قتل ثلاثة متظاهرين في العاصمة العراقية أمس الإثنين في محاولات لقطع الطرقات في بغداد ومدن جنوبية عدة، مع انتهاء المهلة التي حددوها للسلطات لتنفيذ إصلاحات يطالبون بها منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
وتهز الاحتجاجات المطلبية البلاد منذ 1 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، وأمهل المتظاهرون الحكومة الاثنين الماضي، أسبوعاً واحداً لتنفيذ الإصلاحات وإلا فالتصعيد.
ويطالب المحتجون بانتخابات تشريعية مبكرة استناداّ إلى قانون انتخابي جديد، واختيار رئيس وزراء مستقل، ومحاسبة المسؤولين الفاسدين.
ومنذ الأحد، عمد المتظاهرون في بغداد ومدن جنوبية عدة إلى إغلاق الطرق السريعة، والجسور بالإطارات المشتعلة، قبل ساعات من انتهاء المهلة المحددة.
وحاولوا ذلك صباح الاثنين، لكن القوات الأمنية جهزت نفسها مسبقاً، إذ أعلن الجيش في بيان اعتقال تسعة متظاهرين وإعادة فتح الطريق الرئيسية في العاصمة.
وأفاد صحافي من وكالة فرانس برس بأن مئات المتظاهرين احتشدوا في ساحة الطيران وسط بغداد واشتبكوا مع القوات الأمنية التي أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي في الهواء لتفريقهم.
وأقدم شبان يرتدون خوذات وأقنعة لحماية أنفسهم من قنابل الغاز المسيل للدموع، على إقامة حواجز معدنية في الشارع في محاولة لعرقلة شرطة مكافحة الشغب.
وقال مصدر طبي، إن "متظاهرين اثنين قتلا بالرصاص الحي أحدهما في الرأس، وثالث بقنبلة مسيلة للدموع اخترقت عنقه"، مشيراً إلى إصابة أكثر من خمسين شخصاً بجروح.
وتحولت غالبية مدن جنوب العراق، منذ منتصف ليل الأحد الاثنين إلى مساحات من الإطارات المشتعلة لقطع الطرق الرئيسية والفرعية، خاصةً في الكوت، والناصرية، والعمارة، والديوانية، وكربلاء.
وأغلقت غالبية المحال التجارية والأسواق فيها، فيما أعلنت محافظات واسط وذي قار والديوانية تعطيل الدوام الرسمي.
وقال المتظاهر محمد فائق، من الديوانية أين أغلق المحتجون غالبية مداخل المدينة لفرانس برس، إن "تسويف الحكومة والطبقة السياسية منذ أكثر من ثلاثة أشهر، هو ما دفعنا إلى خطوات تصعيدية".
وأضاف وهو يلف نفسه بالعلم العراقي، وترتفع من خلفه أعمدة دخان "التصعيد مستمر حتى تحقيق مطالبنا".
في الناصرية، قطع المتظاهرون الطريق السريع الذي يربط محافظة ذي قار ببغداد.
وفي مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة، قال أحد المتظاهرين: "قلنا لهم إن تظاهراتنا سلمية وبعدها أطلقوا علينا الرصاص الحي".
وقال آخر: "نحن مستمرون، ونقولها للنظام الفاسد، لا تستهينوا بالمتظاهرين".
وأسفر العنف الذي شهدته التظاهرات في أنحاء البلاد عن مقتل نحو 460 شخصاً غالبيتهم من المحتجين، وإصابة أكثر من 25 ألفاً بجروح.
وتعرض الناشطون أيضاً لحملات ترهيب، وخطف، واغتيال في محافظات عدة.
ويطالب المحتجون بطبقة سياسية جديدة بدلاً من المسؤولين الذين يحتكرون السلطة منذ 17 عاماً.
واعتبرت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت أن إهمال مطالب المتظاهرين سيؤدي إلى المزيد "من غضب الرأي العام وانعدام الثقة".
وقالت بلاسخارت في بيان، إن أي خطواتٍ اتُخذت "لمعالجة شواغل الناس ستبقى جوفاء إذا لم تكتمل".
وشهدت حركة الاحتجاجات تراجعاً بعد أن قتلت الولايات المتحدة بطائرة دون طيار في مطلع يناير (كانون الثاني) الجاري قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب بغداد، ما أثار موجة غضب لدى فئات واسعة من العراقيين.
وردت طهران بإطلاق صواريخ بالستية على قاعدة عين أسد أين تتمركز قوة أمريكية في غرب العراق.
ورداً على الغارة الأمريكية، صوت البرلمان على تفويض الحكومة لإنهاء تواجد القوات الأجنبية في البلاد.
وتنتشر قوة أمريكية في العراق من 5200 جندي لمحاربة داعش ضمن تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة منذ نهاية 2014، بناء على طلب من الحكومة العراقية.
وتتعرض تلك القوات والسفارة الأمريكية في بغداد إلى هجمات بالصواريخ منذ أشهر، كان آخرها سقوط ثلاثة صواريخ كاتيوشا مساء الإثنين، حسب مصدر أمني وشهود عيان.
ويرفض المحتجون الولايات المتحدة وإيران، وأن يكون العراق ساحة صراع بين البلدين المتخاصمين.
ودعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الى تظاهرة "مليونية" في 24 يناير (كانون الثاني) للتنديد بالوجود الأمريكي في العراق.
ويشهد العراق شللاً سياسياً منذ استقالة حكومة عادل عبد المهدي في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ولا تزال الكتل السياسية عاجزة عن التوافق على شخصية لرئاسة الوزراء رغم انقضاء المهل الدستورية.