تزخر ليبيا عامة بمخزون أثرى كبير وثمين، وللأسف لم ينل اهتماما كبيرا من الجهات ذات العلاقة طيلة العقود الماضية حيث يسجل كل بين الحين والآخر اكتشاف أثري يعود لآلاف السنين في عدة مناطق ليبية لتسجل حقب تاريخية بعيدة جدا.
مراسل بوابة إفريقيا الإخبارية تجول رفقة وائل فطيس وهو باحث ومهتم بالآثار والتاريخ ومتعاون مع مكتب آثار زوارة وعضو في جمعية آثار بيسدا التي أسست حديثا، في منطقة أثرية كبيرة جدا وتزخر بمعالم أثرية تعود لأزمان غابرة وهي منطقة امركان الواقعة شرق زوارة.
وبحسب الفطيسي، فإن منطقة إمركان ذكرت في عدد من المصادر التاريخية، ومنها كتاب "نزهة المشتاق في اختراق الأفاق" للشريف الإدريسى، حيث ذكر أنه هناك منطقة اسمها قصر امركية، ويقصد بها امركان الحالية، كما ذكرت عند بعض الجغرافيين ، باسم مرسى أمركية ، وكل الشواهد والأدلة تؤكد أن المنطقة شهدت حركة تجارية كبيرة فى القرن الرابع والخامس قبل الميلاد الى القرن العاشر الميلادي إلى غاية الثالث عشر. وتؤكد الروايات والمصادر والشواهد التاريخية وفق الفطيسي، أن منطقة امركان ساهمت بتطور المناطق القريبة منها، وبمحاذاة هذه المنطقة يوجد قصر مليته وهو معلم آثري أيضا قريب من هذه المنطقة.
مقبرة أثرية مهددة بالطمس
ونبه الفطيسي في معرض حديثه عن مخاطر تهدد المنطقة الأثرية، قائلا: " نحن في منطقة كبيرة وعظيمة ومكشوفة ومهددة بالدمار والطمس، ويشير بإصبعه، "هذه مقبرة تم العبث بها نتيجة المسح الذي قامت به شركة تجهز لموقع نفطي هنا، وهذه المقبرة تاريخها يعود إلى فترة القرن الخامس والسادس قبل الميلاد إلى القرن الثالث بعد الميلاد".
ويضيف كانت طقوس الدفن مميزة لهذه المنطقة ، فمثلا هذا القبر اسمه "التومبة" يعنى القبر البسيط وعندما يوضع الميت في قبره توضع أشياء في اعتقادات أهالى تلك الحقبة بأن الميت سوف يستخدم هذه الأشياء بعد الموت، وهنا تختلف الأشياء التي توضع مع الميت حسب حالته المادية ووضعه الاقتصادي. ويتابع الباحث الفطيسي، قائلا تلاحظ أن القبور تختلف عن بعضها البعض، هناك قبور بداخلها مربعات داخلية وكأنها بيوت الحمام، وهى قبور الأغنياء وهناك قبور عادية وهى قبور الناس البسطاء ، وما يلاحظ انهم جميعا في مقبرة واحدة ، والأشياء الموجودة بداخل القبور هي إنتاج محلى من أهل المنطقة .
ويضيف مقبرة امركان بزواره، تعكس الوضع الاجتماعي الذي كان يعيشه أهل المنطقة، وهذا ملاحظ من خلال نوع القبور وأيضا نوع المعدات، فهذه مقبرة كبيرة جدا، وكما ترى القبور واضحة جدا لكن للأسف منسية، وحتى الحفر الذي حصل كان عبثيا من قبل بعض الباحثين والهدف منه العثور على الأشياء الثمينة داخل القبور.
وأشار إلى أن هذا النمط من القبور كان منتشر في طرابلس الغرب وتونس والجزائر واسمه "كمبلاريوم" وهي كلمة لاتينية تعني القبور ذات النوافذ ، وهى في الأغلب مقابر عائلية، وكان موجودا بالتحديد في جنزور وقرقارش وباب بن غشير والماية والحرشة، وغيرها من المناطق الأخرى.
مرفأ تجاري يعود للعهد الروماني
وأضاف الباحث وائل الفطيسي نحن أمام مخزون وإرث حضاري كبير، فنحن الآن أمام مرفأ امركان الذي يعتبر الأكبر في المنطقة الغربية، وتقول الدراسات إنه كان نقطة تجارية هامة في البحر المتوسط، وعثر هنا على أكبر كنز نقدي في العالم، حيث عثر فى عام 1929 على حوالي20 ألف قطعة نقدية فضية من العملة الرومانية قبالة هذا المكان.
ويشير الفطيسي قائلا، تلاحظ أن هذا المكان الصخري لم يكن طبيعى، بل نتيجة لأعمال معينة ومواد معينة وضعت على شاطئ البحر كي تستطيع ان تقف عليه المعدات والبضائع ، وكأنها مواد خراسانية ، وآثارها واضحة جدا ومازالت هناك بعض البقايا لمبنى بحري كان يعتبر مركزا حينها .
واختتم الباحث والعضو في جمعية آثار بيسدا حديثه عن المنطقة بالقول هذه كلها شواهد على عصور ومراحل تاريخية لكنها للأسف منسية ولم تحظى باهتمام على كافة المستويات، مشيرا إلى أن بوابة افريقيا الإخبارية هي أول وسيلة إعلامية تقوم بزيارة المنطقة الأثرية لإبراز هذا الكنز العظيم من تاريخ ليبيا .