجرين غير شرعيين دخلوا ليبيا بشكل غير قانوني وارتبطوا بشبكات دولية للتهريب بين إفريقيا وآسيا وأوروبا.
وبينت الوزارة أن التقريرتحدث عن سفر وتحرك أعضائه بعدد من الدول حول العالم، ولكن لا يقدم بشكل مفصل وموسع تفاصيل واستنتاجات وأدلة حول شبكات التهريب الدولية للأسلحة وللمهاجرين والمخدرات، ومدى ارتباط المجموعات المحلية بهذه المجموعات الدولية، مما قد يرسم انطباع بأن الإساءات التي يتعرض لها المهاجرين في ليبيا يتحمل مسؤوليتها الجنائية والأخلاقية فقط الليبيون، في حين أن ما قد يتعرض له المهاجرين واللاجئين له في ليبيا من معاناة هو أمر مؤلم ضمن مشهد واسع أكثر إيلاماً وأعقد تفصيلاً، وأنه مرتبط بسياسة ممنهجة للعصابات والمجموعات الدولية في إذلال واستغلال المهاجرين واللاجئين والنازحين في جميع دول العالم.
ولفتت الوزارة إلى أن التقرير أغفل الإشارة إلى تعاون مكتب النائب العام وقوات اللواء 444 التابع لوزارة الدفاع، وكذلك إدارة إنفاذ القانون التابعة لوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية المتعاونة مع مكتب النائب العام في تفكيك شبكات محلية لتهريب المهاجرين غير الشرعيين والاتجار بالبشر، في بني وليد والقريات والشويرف، وتحرير مهاجرين احتجزوا في مراكز احتجاز غير قانوني أو مراكز لتجميع المهاجرين الذين يدخلوا ليبيا من دول مختلفة وبتنسيق مع عصابات دولية وأجنبية. وهذا يعكس جدية وحزم الحكومة في مواجهة هذه الشبكات في جميع المناطق التي تصل إليها سلطة أجهزتها الأمنية والعسكرية.
وأوضحت وزارة الخارجية أن تعامل دولة ليبيا مع ملف الهجرة غير الشرعية، يتم بالتعاون والتنسيق مع وكالات الأمم المتحدة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وبالتالي فإن مسألة تحسين أوضاع المهاجرين في ليبيا يتطلب تضامن ودعم هذه الجهات وكذلك الدول الفاعلة بالمجتمع الدولي، وبينت الوزارة أنها لا تقبل أن تتحمل السلطات الليبية والشعب الليبي إخفاق المجتمع الدولي في حل هذا الملف الشائك والمؤلم على المستوى الإنساني. وتشجع على توسيع ودعم برنامج العودة الطوعية للمهاجرين غير الشرعيين، والذي حققت حكومة الوحدة الوطنية من خلاله أعلى مستويات التعاون والتوثيق.
وبينت وزارة الخارجية أنها عبرت في أكثر من مناسبة على أن واقع مراكز الاحتجاز يتطلب مساندة دولية، وألا يتم ترك حكومة الوحدة الوطنية وحيدة في هذا الأمر، وقد وقفت وزيرة الخارجية والتعاون الدولي بشكل مباشر وشخصي على واقع بعض مراكز الاحتجاز داخل العاصمة طرابلس، ورصدت أثناء زياراتها ضعف واختفاء المساعدات الدولية، في مقابل التزام أغلب المراكز الحكومية بمعالجة المهاجرين غير الشرعيين في مراكز صحية خاصة، على حساب السلطات بليبيا وتقديم وجبات غذائية بشكل منتظم، بالإضافة إلى نشاط منظمات مجتمع مدني ومواطنين ليبيين في تقديم العون والغوث للمهاجرين داخل هذه المراكز وعلى طول وعرض البلاد.
وأضافت وزارة الخارجية أن موقفها المتضامن والمتعاطف مع ضحايا الانتهاكات الفردية التي تعرض لها المهاجرين بليبيا، يعيد التذكير بموقفها الداعي لمعالجة شاملة لهذه القضية، وإحداث تنمية واسعة يصحبها استقرار سياسي راسخ في الدول الهشة، وتوحيد الجهود الدولية لملاحقة مرتكبي الانتهاكات في جميع الدول التي تمثل دول مصدر أو عبور أو الوجهات النهائية للمهاجرين. وطالبت وزارة الخارجية بعثة تقصي الحقائق بتقديم ما بحوزتها من شهادات موثقة وبيانات دقيقة لأعداد ضحايا العنف أو الاستعباد الجنسي من المهاجرين غير الشرعيين لمكتب النائب العام الليبي، تحقيقاً للعدالة ودعماً للقضاء الوطني في ملاحقة الجناة. حتى لا تتحول معاناة الضحايا لمجرد أرقام وتقارير حقوقية تُستغل لأسباب سياسية ولا تتحقق العدالة لهم عبر مسارات تحقيقها.
وأضافت وزارة الخارجية أنه بشكل مبهم يتحدث التقرير عن أجواء من الخوف ارتبطت بسعي منظمات مجتمع مدني لمقابلتها، وفي الوقت نفسه تحدثت البعثة عن استخدامها لمنصات مؤمنة للتواصل مع الشهود والضحايا. إن الأوضاع في العاصمة طرابلس تبدو أكثر استقراراً من مناطق أخرى من ليبيا، والبعثة تقر باستخدامها لوسائل تحقق الأمان والسلامة لكافة الضحايا والشهود، وعليه تسجل وزارة الخارجية تحفظا على صياغة البند رقم 24 تحت العنوان الفرعي (التحديات والتعاون مع السلطات الليبية) من التقرير والتي تعطي انطباع بأن الأوضاع في ليبيا بلغت مستوى من الرعب والإخفاق ما يهدد تحسن الأوضاع الحقوقية في البلاد ويشعر النشطاء الحقوقيين المحليين بخيبة أمل وأن البعثة لا تهتم بالنضال الحقوقي الذي يقومون به، والجهد الذي يبذله أعضاء الهيئات القضائية في ليبيا وكل من له علاقة بحماية حقوق الإنسان.
ولفتت وزارة الخارجية إلى أنها عبرت من خلال مواقفها المؤيدة لمواجهة الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، عن سياسة حكومة الوحدة الوطنية التي لا تُقر بوجود سياسة ممنهجة لممارسة الانتهاكات الحقوقية أو رفض مبدأ مواجهة الإفلات من العقاب، وتنحاز الحكومة وتتضامن مع كافة الضحايا والفئات المهمشة بغض النظر عن المواقف السياسية التي يمثلونها أو الجنسيات التي يحملونها. ولفتت وزارة الخارجية إلى أنها لم تكن يوماً جزء من أعمال الإخفاء القسري أو استخدام مواقع احتجاز غير قانوني في بلد عانى ويلات الحروب لسنوات ويتطلب الأمر استقرار مستدام وانتخابات وطنية توصل سلطة مدنية منتخبة وموحدة تواجه جميع التجاوزات التي قد تسجل في مراكز احتجاز خارج سلطة وإدارة وزارتي العدل والداخلية.
وأشارت وزارة الخارجية إلى أن دولة ليبيا ومن خلال وزارة الخارجية والتعاون الدولي واصلت خلال فترة ولاية حكومة الوحدة الوطنية الالتزام بتوصيات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وشاركت الوزيرة بأعمال الدورتين 49 - 52 للمجلس، وكذلك باللقاء الحقوقي الذي نظمته المملكة المتحدة في لندن وكان لتوحيد الجهود لمواجهة العنف على أساس النوع الاجتماعي الذي تشهده مناطق النزاعات، مما يعكس وعي حكومة الوحدة الوطنية بضرورة التصدي للجرائم المرتبطة بالعنف الموجه للنساء سواء في وقت السلم أو النزاعات.
ولفتت وزارة الخارجية إلى أن التقرير أشار للواقع الحقوقي للنساء الليبيات المتزوجات من أجانب، وأغفل ذكر قرار الحكومة رقم 902 لسنة م2022 بشأن تقرير أحكام خاصة بأبناء الليبيات المتزوجات من أجانب وفق النص التالي: "يتمتع أولادهن بكافة الحقوق التي يتمتع بها المواطن الليبي، من مجانية العلاج والتعليم في الداخل، والقبول في المدارس الليبية في الخارج".
وأوضحت وزارة الخارجية إلى أن قرار حكومة الوحدة الوطنية بشأن أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب ينص أن "من شرط الحصول على تأشيرة لدخول الأراضي الليبية، وحصول أزواجهن على تأشيرة الدخول عند الوصول، والتزام السفارات والقنصليات الليبية في الخارج بتقديم الخدمة لهم أسوة بالمواطنين الليبيين". إن هذا التجاهل يتطلب تفسيراً من البعثة لعدم متابعة الإجراءات التي تقوم بها السلطات الليبية في مجال الاستجابة لمتطلبات تحسين حقوق الإنسان في ليبيا، وهذا يدفعنا للاعتقاد بأن البعثة لم تقم بشكل كاف بتقييم موقف الحكومة ومتابعة إجراءاتها وقراراتها وبالتالي فإن اتهامات مثل عدم الجدية أو التهاون تكون مبالغة وغير مهنية في تقييم جهود حكومة الوحدة الوطنية.
واعتبرت وزارة الخارجية أن التقرير الأخير لبعثة تقصي الحقائق في ليبيا يعبر عن إحباط من المشاركة السياسية للمرأة في ليبيا، ومن غير الواضح المعيار الذي استندت عليه البعثة في تقييم ضعف المشاركة السياسية للمرأة في ليبيا، فالواقع يشير إلى تحسن لافت لمشاركة المرأة الليبية سياسياً، سواء على مستوى النساء اللاتي تسلمن بطاقات الانتخاب في ديسمبر 2021 أو المترشحات لخوض الانتخابات البرلمانية، وكذلك المشاركة الواضحة في أنشطة منظمات المجتمع المدني. وبينت الوزارة أن الإنجاز الأهم هو وجود خمس سيدات ضمن تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية من بينهن سيدتين تحملان حقائب سيادية وهما العدل والخارجية. وأضافت أنه رغم الصعوبات التي تواجه توسيع المشاركة السياسية للمرأة في ليبيا وتعرضها للعنف السياسي، والتنمر على منصات التواصل الاجتماعي لمشاركتها في الشأن العام، إلا أن التحسن في هذا المجال يستحق الإشادة وهو المؤشر الواقعي على أن مستقبل النضال النسوي سيكون أكثر حيوية في ليبيا، طالما أن القيادة السياسية والإرادة الوطنية التقدمية للمجتمع الليبي تدعو لدور أوسع لكل فئات المجتمع الليبي بشكل متساو وعادل.
وبينت وزارة الخارجية أن التقرير أعاد تسليط الضوء على التهديد الذي تمثله الألغام ومخلفات الحروب على ليبيا، ولم يُشر التقرير إلى إعلان بعثة ليبيا لدى الأمم المتحدة في أكتوبر 2021 دعم دولة ليبيا التعاون مع جميع برامج الأمم المتحدة للتخلص من الألغام، ومشاركة رئيس الحكومة ووزير الدفاع عبد الحميد الدبيبة بفعاليات اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام ومخلفات الحروب الذي نظمته وزارة الدفاع وعبرت خلال الندوة المصاحبة عن سعي السلطات الليبية لمواجهة هذا الخطر وحاجتها لدعم دولي أكبر وأكثر فاعلية.
ولفتت وزارة الخارجية إلى أن التقرير الأخير للجنة تقصي الحقائق أغفل التحسن الملحوظ في حرية الصحافة في ليبيا، وتقدمها سنة 2022 ب 22 درجة مقارنة بتصنيفها في سنة 2021 الذي حلت به بالترتيب 165 من أصل 180. ووفقاً لمؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة " مراسلون بلا حدود" فقد حلت ليبيا في الترتيب العاشر عربياً، و143 عالمياً. وأضافت الوزارة أن ليبيا وقعت على خارطة طريق محاربة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا برعاية منظمة اليونسكو، وأعلنت التزامها بمواصلة حماية الصحفيين وحرية التعبير. وفقاً لخطة رئيس الحكومة التي أعلن عنها من خلال المنشور الحكومي رقم 8 الذي أعلن في احتفال حكومة ليبيا باليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 مايو 2021 ونص على توجيهات ملزمة من الحكومة لمنع احتجاز أو إيقاف الصحفيين أو استهداف أصحاب الرأي. والتزام الحكومة بحماية الصحفيين ومصادر معلوماتهم وتقديم الدعم لمجتمع الإعلام والصحافة بليبيا.
وبينت وزارة الخارجية أن التقرير النهائي للجنة تقصي الحقائق في ليبيا أورد مزاعم غير مثبتة حول قمع حكومة الوحدة الوطنية للمجتمع المدني في ليبيا، في حين أن التعاون الوثيق بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني في عدد من المجالات مثل الحقوق والصحافة والمشاركة السياسية والمسؤولية الاجتماعية هو تعاون مميز ولم تشهده ليبيا خلال السنوات الماضية، وأشارت الوزارة إلى وجود شواهد كثيرة عليه، مضيفة يبدو أن قصور إمكانيات البعثة حال دون متابعة هذا المسار. وتابعت الوزارة أن الإجراءات التنظيمية للمنظمات المدنية فإنها مسألة إجرائية مرتبطة بفتوى قانونية من جهة محايدة ولديها صلاحيات قانونية وقضائية لم يكن لها أي دافع للتضييق أو محاربة المجتمع المدني.
وأشارت وزارة الخارجية إلى أن اتهام التقرير للسلطات الليبية بأنها تقيد الحق في تكوين المنظمات والجمعيات هو اتهام غير دقيق، فالسلطات الليبية لا تمنع تأسيس الجمعيات وفق قوانينها وتشريعاتها الداخلية وبما لا يتعارض معها ومع دين الدولة وبما لا يعرض أمنها القومي أو أمن مواطنيها للخطر أو التهديد بكافة مستوياته. كما أن فرض البعثة لمعايير خاصة بها في مسألة الاعتقاد والدين والهوية الجنسية والقضايا المرتبطة بها على الشعب الليبي، هو تكرار لأخطاء بعثات وجهات مماثلة دولية ترفض فهم طبيعة وخصوصية المجتمعات، واعتبرت الوزارة أن هذا أمر غير مقبول بالنسبة لوزارة الخارجية والتعاون الدولي ودائما ما تطلب الانتباه لخصوصية المجتمع الليبي، وعدم اعتبار هذه الدعوة لمراعاة خصوصية مجتمعنا هي دعوة لتقوية دعاة الظلم أو العنف ضد المرأة والطفل والمجتمع، أو أنه فرض لفكر محدد وأحادي يرفض التنوع الفكري والديمقراطية وقيم المواطنة والحكم الرشيد.
ورفضت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بشدة اتهام التقرير الأخير لبعثة تقصي الحقائق لمؤسسات بالدولة الليبية بأنها تستفيد وُتدر عائدات مقابل تهريب المهاجرين واستعبادهم وابتزازهم وعملهم القسري، وحملت البعثة المسؤولية الكاملة لهذا الادعاء الخطير الذي تطالب لوزارة بتقديم الأدلة التي بحوزة البعثة لمكتب النائب العام في ليبيا للتحقق من هذه المزاعم.
وبينت وزارة الخارجية أن التقرير يتحدث عن وجود عمليات استعباد لمهاجرين غير شرعيين في مراكز الاحتجاز الرسمية، مطالبا بأن يتم تقديم الأدلة المثبتة لهذه الاتهامات التي لم تعلن بعثة تقصي الحقائق عن تفاصيلها، وبالتالي يصبح هذا الأمر يحمل إساءة لدولة ليبيا وشعبها، مما يفرض على البعثة تقديم ما بحوزتها لمكتب النائب العام للتحقق من صحة هذه المزاعم ومدى انتشارها أو أن ما تم رصده هو حالة فردية وفي واقعة محددة.
وأضافت وزارة الخارجية أنه وفقا للقرار 50\23L، الذي أنشأ البعثة لم تلتزم البعثة بالجانب الإجرائي بتقديم بطلبات رسمية عن طريق مستندات رسمية بالأماكن التي تود الوصول إليها لإثبات حالات انتهاكات محددة أو وقائع معينة، ومشاركة المؤسسات المعنية ووزارات العدل والداخلية ومكتب النائب العام لمسار التحقيق، حتى يتم كشف الجناة وألا تكون النتائج والاستنتاجات التي توصلت لها بعثة التحقيق الأممية غائبة عن السلطات الليبية أو أن يتم تقديمها كأعمال إجرامية قامت بها الدولة الليبية وأجهزتها وبتستر منها وقالت الوزارة أنه بالنظر إلى محدودية زيارات البعثة إلى ليبيا فإن نتائج التحقيق والوصول وكشف مراكز الاحتجاز غير الخاضعة لسلطة الدولة تتطلب جهداً إضافياً لتجميعها ولكشف كامل الملابسات المتعلقة به ومشاركة المعلومات حوله مع السلطات القضائية في ليبيا.
وختمت وزارة الخارجية بالقول إنها أعدت هذه التعليقات، حول أداء بعثة تقصي الحقائق في ليبيا على المستوى الإجرائي والعملي، وتولت وزارة العدل إعداد ردود كاملة تفصيلية حول التقرير الأخير للبعثة.
وأكدت وزارة الخارجية أن ما تطلبه دولة ليبيا هو المساعدة الفنية والدعم لبناء قدرات مؤسساتها الحكومية ذات العلاقة بفرض القانون وحماية المواطنين وملاحقة الجناة من مرتكبي الانتهاكات الحقوقية، وتحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب، ودعم القضاء الوطني، ومساعدة الليبيين على تطوير منظومة التشريعات والقوانين بما يتوافق مع مقتضيات المرحلة الانتقالية والتحول الديمقراطي الذي تشهده ليبيا.
وشددت الوزارة على أنها لا تعتبر بأن الأوضاع السياسية والحقوقية في ليبيا مثالية، ولكنها تتعامل مع الواقع بكل تحديات وما يحمله المستقبل من أمل لليبيين الذين يبذلوا متحدين جهود متواصلة للوصول بليبيا للاستقرار بعد إنجاز انتخابات وطنية وإنشاء سلطة مدنية ومنتخبة وقوية تواجه الانتهاكات الحقوقية وتلاحق الجناة المتهمون بارتكاب جرائم ضد الانسانية.