عديدة هي الأخبار القادمة من كواليس شركة الخطوط الجوية التونسية.. ما هي حكاية بيع الطائرة الرئاسية إيرباص 340؟ وهل هناك فعلانية لتسريح عدد من العمال للضغط على المصاريف؟ وعديدة هي تذمرات المواطن والسائح من تدني الخدمات في المطارات.. ما هي الأسباب؟؟ أما عن النقل البري، فالأمور لا تقل تعقيدا، فكيف يقدم هذا المرفق العمومي خدمات جيدة والحال أن أسطوله متهرم؟إن النقل شريان حيوي لاقتصاد كل بلد، ومتى لم يكن في مستوى التطلعات، يتحول إلى عائق فعلي أمام التنمية..هل صحيح أن الوضع كارثي في تونس الجوية، وفي الشركات الوطنية للنقل البري؟حملنا هذه الأسئلة وغيرها إلى وزير النقل التونسي شهاب بن أحمد، فوافانا مشكورا بالحديث التالي:

ماهي وضعية النقل الجوي في تونس بعد ثلاث سنوات من الثورة؟

قبل قيام الثورة كانت الخطوط التونسية شركة رابحة رغم أنها لم تكن تدار بالشكل المطلوب، لقد حققت هذه الشركة عديد المنجزات لاسيما في الجانبين الاجتماعي والسياحي. وقد لا تستطيع شركات طيران أخرى أن تفتح خطوطا غير ذات مردودية وربح كما فعلت شركة الخطوط الجوية التونسية.لقد مرت هذه الشركة التي تأسست سنة 1948 ببعض الأزمات، ناهيك أنها عرفت عجزا في الميزانية 3 مرات، لكنها تعافت بعد ذلك لأنها استشعرت ضرورة التأقلم مع متطلبات سوق الطيران على نطاق دولي.كانت الخطوط الجوية التونسية ترتكز من حيث إستراتيجيتها التجارية على ما يسمى (trafic point) أي الاقتصار على نقل المسافرين من بلد لآخر، في حين اعتمدت شركات أخرى على ما اسمي بحركة الحرية السادسة (trafic de sixièmes liberté) كاتجاه غالب لا يقتصر على النقل بل يشمل خدمات المضيف (hôte) كما هو الحال بالنسبة للخطوط الإماراتية والفرنسية أو الطيران المغربي.

يبدو أن المرحلة المقبلة هي مرحلة الشركات الكبرى، ولن نجد بعد 10 سنوات موقعا للشركات الصغرى؟

لا تنسى موقع تونس الجغرافي، فهي بوابة إفريقيا إلى كل من المشرق وأوروبا وأمريكا. لابد من نقطة عبور مثلا (point de transite) لينتقل المسافر من أمريكا إلى إفريقيا.

إذن في هذه الحالة تونس تستفيد من تقديم الخدمات؟

ليس بالضرورة، يمكن أن تكون الاستفادة عبر عقود شراكة تجارية مع شركات طيران كبرى، فالولايات المتحدة مثلا تسعى منذ سنوات إلى فتح السماوات مع تونس..

ألم تطرح قضية فتح السماوات مع قطر؟

الموضوع طرح قبل الثورة أيضا.

شركة الخطوط الجوية التونسية تواجه إشكالية بخصوص إمكانية تسريح عدد من العمال، هل من توضيح؟

أوّلا لابد من عدم تهويل الأمور، فالوضع في شركة الخطوط الجوية التونسية ليس كارثيا بالشكل الذي تتداوله بعض الأوساط، لكن هناك إشكاليات. لقد وقعت انتدابات مكثفة بالشركة بعد الثورة، ووقع توحيد الرواتب صلب المؤسسات المشكلة لها بعد اتفاق على إدماجها (الإدماج لم يتحقق بعد)، وهذا كله يثقل كاهل المؤسسة، إضافة إلى عملية اقتناء الطائرة الرئاسية إيرباص 340 التي تكلفت سنة 2008 بما يقارب 400 مليون دينار تونسي.

ما هو مصير هذه الطائرة؟

الطائرة موجودة حاليا بمطار بوردو الفرنسي في انتظار من يشتريها، علما وان شراءها ليس متاحا لأي كان باعتبارها مهيأة أساسا للرؤساء والأمراء..لقد تمت إجراءات التفويض رغم أن هناك تعقيدا في عملية البيع، فالخطوط التونسية مقيدة بقوانين وضوابط، وهذه القوانين سنت بوضوح في مجال الاقتناء، لكنها غير موجودة في مجال البيع والتفويت.

ولتجاوز هذا الإشكال تكونت لجنة مشتركة بين وزارة الاقتصاد والبنك المركز والخطوط التونسية، ووقع تحديد إجراءات قانونية لعملية البيع. لكن هذه الإجراءات اصطدمت مجددات ببطء التنفيذ، لأنك عندما تنتظر موافقة المجلس الوزاري يكون الحريف قد ذهب.على كل تم في آخر جلسة وزارية التقليص في آجال التفويت إلى 24 ساعة، وبإمكاننا الآن أن نقوم بإجراءات البيع متى توفر العرض المناسب.

ما هو مستقبل العمال الذين سيقع الاستغناء عن خدماتهم في الخطوط الجوية التونسية؟

هناك مشكل حقيقي يتصل بهذا الجانب، فالاخلالات الهيكلية للشركة تتمثل في أنّ قيمة الواردات أقل من الكلفة.إن كلفة المحروقات تبلغ 30% من رقم معاملات الخطوط التونسية، كما تبلغ مصاريف الرواتب 23%، في حين تبلغ قيمة الاداءات على المطارات بما فيها الخدمات والعبور والرسوم 33%. عند دراسة الميزانية يجب أن تتجاوز المداخيل المصاريف. لكن مع وضع البلاد بعد الثورة وانخفاض الدينار التونسي صرنا نشتري المحروقات وقطع الغيار ورسوم المطارات بالعملة الصعبة، وهذا من شأنه أن يؤثر على طاقة استيعابنا التشغيلية.يوجد لدينا في الخطوط الجوية 8400 عامل نقسمهم بحساب 260 أو 270 عامل على كل طائرة.

وكم عدد الطائرات؟

هناك 27 طائرة، علما وأن معدل الأنشطة يستوجب واقعيا 120 عامل عن كل طائرة، إذن هناك تضخم في الرقم بـ 100%، وهذا يشكل عبئا كبيرا على التوازنات المالية للشركة.سيتم تسريح 2000 عاملا، علما انه يوجد 300 عامل أحيلوا على التقاعد بعد بلوغ السن القانونية، وهذا سوف ينقص مبدئيا من حجم الرواتب ويخفف الكلفة على المؤسسة، وقد بدأت المفاوضات مع النقابة حول هذا الموضوع.

ماذا عن تأهيل المؤسسة؟

لقد أعددنا برنامجا يخص نسبة الامتلاء (taux de remplissage) لضمان الحد الأقصى من ركاب الطائرة، نحن لا نملأ طائراتنا حاليا إلا بـ 72% من طاقة استيعابها، أي هناك 28% كمعدل فراغ في الطائرة.

هل يرتبط النقص بمستوى خدمات الشركة؟

لا تنس أن أغلب نشاط الخطوط التونسية مرتكز على أوروبا، وأن هناك منافسة شديدة. هناك مثلا 9 شركات أخرى تشتغل على خط فرنسا-تونس.يجب أن نبحث إذن عن أسواق بديلة، وهي موجودة أساسا في إفريقيا، لان هامش الربح في القارة السمراء سيكون أحسن مما نحققه على الخطوط التقليدية، التي نشتغل عليها.هناك إشكالات يجب أن نتطارحها بالجدية اللازمة، لماذا تأخرنا كل هذا الوقت، ولم نفكر من قبل في ملئ نسبة الفراغ التي بلغت 28%؟ لا تنقصنا الخبرة ولا التجربة..إضافة إلى ذلك، نحن نعاني من مشكل اكتظاظ، إذ يستقطب مطار تونس قرطاج أكثر من 60% من حجم الحركة الجوية في تونس.

إن الإمكانيات المتوفرة لا تخول لهذا المطار إلا القيام بـ 12 رحلة ذهاب وإياب في ساعة، لكننا نصل حاليا إلى 30 رحلة !!! هذا هو الأصل في تدني الخدمات الأرضية، إذ لديك 30 طائرة تنزل في نفس الوقت.في هذا العام حددنا أولوية واضحة تتمثل في برنامج لتوسيع مطار تونس قرطاج لكي يتجاوز استيعابه للمسافرين من 5 مليون إلى 10 مليون.لقد أصبح هذا التوسيع حاجة ضرورية وملحة.

إذن متى سيتم ذلك؟

الدراسات في طور الانجاز، والأشغال تنطلق سنة 2015.

هناك مشاكل في المطار، لقد وقعت أكثر من حادثة سرقة لأمتعة المسافرين؟

ظاهرة السرقة موجودة في كل أنحاء العالم، لكنها استفحلت في تونس مؤخرا، ونحن قلقون إزاء هذا الموضوع.لقد تحركنا، واكتشفنا وجود شبكة منظمة، وتم فعلا إيقاف عدد من أفرادها. وللعلم لم يكونوا فقط من الخطوط التونسية.نحن وضعنا كاميرات مراقبة وأنشأنا فرق تفتيش لمقاومة هذه الظاهرة.

توجد مشاكل في المطارات الداخلية كمطار توزر، وهذا يؤثر سلبا على الموسم السياحي؟

الحركة بهذه المطارات موسمية ومرتبطة أساسا بالحركية السياحية. والمناطق الداخلية إذا لم توجد معامل ومصانع وموظفون ورجال أعمال وحركية استثمارية، فإنّ ذلك سيؤثر سلبا على نشاط النقل الجوي.

لننتقل إلى مجال النقل البري، ما هي مشاريعكم الجديدة؟ فالشركات الوطنية تعاني من العجز؟

النقل البري هو مرفق عمومي يعيش على التعويضات والإعانات (compensation et subvention)، لذلك هو قطاع خاسر بالمعنى التجاري.في بلجيكا مثلا، النقل العمومي مجاني بمدينة بروكسيل، فهل نسميه قطاعا خاسرا؟ ان الدولة تموّل النقل العمومي بالاقتطاع من الضرائب، لأنها مجبرة على دعم المرافق الحيوية.

ماهو الدعم الذي تقدمه الدولة التونسية للنقل العمومي؟

يصل هذا الدعم في النقل المدرسي مثلا إلى نسبة 90%، وهناك برامج لإعادة هيكلة المؤسسات تقوم على استجلاء حلول تراعي طبيعة وخصوصية كل شركة، حتى تتحقق المردودية المنتظرة ويقع تفادي العجز.

أكبر مشكل هو الخطوط البعيدة، لقد تهرّم الأسطول، فماذا أعددتم لتجاوز المشكل؟

في البلدان المتقدمة تستعمل جميع الفئات الاجتماعية النقل العمومي لان هناك حلولا لإيواء السيارات وفضاءات مهيأة لذلك.لكن في تونس، لا تمتطي وسائل النقل العمومي إلاّ الفئات الضعيفة، ونحن مجبرون على تخفيض التعريفة وبالمقابل نرفع الموارد من خلال التركيز على الكمّ.على كل نحن نشتغل بجدية على تحسين الخدمات قدر الإمكان، وهناك مشروع للشبكة الحديدية السريعة سيدخل طور الاستغلال بمنطقة تونس الكبرى خلال شهر جويلية 2017.