في مثل هذا اليوم 28 مارس 1970 ، تم إجلاء القوات البريطانية من ليبيا ، بعد أشهر قليلة من ثورة الفاتح من سبتمبر ، وفي ذلك اليوم التاريخي قام اللواء الراحل مصطفي الخروبي عضو مجلس قيادة الثورة بانزال العلم البريطاني ورفع علم الجمهورية العربية الليبية

وكان العقيد معمر القذافي قال في كلمة قبل بدء المفاوضات مع الوفد الإنجليزي، جاء فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم

باسم الشعب الليبي

تنعقد الجلسة الأولى لمفاوضات إجلاء القوات البريطانية عن الجمهورية العربية الليبية ويطيب لي بهذه المناسبة أن أحيي جميع السادة المفاوضين أعضاء الوفدين الليبي والبريطاني، وأرحب أجمل ترحيب بالسادة أعضاء الوفد البريطاني باعتبارهم "ضيوفا" في بلادنا واحيي رئيسي الوفدين .

وأستأذن المفاوضين بأن أذكر بالنقاط الآتية والتي اعتبرها نقاطا على الحروف:

أولا:إن الجمهورية العربية الليبية غير المملكة الليبية المتحدة، وإن المملكة الليبية المتحدة غير الإمبراطورية البريطانية التي لا تغرب عنها الشمس، وإن عام 1969 يختلف عن عام 1953 الذي عقدت فيه المعاهدة.

ثانيًا: الاحتلال العسكري شيئ مرفوض منذ بدء الخليقة، ويفسر التاريخ بأن الحروب الاقتتال كانت مقاومة ورفضًا للاحتلال وللاغتصاب بواسطة القوة.

ثالثًا: إن المعاهدات والصداقات والتعاون أمور لا يمكن أن تبنى في ظل السيف وتحت أزيج الطائرات وهو أمرا يقوله القانون الدولي قبل أن نقوله نحن.

رابعًا: إن حرية ليبيا لازالت ناقصة مادام هناك جندي أجنبي فوق أرضها، وإن مطلب  الحرية والعدل لثورة الفاتح من سبتمبر في مقدمة مبادئنا، ومن أجل الحرية قاتل الشعب الليبي طيلة ربع قرن من الزمان وهو أعزل ضد الغزو الطلياني الفاشي، وإن الشعب الليبي الذي حرك قواته المسلحة في ليلة الفاتح من سبتمبر المجيدة،  لايقبل أن يقف على الطريق بعد أن دمر حكم الرجعية وحكم العمالة والتخلف إلا بعد أن تستكمل سيادته فوق أرضه.

خامسًا: أنا على ثقة إن الشعب الإنجليزي الذي اكتسب تجارب كثيرة من مختلف الشعوب يقدر قضية الحرية ويقدسها، وما أنتم إلا "ممثلين" عن ذلك الشعب العظيم.

سادسًا: إذا كان دخول القوات الإنجليزية لأول مرة هو لمساعدة ليبيا ضد الاستعمار الإيطالي حقًأ، فإن على الإنجليز أن ينسحبوا عندما يقول لهم الشعب الليبي الذي ساعدوه وساعدهم انسحبوا إلى بلادكم، وإذا لم يتحقق هذا، وتصبح العملية كلها استبدال استعمار باستعمار وغاصب بغاصب، والفرصة متاحة أمامكم الآن أيها الإنجليز لتتجنبوا المحظور وأنا على ثقة من ذلك.

سابعًا: إن استمرارية وجود القوات الإنجليزية من الأمور غير مقبولة على الإطلاق.

ثامنًا: إن الجمهورية العربية الليبية أعلنت مبدأ الحياد الإيجابي المطلق، وعليه لا يوجد أي مانع يعيق إقامة صداقات وعلاقات وطيدة بين الشعب الليبي والشعب الإنجليزي إلا وجود القاعدة الإنجليزية في ليبيا بصورة مباشرة.

تاسعًا: أنصح المفاوضين بأن لا يضيعوا الوقت لمناقشة القضية من الناحية القانونية، والرجوع إلى نصوص المعاهدة، لإن المسألة المطروحة اليوم مسألة وجود قوات أجنبية في ليبيا، وليست معاهدة على الإطلاق ويكفي أن الرجل الذي صدق عليها الآن في المنفى، والرجل الذي أعدها في المعتقل، والدستور الذي أجاز لهما بالتصرف هو الآن في سلة المهملات.

عاشرًا: أؤكد للسادة رئيس وأعضاء الوفد الإنجليزي المحترمين، أنه في أسوأ الأحوال لا سمح الله، فأن القواعد ستكون معدومة النفع، خاصة من الناحية العسكرية التدريبية والتموينية بالنسبة للأنجليز، علاوة على انعكاسات ذلك الضارة على جميع مصالح الإنجليز في ليبيا والعالم العربي بل العالم الثالث بأكمله.”

وتمر اليوم الذكرى الثانية والخمسون لإجلاء القوات البريطانية عن ليبيا ، في ظل واقع جديد ، فرض على جانب كبير من الليبيين تجاهل أمجاد البلاد وقيادتها السياسية السابقة ، لأسباب عقائدية وحزبية وجهوية وسياسية ، ورغم   أن ذلك الإنجاز تحقق للدولة الليبية وللشعب الليبي، وكانت ليبيا تحتفل بهذه الذكرى لمدة 41 عاما ، قبل أن تطمس فبراير والواقفون وراءها كل الجوانب المضيئة من تاريخ البلاد المعاصر ، بسبب الحقد الإيديولوجي وقصور التفكير ، ونزعة بعض القوى الفطرية للعمالة للأجنبي وصولا إلى حد الدعوة إلى إستقبال قواعد أجنبية ، أو فتح المجال أمام التدخل الأجنبي السافر من جديد

فبعد أشهرٍ قليلة من قيام الثورة، قام الليبيون بقيادة معمر القذافي، يوم 28 مارس 1970م بإجلاء القواعد والقوات البريطانية عن ليبيا، ويوم 11 يونيو من نفس العام، بإجلاء القواعد والقوات الأمريكية، في حين تم يوم 7 أكتوبر من نفس العام أيضًا إجلاء حوالي 20 ألف إيطالي كانوا يسيطرون على كل النشاطات الاقتصادية والزراعية في البلاد.

وخلال المفاوضات التي عقدتها قيادة الثورة التاريخية مع الحكومتين الأمريكية والبريطانية، لم ترضخ الثورة لمطالب هذه الحكومات في تأجيل موعد الإجلاء إلى فترة زمنية أخرى، ولكن تمسك قيادة الثورة بالأهداف والمبادئ والقيم النبيلة التي قامت من أجلها، جعلها لا تتراجع أمام هذه المطالب وتلك الإغراءات التي قدمتها الحكومتان لليبيا، مقابل الإبقاء على تواجدها العسكرى فوق التراب الليبي.

وكان الزعيم معمر القذافي أكد صبيحة قيام ثورة سبتمبر 1969 أن حرية ليبيا تبقي ناقصة طالما لا يزال جندي أجنبي واحد فوق ترابها ،وعمل طوال حياته على أن يكون وفيا لهذا المبدأ من حيث طرد القوات والقواعد الأجنبية ورفض التدخل الخارجي في بلاده والدفاع عن سيادة ليبيا ، إلى أن تكالبت على نظامه القوى الإستعمارية وأدواتها الداخلية لتطيح به ، في مؤامرة ما إنفكت خيوطها تنكشف يوما بعد آخر.