أغلقت آخر صالات العرض السينمائية أبوابها في العاصمة الموريتانية  نواكشوط، منذ انشغال جمهورها المحدود أصلا بما أحدثته ثورة الاتصالات الجديدة من انتشار للفضائيات التلفزيزيونية والانترنت وانتشار محلات الفيديو في الأحياء الشعبية التي تعرض نفس الأفلام التي تعرضها القاعات بأسعار زهيدة لتستهوي بعض شباب الأحياء الفقيرة وأطفال الشوارع وبعض المنحرفين وهي الفئات التي ارتبطت مع السينما عند غالبية المجتمع الموريتاني المحافظ الذي وقف من الفن السابع موقف شك وريبة، منذ أن افتتح الفرنسي "غميز" دورا للعرض السينمائي في موريتانيا في خمسينيات القرن الماضي، لتعتبر الأوساط الدينية - التي لها تأثيرها الأكبر في توجيه المجتمع - السينما مجرد أداة غربية لنشر الخلاعة والمجون بين شباب المسلمين.

المجتمع الموريتاني ينبذ رواد السينما

لم تتغير النظرة  السلبية للموريتانيين عن السينما حتى هذه الأيام وهو العامل الأبرز في عدم تطور هذا الفن في بلد المليون شاعر عكسا لفنون ثقافية أخرى كما يرى الخبير الاجتماعي "محمدو ولد احمدناه" الذي يضيف: "أعتقد أن السينما فعلا فن متميز وأساسي في الحفاظ على هوية الشعوب والتعريف بثقافاتها لكن على المستوي الوطني فالفن السينمائي ليس من الفنون التي كانت لها تقاليد في المجتمع الموريتاني حيث لم يهتم بهذا الفن مع اهتمامهم بمشاهدة الأفلام لكن دون أن يهتموا بإنتاج الافلام خصوصا أن إنتاج الإفلام يتضمن فوائد ثقافية واجتماعية للتعريف بالبلاد.
صحيح أنه كانت هناك مبادرات في الستينات والسبعينات ومع الأسف ، اصطدموا بواقع الفيديو الجديد وواقع التلفزيون وتلاشت تلك الجهود مع الأسف.
وفي السنوات الاخيرة بدأت عدة جمعيات منها دار السينمائيين والوكالة الموريتانية للسينماء والتجمع السينمائي الموريتاني الممثل لاتحاد السينمائييين غرب افريقيا ولعبوا أدوارا متفاوتة في النهوض بهذا الفن .
 
"السينما  تتعثر في موريتانيا رغم بداياتها الناجحة"
 
 يعتبر الفرنسي "غوميز" أول من افتتح صالة عرض سينمائية في موريتانيا في الستينات من القرن الماضي وحظيت دور عرضه بإقبال طبقة المثقفين  الموريتانيين المتواجدين أساسا ذالك الحين في عاصمتهم الفتية نواكشوط في وقت لا يلتقط في موريتانيا أي بث تلفزيوني.
 
وفي وقت لاحق من الستينات سرعان ما دخل على الخط أول موريتاني يحمل هم السينما في البلد، وهو شاعر شعبي ورجل أعمال معروف كانت له شهرته في عهد أول رئيس لموريتانيا المختار ولد داداه ،  هذا الموريتاني هو همام أفال، الذي اشترى أعمال الفرنسي "غوميز"  وآلت إلى ملكيته كل دور العرض السينمائية في البلاد والتي بلغ عددها في العاصمة نواكشوط 15 دارا في السبعينات والثمانينات كما يعتبرهمام أفال أول موريتاني يفكر في الإنتاج السينمائي، فأنتج أفلاما منها :ميمونة..وبدوي في الحضر وتيرجيت.
ويقول بعض المتتبعين للمحطات التاريخية التي مرت بها السينما الموريتانية أنه بوفاة همام أفال، دخلت السينما الموريتانية مرحلة سبات عميق عصف بدور العرض واحدة تلو الاخرى.. حيث دخلت الفضائيات التي استرعت انتباه جمهور السينما  كما بدأت الأفلام المعروضة تنجرف في موجة السينما التجارية المعتمدة علي الإثارة والإغراء، فحصل نوع  من الصدام بين السينما وعلماء الدين لتختفي صالات السينما تدريجيا. 

مخرجون  دفعهم نظرة المجتمع السلبية للسينما للهجرة

رغم كل الصعاب ظهر في موريتانيا مخرجون بارزون مثل سيدين سوخاني ومحمد ولد السالك ومحمد هندو الذي يعتبر من أمهر المخرجين الموريتانيين، وقد هاجر إلى فرنسا مبكرا وأنتج  هناك الكثير من الأفلام عالجت في أغلبها مواضيع الهجرة والعنصرية والتمييز، ومشاكل القارة الإفريقية...
وقد اختار الإقامة في العاصمة الفرنسية، ليعمل  مدبلجا لصوت النجم الأمريكي "أدي ميرفي".
 
أما المخرج الموريتاني سيدني سوخنا، فقد غادر هو الآخر إلى فرنسا في نفس الفترة وأخرج بعض الأعمال السينمائة المهمة هناك  ليعود إلى موريتانيا ويتفرغ للعمل الحكومي والسياسي، ويتقلد عدة مناصب دبلوماسية، و حقائب وزارية ثم انتخابه نائبا في البرلمان الموريتاني.
 
ومن أبرز المخرجين الموريتانيين بعد ذلك، عبد الرحمن سيساغو، الذي تلقى تكوينه السينمائي في الاتحاد السوفييتي ويفتخر به الكثير من الموريتانيين لنيله الكثير من لأوسمة الدولية في هذا الفن وفوزه بأكبر الألقاب في الكثير من التظاهرات السينمائية، ومن بين ذلك حصوله سنة 2005 على الجائزة الأولى في مهرجان فيسباكو السينمائي، الذي ينظم كل عامين في العاصمة البركنابية وغادوغو، والذي يعتبر أكبر مهرجان سينمائي في القارة السمراء، عن فيلمه "في انتظار السعادة"، كما فاز نفس الفيلم بجائزة الجمهور في مهرجان "كان" الفرنسي، هذا فضلا عن عشرات الجوائز والتكريمات في عديد المهرجانات الكبيرة، كمهرجان برلين السينمائي، ومهرجان القاهرة، ودبي، و أوسكار، وقرطاج.. وقد تم اختيار سيساغو في لجنة تحكيم مهرجان "كان" الذائع الصيت نسخة 2007 ليكون بذلك أول إفريقي ينال هذا الشرف، كما توج بعد ذلك بوسام فارس في الثقافة والفنون في نظام الاستحقاق الفرنسي.
 
 و يعيش في أوروبا والخليج العربي جيل من الشباب الموريتاني يحترف الفن السينمائي، وخصوصا في مجال التوثيق، بعد انحسار تطور السينما في بلادهم وخلت العاصمة نواكشوط التي يسكنها اكثر من مليون نسمة من أي صالة عرض سينمائي لحد الآن  دارالسينمائيين تحاول احياء الفن السابع في موريتانيا من جديد""

ومن ابرز المؤسسات التي  تسعى للنهوض ويحاول أصحابها في السنوات الاخير بعث السينما الموريتانية  من ركودها الطويل، مؤسسة دار السينمائيين الموريتانيين، وهي مؤسسة مستقلة أسسها المخرج عبد الرحمن ولد احمد سالم الذي مارس العمل في المسرح لفترة قبل ان تستهويه السينما، ليلتحق بالمدرسة الدولية للسمعيات البصرية والإخراج بالعاصمة الفرنسية باريس، وعاد إلى موريتانيا وأنشأ "دار السينمائيين" سنة 2001 ومنذ ذلك التاريخ يحاول ولد عبد الرحمان ورفاقه احياء الفن السابع في موريتانيا بجهودهم الخاصة لكن اكبر عقبة يواجهها السينمائيين الموريتانيين هي نظرة المجتمع التي تنظر الي كل رواد الفن السابع بنظرة دونية بطعم الاحتقار.