بين يناير وفبراير من هذا العام  سيطرت القوات المسلحة الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر على المنطقة الجنوبية بأكملها تقريباً والمعروفة باسم فزان، بما في ذلك جميع حقول النفط والمراكز السكانية الرئيسية. 

والمثير للدهشة أن القوات المتقدمة كانت موضع ترحيب من قبل السكان المحليين المبتهجين في كل قرية وبلدة  صغيرة دخلوا إليها. لقد تم إهمال الجنوب وشعبه لفترة طويلة من قبل حكومة الوفاق الوطني التي لا حول لها ولا قوة في طرابلس، ولا تستطيع حكومة الوفاق مساعدة نفسها.

ومنذ تدخل الناتو العسكري عام 2011 الذي أطاح بنظام الزعيم الليبي السابق  معمر القذافي  كانت فزان الجزء الأكثر اضطرابا في ليبيا.

 وأحرز الجيش الوطني الليبي تقدمه المطرد في الخطوات التدريجية باستخدام المتطوعين المحليين والانتقال بعد تأمين كل بلدة وقرية سيطر عليها. و بحلول 2 مارس وصلت قوات الجيش الوطني الليبي إلى "القطرون" ، أكبر مركز سكاني كبير على الطريق إلى تشاد والنيجر.  القطرون هي قرية  يقل عدد سكانها عن 10 الاف نسمة ، ليست مهمة باستثناء قربها من قاعدة الويغ الجوية على بعد 120 كم جنوباً. القاعدة غير المستخدمة في موقع استراتيجي لأن من يسيطر عليها يمكن بسهولة السيطرة على المثلث الذي يربط ليبيا وتشاد والنيجر والجزائر إلى الجنوب الغربي.

وفي الجنوب الشرقي  استولى الجيش الوطني الليبي على جميع المدن والقرى المهمة بما فيها أم الأرانب ، في وسط حي مرزق ، والكفرة على الحدود مع السودان. استغرقت العملية أقل من ثلاثة أشهر لتتخذ المنطقة الجنوبية بأكملها موطناً لأكبر حقول النفط الليبية وأحواض المياه حيث يتم ضخ المياه العذبة عبر النهر الصناعي على بعد آلاف الكيلومترات إلى طرابلس وبقية ليبيا، فتراث القذافي لم يدمر في الحرب الأهلية عام 2011.

وبعد عام 2012  أصبحت فزان نوعًا من المنطقة المستقلة التي لا يمكن حكمها حيث كانت الجريمة متفشية و لا وجود لسيادة القانون. وبمساحة تزيد على نصف مليون كيلومتر مربع من التضاريس الصحراوية القاسية أصبحت المقاطعة خارج السيطرة وسقطت في حالة من الفوضى واليأس.

لطالما كانت فزان مشكلة للحكومة المركزية في ليبيا، ولكن بعد الحرب الأهلية في عام 2011  تطورت لتصبح مركزًا للجريمة حيث يتم الاختطاف من أجل الفدية والابتزاز والتهريب وتهريب المهاجرين. وموقعها على الطريق إلى النيجر وتشاد والجزائر ومناطقها الصحراوية الشاسعة قد وفرت أماكن آمنة للمهربين والجماعات الإرهابية. 

وبعد عام 2013 أصبحت فزان موطنًا لجماعات المعارضة المسلحة التشادية  -معظمها من قبائل التبو- حيث شنوا هجماتهم ضد حكومة إدريس ديبي في أنجامينا. واستفاد المتمردون من تعاطف الأقلية التبوية الصغيرة جداً في ليبيا حيث تم الترحيب بالمتمردين مقابل مساعدة التبو المحلية  خاصة في مرزق في الجنوب الغربي. وهذا هو أحد الأسباب التي أدت إلى لوجود مقاومة لقوات الجيش الوطني الليبي في مرزق حيث قتل حوالي 20 مدنياً في العملية.

مرزق هي موطن للتبو الليبيين وللدفاع عن نفسها ضد أي ميليشيا يرحبون بمساعدة أبناء عمومتهم من تشاد الذين استقر بعضهم في المدينة وأصبحوا جزءًا من سكانها. ولدى أقلية التبو عداء مرير طويل الأمد مع قبيلة مهيمنة أخرى، ويرتكز وجود قبائل أولاد سليمان في العاصمة الإقليمية سبها  أوضحت مقالة لموقع ميدل إيست مونيتور  في 24 يناير دور القبيلة في مساعدة الجيش الوطني الليبي على التقدم إلى الجنوب.

وفور دخول قوات الجيش الوطني اللليبي إلى سبها شاركت قوات مشاة من قبل القوات القبلية شبه العسكرية لقبيلة أولاد سليمان متجهة إلى مرزق. ونظراً لمعرفتهم بالأرض قادت الجماعات شبه العسكرية القبلية القوات الموجهة إلى المدينة التي يتركز فيها أعداؤهم من التبو. واعتبر التبو أن المقاتلين القادمين مجرد ميليشيا أخرى عليهم الدفاع عن أنفسهم وبالتالي ارتفاع عدد الضحايا المدنيين. 

وبمجرد وصول قوات الجيش الوطني الليبي الأكثر احترافًا  تتوقف الإساءات ويختفي القتال. ووضعت جماعة التبو الليبية أسلحتهم بينما فر أبناء عمومتهم التشاديون جنوباً نحو تشاد. عند دخولهم تشاد تعرضوا للقصف الشديد من قبل الطائرات الفرنسية الموجودة في تشاد لحماية حكومة ديبي.

ومما لا شك فيه ارتكبت بعض الفظائع ضد أقلية تيبو في مرزق بغض النظر عما إذا كانوا ليبيين أو تشاديين. ومع ذلك؛ ليس على مقياس ما  ذكر من قبل بعض وسائل الإعلام المحلية التي تتهم الجيش الوطني الليبي بممارسة التطهير العرقي ضد قبيلة  التبو. في الواقع  الاتهامات ضد الجيش الوطني الليبرالي ليست أكثر من دعاية الإسلاميين التي يقودها ويشجعها المفتي السابق في طرابلس الذي يدعو باستمرار للجهاد ضد الجيش الوطني الليبي.

وتفسر التطورات في فزان الاجتماع المفاجئ الذي لم يعلن عنه في أبو ظبي، والذي ضم المشير خليفة حفتر وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني في طرابلس برعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة غسان سلامة ، واستضافته دولة الإمارات العربية المتحدة  -أحد مؤيدي حفتر- أراد سلامة أن يعيد الطرفان تكرار التزامهما بالعملية السياسية التي يقودها لمحاولة حل الأزمة الليبية ولطمأنة الآخرين. وطمأنة الفصائل  بما في ذلك الإسلاميون في غربي ليبيا أن حفتر ملتزم بالحل السياسي بدلاً من الحل العسكري. والتقى كل من السراج وحفتر مرتين في باريس في عامي 2018 و 2017 وخلالهما اعلانا التزمهما بالانتخابات.

لكن بعد انتصاره الأخير  قد يعيد المشير حفتر النظر في موقفه، وتسيطر الآن قوته على حوالي ثلثي البلاد وجميع حقول النفط  -مصدر ليبيا النقدي- في حين أن خصومه في طرابلس ومصراتة محاطون حتى من مسافة بعيدة. والواقع أن الميليشيات المسيطرة على طرابلس تكره حفتر وتخشى من مكاسبه العسكرية الأخيرة. خياراتهم لمواجهته محدودة للغاية إذا قرر التوجه إلى طرابلس.

من غير المحتمل أن يحصل الجيش الوطني الليبي على أوامر البدء في مسيرة طرابلس في أي وقت قريب. لكن تغيير السياسات المحلية يمكن أن يغير ذلك في أي وقت. في هذه الحالة  ستشكل مصراتة التحدي الأكبر أمامه. لا يستطيع عسكريا  أن يأخذ طرابلس ويترك مصراتة خلفه. و مصراتة على بعد 300 كيلومتر شرق طرابلس لديها أفضل الميليشيات المسلحة المدربة تدريبا جيدا والقوات شبه العسكرية. إنها معركة متشددة مع جحافل من الأسلحة والتمويل المحلي المتاح لها لخوض معركة جدية ضد الجيش الوطني الليبي إذا تحرك غربًا.

وفي بيان مشترك  مباشرة بعد اجتماع دولة الإمارات العربية المتحدة فإن المتشددين في مصراتة  ومجموعة من الميليشيات والقوات شبه العسكرية والسياسيين المحليين بما في ذلك مجلس المدينة  لم يدن حفتر  فحسب بل اتهموه بأنه عميل للقوى الأجنبية وتعهد "بالدفاع عن الثورة" بحسب تعبيره.

ومع الجنوب تحت سيطرته هل حفتر في عجلة من امره لجعل للقيام بالخطوة التالية الآن؟ ليس صحيحا. مثل هذه الخطوة ستجعله المعتدي ويزيد من قوة حجة منتقديه بأنه ليس سوى جنرال قديم متعطش للسلطة يعتزم إدارة البلاد كديكتاتورية. ولكن من الناحية الأخرى فمن المعروف أن حفتر هو رجل مسن والوقت ليس في جانبه نظراً لعمره وصحته.




*"بوابة إفريقيا الإخبارية" غير مسؤولة عن محتوى المواد والتقارير المترجمة