وزير التربية التونسي الدكتور ناجي جلول هو أستاذ جامعي و عالم و خبير مختص في التاريح الإسلامي, زاول تعليمه بين تونس و جامعة السوربون الفرنسية, إضافة إلى ذلك هو عضو مؤسس للجنة الوطنية للتاريخ العسكري و عضو مؤسس للمجلة التونسية للتاريخ العسكري, و متشبع بالفكر البورقيبي التنويري التقدمي, كما لديه العديد من المؤلفات و الكتب في مجال التاريخ الإسلامي, من أهمها " التحصينات الساحلية لإيالة تونس في العهد العثماني" و " الرباطات البحرية بإفريقيا في العصر الوسيط", و غيرها.

في عهد حكومة الحبيب الصيد تم تعيين ناجي جلول, و هو القيادي في نداء تونس, على رأس وزارة التربية, ليشرع, و بعد أشهر قليلة من تنصيبه, في إعداد مشروع متكامل لإصلاح المنظومة التربوية في بلاده, مما لاقى استحسان جل التونسيين, لينخرط الوزير و بالتوازي مع ذلك في صراع مع نقابات التعليم على خلفية المطالبة بالزيادة في الأجور, إلا أنه سرعان ما نجح  لاحقا في إحتواء الأزمة  و الحفاظ على السلم الإجتماعية بين وزارته و منظوريها.

ناجي جلول التزم الصمت  طيلة فترة طويلة إزاء الأزمة المستعرة التي يشهدها حزبه نداء تونس, ليخرج مؤخرا عن هذا الصمت و يعلن أن مؤتمر سوسة انقلب على مقررات خارطة الطريق التي أعدتها لجنة فض النزاع, طارحا في الإطار ذاته مبادرة لإنقاذ النداء من الإنهيار و السير بنسق تصاعدي و متسارع نحو شفا الهاوية السياسية و البرلمانية, لا سيما بقفدانه الأغلبية النيابية أمام الإسلاميين على خلفية الإنشقاقات التي هزت صفوفه منذ مدة.

عن كل تشعبات الأزمة السياسية الحادة التي يمر بها نداء تونس, تحدث القيادي بالحزب و وزير التربية التونسي  ناجي جلول ل" بوابة إفريقيا الإخبارية" كما لم يتحدث من قبل, في حوار سياسي صرف تطرق فيه محاورنا إلى كل تشابكات و ثنايا و مالات الإنقسامات التي يعشيها النداء بين شقي مرزوق و نجل السبسي.

و في ما يلي نص الحوار:

 

ماهي أهم الخطوط العريضة للمبادرة التي تقدمتم بها لحلحلة أزمة نداء تونس؟

مبادرتنا  تهدف إلى تجميع العائلة الندائية حول المشروع الأول للحزب و من أجل بناء حزب جماهيري دون إقصاء أي كان و تمكين النواب, بما فيهم المستقيلين و المنسقين الجهويين و المحليين وأعضاء الحكومة من تمثيلية تعكس وزنهم السياسي, إضافة إلى عودة المستقيلين و تجميع كل العائلة الندائية.

هل وجدت مبادرتكم صدى لدى الهيئة التأسيسية؟

المهم أن تجد صدى لدى قواعد الحزب و ناخبيه و تنجح في إخراج العملية السياسية من الدائرة الضيقة  إلى القاعدة الحزبية العريضة.

هل ترون أنه بالإمكان إنقاذ ما يمكن إنقاذه من نداء تونس للحيلولة دون الإنهيار التام؟

أجل بالإمكان إنقاذ ندتاء تونس من الإنهيار وذلك بالتخلي عن عقلية الإقصاء و الإنفراد بالقرار و باعتبار الحزب مكسبا لقواعده و ناخبيه قبل كل مسألة أخرى.

هل تضمنت مبادرة الإنقاذ التي طرحتموها حل الهيئة التأسيسية؟

نحن قلنا إن مؤتمر سوسة ولد ميتا لأنه لم يحترم بنود خارطة الطريق و غلبت عليه عقلية الإقصاء, و لا بد هنا من الإشارة إلى أن الفشل جماعي تتحمل فيه المسؤولية كل الأطراف و قيادات الحزب قبل غيرهم.

هل ما يجري هو محاولات لتوريث الحزب لنجل الرئيس؟

الإشكال ليس قضية أشخاص بل يكمن في غياب ثقافة التوافق. نحن نسينا أن نداء تونس أسس لحماية الإختلاف و لمقاومة ثقافة العزل و الإقصاء, و لذلك كان أول فشل لمؤتمر سوسة يتمثل في التخلي عن ثقافة النداء, أي ثقافة التوافق.

هل أن الخلل الفعلي في تشظي الحزب يكمن في أنه ولد على عجل, مثلما أشار إلى ذلك رئيس حركة النهضة؟

نداء تونس لم يبن على عجل بل كان ردة فعل مجتمعية لأغلبية التونسيين الذين أرادوا الحفاظ على المشروع الوطني و مكاسب الحركة الإصلاحية التونسية. ثقافة نداء تونس كانت و ما تزال تمثل الثقافة الغالبة على المجتمع التونسي, و نجاح الحزب في الإنتخابات الفارطة رغم سرعة تأسيسيه يؤكد أن هذه الثقافة متأصلة في المجتمع الوطني و لا يمكنها أن تنقرض بمجرد اختلال توازن حزب معين لأن الأحزاب تعكس واقعا اجتماعيا و سياسيا و ثقافيا.

 

هل يمكن القول إن مؤسس النداء فشل في إنقاذ حزبه؟

الباجي قائد السبسي حاليا هو رئيس الجمهورية و ابتعاده عن الحزب انعكس سلبا على التوازنات داخله.

هل من الوارد دخول النداء و النهضة في قائمات انتخابية موحدة خلال الانتخابات البلدية المقبلة؟

في نداء تونس كنا ضد فكرة الرئيس التوافقي قبل الإنتخابات, و دخول النداء و النهضة في جبهة انتخابية موحدة مضر بالديمقراطية في فترة ما يزال المشهد السياسي فيها في دور التشكل. الفترة الانتقالية حتمت علينا هذا الإئتلاف الحكومي الحالي الذي جلب الإستقرار السياسي للبلاد, و لكن ذلك لا يغني أن ينصهر النداء و النهضة في نفس التركيبة السياسية, فمشروع نداء تونس مختلف عن مشروع النهضة, و كما قال الفقهاء:" الإختلاف رحمة".

لكن توجد أطراف معينة داخل النداء تدفع في هذا الاتجاه؟

لا أتصور ذلك, هناك فرق بين التعايش الحكومي الذي ندافع عنه و الجبهة الإنتخابية.

ألا تعتقدون أن خوض نداء تونس للإنتخابات البلدية في قائمات خاصة به ستكون نتائجه كارثية عليه بالنظر إلى الأزمة الداخلية الحادة التي مر بها, و قبل ذلك خيانته لوعوده الإنتخابية؟

نداء تونس لن يدخل في قائمات انتخابية مع النهضة, و قبل الحديث عن القائمات الإنتخابية مع أي حزب اخر يجب استشارة قواعد الحزب و مناضليه. النداء لم يخن ناخبيه و تركيبة الحكومة الحالية تعكس إرادة الناخبين.

هل من الممكن أن يعود محسن مرزوق و من معه إلى حضيرة النداء, أم أن الأمر قد حسم في نظركم؟

محسن مرزوق من مؤسسي الحزب و من كفاءاته و المجموعة التي يقودها تنتمي إلى مشروع النداء و ما تزال تنتمي أيضا  إلى الأغلبية الرئاسية, و حسب رأينا إما أن يعود الكل إلى حضيرة الحزب أو الالتقاء في الإنتخابات القادمة في جبهة موحدة تتبنى المشروع الحداثي البورقيبي.

هناك من يرى العكس,أي أن شق مرزوق, و في حال تهيكل كحزب قائم الذات قد يقلب المعادلة الإنتخابية و يبتلع النداء الحالي, فما مدى واقعية هذا الرأي في اعتقادكم؟

نحن نعتبر أننا في مرحلة إعادة تشكل الحياة السياسية. كل المبادرات, و حتى مبادرة مرزوق, و عكس ما يراه البعض, تصب في صالح النداء. نحن نعتبر أن نداء تونس هو قبل كل شيء يمثل مشروعا سياسيا و حضاريا و ليس مجموعة من الأشخاص. نحن واثقون أن العائلة الحداثية في تونس هي أكبر العائلات السياسية في البلاد و كل الأزمات الحالية هي من إرهاصات فترة البناء العسيرة التي تميز كل مراحل الإنتقال الديمقراطي و قدر هذه العائلة أن تجتمع يوما في إطار حزب جماهيري مهيكل و ديمقراطي.

 في اعتقادكم,من المسؤول عن نفجير نداء تونس من الداخل؟ هل هي النهضة مثلما يعتبر البعض أم هي عناصر داخلية صرفة؟

 نحن لا نؤمن بعقلية المؤامرة, و نداء تونس لم يفجر لا من الداخل و لا من الخارج. نداء تونس يمر فقط بفترة تشكل معقدة بنجاحاتها و إخفاقاتها. النداء ليس مجموعة من الأشخاص بل هو أغلبية من نساء و رجال تونس انتخبوا نواب الحزب, و خاصة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذين رأوا فيه الشخصية الكاريزماتية التي يمكن إئتمانها على إنجاز شعار الثورة من شغل و حرية و كرامة وطنية. إذن هؤلاء الناخبين ما زالوا متمسكين بالمشروع السياسي لنداء تونس رغم عدم رضاهم عن أداء الحزب.

لماذا التزم ناجي جلول الصمت طيلة الفترة الماضية من الأزمة الداخلية التي يشهدها االحزب؟ و ما أسباب عدم تجميدكم لعضويتكم من الحزب على غرار ما قام به اخرون؟

أولا موقعنا كوزير يحتم علينا نوعا من الحياد و عدم الإنخراط في صراعات الشقوق, كذلك ملف وزارة التربية و الإصلاح التربوي الذي شرعنا فيه لا يتركان لنا مجالا كافيا للعمل الحزبي. أيضا نحن لا نحبذ الوقوف على الربوة و التنصل من المسؤولية. مؤتمر سوسة مثل فشلا جماعيا لكل قيادات الحزب و يجب علينا أن نتحمل المسؤولية و نقوم بعملية اصلاح عميقة دون شيطنة أي كان و دون إلقاء المسؤولية على طرف دون اخر. يجب أن يتحمل الكل مسؤولياته و يجد الحلول الملائمة لإنقاذ الحزب و تأمين أغلبية مريحة لعمل الحكومة لأنه لا يمكننا أن نبني الديمقراطية دون أحزاب قوية و فاعلة.

 

هل من الوارد الإنصهار مع الحزب الوطني الحر؟

نحن نعتبر أننا في مرحلة بناء الحزب. الوطني الحر و افاق تونس و الحركة الدستورية كلها تشكيلات سياسية تنتمي إلى العائلة الوسطية الكبرى.

الدساترة يرصون الصفوف للعودة بقوة إلى المشهد السياسي, ما رأيكم؟

الدساترة جزء من العائلة البورقيبة و مكانهم الطبيعي هو نداء تونس.

هل أثرت أزمة نداء تونس على العمل الحكومي؟

الأزمة أثرت نسبيا على المناخ السياسي العام في البلاد, لكنها لم تؤثر على الحكومة التي ما زالت تتمتع بأغلبية برلمانية مريحة و محل توافق سياسي.

التحوير الوزاري الأخير أثار جدلا واسعا, فهل ترون أن حكومة الصيد الحالية قادرة على كسب تحديات المرحلة و النجاح في مهامها؟

التحوير الوزاري من مشمولات رئيس الحكومة, و هو الأدرى بإمكانيات و أداء فريقه الحكومي.

هل يمكن أن تؤشر احتجاجات القصرين مؤخرا على بوادر توسع التململات الإجتماعية المطالبة بالتشغيل و التنمية  خلال المرحلة المقبلة؟

الإحتجاجات الإجتماعية هي جزء من مسار الانتقال الديمقراطي. الثورة قامت على مطالب ذات طابع اجتماعي و نجاح الحكومة الحالية يكمن أيضا في الاستجابة  للمطالب الإجتماعية, لكن يجب أن يكون الحراك الإجتماعي حضاريا و منظما داخل أطره الطبيعية.

نحن نعتبر أن الاتفاق الأخير بين الاتحاد العام التونسي للشغل و الحكومة يمثل إحدى النجاحات الكبرى التي ستؤمن السلم الإجتماعية و تخلق مناخا جيدا للإستثمار.

ما رأيكم في الرأي القائل بأن القرار السيادي التونسي أصبح مرتهنا للدوائر الإجنبية, وفق تقدير من يتنباه طبعا؟

هناك في تونس من لا يعرف أن جدار برلين انهار منذ مدة, و أننا دخلنا عصر العولمة  و الإنفتاح الاقتصادي, و أن الإنخراط في الاقتصاد العالمي لا يعني التخلي عن السيادة الوطنية.