يشهد العالم نكسة "حادة" اندلعت منذ أوائل هذا العام، تسببت في خسائر جمة على كافة الأصعدة،هزة عنيفة تعصف بالوضع الاقتصادي و الاجتماعي العالمي و تلحق ضررا بالغا بما حققه العالم من تنمية مستدامة في مجالات عدة. حيث عطلت أزمة الفيروس التاجي كوفيد 19 أغلب الإقتصادات العالمية و تسببت في أسوأ إغلاق على الإطلاق لتحول بذلك العالم إلى دويلات تصارع الوباء و خسائره البشرية و المادية إضافة إلى أزمات عديدة جعلت من عام 2020 العام الأشد "وطأة منذ عقود.

أزمة وبائية" غير متوقعة" قلبت كل الموازين

يعيش العالم تحت وطأة فيروس كوفيد 19 المتسبب في وباء كورونا الذي ظهر بووهان الصينية  منذ كانون الأول من العام الماضي 2019. والذي إصابات كثيرة بلغت إلى حدود اليوم حسب آخر إحصائيات الصحة العالمية 19,402,752 إصابة مؤكدة و حصيلة وفيات بلغت 720,344 حالة وفاة حسب آخر التحيينات.
تسبب فيروس كورونا في ردة فعل سريعة حفاظا على الذات البشرية و كبح جماح انتشار العدوى التي اندلعت بسرعة متجاوزة كل الحدود العالمية و عابرة لمختلف القرات مخلفة وراءها إصابات ووفيات وإغلاق  جعل من العالم دويلات منفصلة.تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية إلى حد اليوم الأكثر تضررا حيث تحتل المرتبة الأولى عالميا من حيث الإصابات بـ 5,054,753 إصابة تليها البرازيل بـ2,927,807 إصابة، ثم الهند بـإصابة مؤكدة حسب 2,086,864 آخر التحيينات.
أما عربيا فتعتبر السعودية الأكثر تضررا بتسجيل 282,645 إصابة، تليها العراق بـ144,064 إصابة ثم قطر بـ112,383 إصابة مؤكدة حسب آخر الإحصائيات. و على غرار باقي دول العالم يشهد انتشار الوباء تطورا" مقلقا" في دول المغرب العربي و تعد الجزائر الأكثر تضررا بتسجيل 33,626 إصابة مؤكدة تليها المغرب بـ 30,662 حالة إصابة ثم موريتانيا بـ6,444 إصابة وليبيا بـ 4,879 حالى إصابة مؤكدة ثم تونس بأقل عدد إصابات بلغ حسب آخر الإحصائيات 1,656 إصابة.
 أسوأ ركود عالمي منذ الكساد الكبير

لأول مرة منذ الكساد الكبير تعيش الاقتصادات المتقدمة و الإقتصادات  النامية في حالة ركود متزامن خلال عام 2020. أزمة دفعت بالاقتصادات إلى إغلاق عام كبير، ما ساعد على احتواء الفيروس وإنقاذ الأرواح، لكنها في المقابل تمخضت عن أسوأ ركود منذ الكساد الكبير.

وحسب تقرير صندوق النقد الدولي، "هناك حالياً ما يزيد على 75% من البلدان التي تعيد فتح اقتصاداتها في نفس الوقت بينما الجائحة تشتد في كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية". ويرى صندوق النقد الدولي أن العالم يعيش انكماشا لا يمكن التنبؤ بمخلفاتها ما لم تتم السيطرة على الوباء و اكتشاف لقاح له. ويصف الصندوق الانكماش الحالي بأنه الأسوأ منذ فترة الكساد العظيم التي وقعت في العقد الرابع من القرن الـ20، كما أنه سيكون أكثر حدة عند المقارنة مع الوضع في الأزمة المالية العالمية عام 2008.

و يتوقع البنك الدولي أن ينكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 5.2% العام الجاري، في أسوأ معدل منذ الحرب العالمية الثانية، نتيجة "الصدمة السريعة والشديدة" التي تعرض لها الاقتصاد في ظل الجائحة.

كما توقع البنك أن ينكمش النشاط الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة بنسبة 7% في العام الحالي جراء الاضطرابات الشديدة التي أصابت الطلب والعرض المحليين والتجارة والتمويل. كما ستشهد الاقتصادات الصاعدة والنامية انكماشا نسبته 2.5% هذا العام، وهو أول انكماش لها كمجموعة منذ 60 عاما على الأقل، حسب البنك الدولي.

هذه الأزمة الاقتصادية العالمية للعام الجاري 2020،صاحبها  تهاو لأسعار النفط ودخول أكبر منتجي النفط في حرب أسعار شرسة، دفعت بأسعار البرميل لأقل مستوياتها بل و أدناها على الإطلاق، كما دفعت لتهاوي إيرادات الدول النفطية الكبرى وحدوث اضطرابات اقتصادية ومالية بها كما في روسيا ودول الخليج والجزائر ونيجيريا.

فقر مدقع ينال ملايين الناس حول العالم "فقر متعدد الأبعاد"

من المتوقع أن ينخفض متوسط نصيب الفرد من الدخل بنسبة 3.6%، ليطال "الفقر المدقع ملايين الناس" هذا العام.حيث يشير تقرير ،صدر في  16 يوليو  2020 عن مبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية في جامعة أكسفورد ومكتب تقرير التنمية البشرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي و الذي يقدم بيانات مؤشر الفقر العالمي المتعدد الأبعاد لعام 2020، أنه إن لم يتم التصدي لهذا التهاوي المتسارع لما تم تحقيقه من تنمية مستدامة في مجال محاربة الفقر فإن فإن التقدم المحرز في 70 بلداً نامياً يمكن أن يتراجع من 3 إلى 10 سنوات.

" وقد يبدو إنهاء الفقر حلماً مستحيلاً" تحديات كثيرة تواجه العالم أهمها الفقر المدقع الذي بات يهاجم طبقات مختلفة و يهدد استقرارها و دخلها مخلفا بذلك أرقاما جديدة و مرتفعة في معدلات الفقر العالمية.  يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في توصيف للوضع خلال تصريح له  هذا الشهر إنها "أسطورة أننا جميعاً في قارب واحد،في حين أننا جميعا نطفو على نفس البحر، فمن الواضح أن البعض في يخوت عملاقة في حين أن البعض الآخر يتشبث بالحطام، فإنه من الضروري أن نمد يد العون للفقراء، الذين يعانون من مظالم متعددة الحرمان إضافة إلى كوفيد-19 الذي يشكل عبئاً ثقيلاً بالفعل."

من المتوقع أن ترتفع معدلات الفقر لأول مرة منذ عام 1998 مع انزلاق الاقتصاد العالمي إلى حالة ركود، وسيشهد العالم انخفاضا حادا في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي.كما سيؤدي استمرار الأزمة إلى محو كل التقدم المحرز تقريبا في السنوات الخمس الماضية. وتذهب تقديرات البنك الدولي إلى أن ما بين 40 مليون إلى 60 مليون شخص سيسقطون في براثن الفقر المدقع (أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم) في عام 2020، مقارنة بعام 2019، نتيجة لجائحة كورونا، وذلك تبعاً للافتراضات المتعلقة بحجم الصدمة الاقتصادية. وقد يرتفع معدل الفقر المدقع العالمي بنسبة 0.3 إلى 0.7 نقطة مئوية ليصل إلى حوالي 9% في عام 2020.

2020..العام الأشد حرارة على الإطلاق

من المرجح أن يصبح عام 2020 واحدًا من أكثر السنوات ارتفاعا لدرجات الحرارة على الإطلاق، وفقا لبيانات المنتدى الاقتصادي العالمي.حيث كانت كل من سيبيريا وأوروبا دافئتين بشكل استثنائي،إذا كانت درجات الحرارة 7 درجات  و 2 درجة أعلى من متوسط المعدلات الطبيعية ، وكان شهر يونيو من هذا العام من أكثر الأشهر "حرا" منذ عام 1850. فيما سجل الجليد البحري في القطب الشمالي مستويات منخفضة قياسية في معظم يوليو. كما شهد عام 2020 أيضًا موجات حرارة شديدة في أستراليا ، مما تسبب في أسوأ حرائق الغابات المعروفة على الإطلاق.

كانت الأشهر الستة الأولى من عام 2020 دافئة بشكل ملحوظ، إما مرتبطة بعام 2016 أو متأخرة عنه قليلاً، وهي حالياً السنة الأكثر دفئاً. في مجموعة بيانات ناسا، يرتبط عام 2020 مع عام 2016 لأحر متوسط من يناير إلى يونيو على الإطلاق. ومع ذلك، كان عام 2016 سجل أقل درجات الحرارة في النصف الثاني من العام، في حين ظلت معدلات الحرارة عام 2020 مرتفعة  في الأشهر القليلة الماضية. وقد تعادلت الأشهر الاثني عشر الماضية لأحر 12 شهرا على الإطلاق في عدد من مجموعات البيانات.

هذه الصدمات الاقتصادية، مع انتشار الوباء وانعدام الأمن الغذائي، وتغير المناخ، كل ذلك يهدد الإنسانية جمعاء بخسارة كثير من  المكاسب التي حققها العالم على مر عقود. وسيكون من الضروري العثور تكثيف الجهود و التعاون الدولي لمحاربة هذه الأزمات حيث يرى الخبراء أن التعاون بوضع استراتيجية عالمية موحدة هو أنجح الحلول لإيقاف نزيف عام 2020.