طيلة سبع سنوات، تدهورتل الأوضاع بشكل غير متوقع في ليبيا التي تكافح بشدة من اجل استرجاع التوزان الأمني وإعادة الأمل لليبيين الواقعين تحت قبضة العنف والفوضى التي كرستها الإنقسامات والخلافات بين الفرقاء ونتج عنها غياب سلطة الدولة وتفشي قانون السلاح الذي أراق دماء أبناء ليبيا أنهارا.
ورغم أن العام 2018، شهد تحركات دبلوماسية كثيفة محليا ودوليا، توجت بلقاءات بين أطراف الأزمة، وتردد خلالها كثيرا الحديث عن تسوية شاملة ونهاية للأزمة، فإن كل ذلك ظل تحت بند الآمال المطروحة والتي سرعان ما أجل البت فيها إلى العام الجديد أسوة سنوات سابقة أجل الحل فيها للعام التالي.
ومع إنطلاق العام الجديد بآمال كبيرة لإنهاء حمى الصراع الدائر في البلاد، تتكشف على الأرض صعوبة الوضع في ظل إستمرار مسلسل العنف الذي يهدد بإرقة المزيد من الدماء وإجهاض محاولات إعادة الإستقرار.ففي الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 01 يناير 2019، اغتالت ميليشيا مسلحة في العاصمة الليبية طرابلس، ضباطًا برتبة ملازم أول بعد عودته لمنزله، وحصوله على تعهدات من بعض قادة الميليشيات بعدم التعرض له.وعاد الملازم أول ناصر المحياط الذي يعمل آمرًا للكتيبة 103 غربي ليبيا، إلى منزله بعد سنوات من التهجير.
وقال موقع "إرم نيوز"، إنه وبحسب مصدر مقرب من عائلته، تمت عملية مداهمة منزله فجر اليوم، من قبل عناصر تابعة لميليشيا "البقرة".وتتمركز الكتيبة 103 التابعة للجيش الليبي في منطقة "بئر الغنم" جنوب غرب طرابلس، وسبق لها أن شاركت في عدة عمليات عسكرية تحت قيادة غرفة عمليات الجيش الليبي بالمنطقة الغربية.
وبعيدا عن العاصمة الليبية، وتحديدا في بلدة غدوة، جنوب غربي البلاد، أفادت تقارير إعلامية بحدوث تفجيرات إنتحارية إستهدفت مراكز للشرطة بالبلدة الواقعة 60 كلم جنوب مدينة سبها.وأكد وزير الداخلية السابق المكلف بالحكومة المؤقتة احمد بركة، في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية، أن انتحاري قام بتفجير نفسه داخل مركز شرطة غدوة بالجنوب الليبي مبينا أن التفجير لم يخلف أضرارا بشرية سوى مقتل منفذ التفجير وبعض الأضرار في المبنى.
وأوضح بركة أن هذا التفجير هو الثاني اليوم الثلاثاء في منطقة غدوة بالجنوب الليبي بعد أن قام انتحاري بتفجير نفسه بالقرب من مركز شرطة غدوة.وبين بركة أن التفجير أدى إلى مقتل احد عناصر كتيبة خالد بن الوليد وإصابة 4 اخرين جرى نقلهم لمستشفى تراغن بالجنوب الليبي.ويأتي التفجير الانتحاري بعد تحرير كتيبة خالد بن الوليد، التابعة للجيش الليبي، الإثنين، 12 أسيرًا كانوا محتجزين لدى تنظيم داعش في منطقة المشروع التابعة لغدوة، بعد أن اختطفهم قبل شهر. وكانت بلدة الفقهاء الواقعة في منطقة الجفرة تعرضت لهجوم من قبل تنظيم “داعش”، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؛ ما أسفر عن سقوط 4 قتلى، بينهم نجل رئيس الفرع البلدي للفقهاء، فضلًا عن خطف عدد من رجال الشرطة، كما شن التنظيم هجومًا على مركز شرطة تازربو، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، مخلفًا 9 قتلى واختطاف آخرين.
ومن جهة أخرى، تجددت التوترات الأمنية في حقل الشرارة النفطي، حيث أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط حدوث خرق أمني جديد، تمثل في قيام مجموعة بسطو مسلح على مخيم شركة هاليبرتون، حيث قامت بسرقة 6 مكيفات كما قامت باقتحام مرفق تابع لشركة أكاكوس للعمليات النفطية وكسر بوابة مستودع التموين وسرقة بضائع ضرورية.وعبرت المؤسسة الوطنية للنفط في بيان لها عن قلقها الشديد إزاء الحوادث الأخيرة التي تظهر الفشل المتكرر للمجموعة المسلحة المتواجدة في الحقل وعدم قدرتها على حماية هذا الحقل الهام.مجددة دعوتها إلى إعادة هيكلة حرس المنشآت النفطية بالحقل على وجه السرعة لضمان سلامة عمالها واستئناف الإنتاج.وطالب رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، "الميليشيات المسلحة التي تحتل الحقل بالمغادرة دون اَي قيد أو شرط" مضيفا "يجب أن تكون إعادة هيكلة حرس المنشآت النفطية أولوية بالنسبة للجميع لوقف المزيد من الضرر الذي يلحق بالاقتصاد الليبي ومستقبل بلدنا الحبيب".
وتثير هذه التطورات المخاوف من تواصل سلسلة العنف في البلاد خلال العام الجديد وتكرار سيناريو الأعوام الماضية التي عرفت فيها ليبيا غيابا مفزعا للأمن والإستقرار وسقوط عدد كبير من الضحايا ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة التي هوت بإقتصاد البلد الغني بالنفط إلى الحضيض.وتلقى هذه المخاطر الضوء على مبادرة توحيد المؤسسة الأمنية بين الشرق والغرب التي تم الكشف عنها مؤخرا عبر مديريتي الأمن في طرابلس وبنغازي، في خطوة تستهدف فرض الأمن والإستقرار في كامل ربوع البلاد.
وأعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق أن مديرا أمن طرابلس، العميد سالم قريميدة، وبنغازي العميد عادل العرفي، اتفقا على توحيد الأجهزة الأمنية بينهما.وبين المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق انه جرى تكليف مديرا امن طرابلس وبنغازي ببحث مبادرة توحيد الأجهزة الأمنية وصياغتها في شكلها الحالي. وأوضحت وزارة الداخلية أن المبادرة جاءت نتيجة التحديات التي تواجهها الدولة، وفي مقدمتها الإرهاب، مشيرة إلى إبعاد المؤسسة الأمنية عن التجاذبات السياسية، وإعادة توحيدها في إطار إعادة الأمن واستتبابه، وربط المنظومات الأمنية بكامل التراب الليبي.وتواجه وزارة الداخلية في حكومة الوفاق، مهمة صعبة تتمثل في إنجاح الترتيبات الأمنية التي تشرف عليها بعثة الأمم المتحدة. وتهدف تلك الترتيبات إلى إبعاد الميليشيات المتحكمة في أغلب دواليب الدولة.. وطفت تلك الصعوبات على السطح بعد الهجوم الإرهابي الذي شهدته وزارة الخارجية نهاية ديسمبر الماضي.
وتأتي مبادرة توحيد المؤسسة الأمنية بينما تراوح جهود توحيد المؤسسة العسكرية مكانها، والتي تسود حالة من الغموض بشأن مصير النتائج التي تم التوصل إليها.ويأمل الليبيون في أن يكون العام الجديد عنوانا للمصالحة وتوحيد البلاد لمواجهة التحديات القائمة وأهمها إعادة الاستقرار والأمن.