في ليبيا، قامت قوات اللواء حفتر يوم 28 مايو بقصف جوي جديد على معاقل " الجهاديين " في بن غازي بعد هجومها الأول يوم 16 مايو. وفي المعسكر المقابل، هدد تنظيم " أنصار الشريعة في ليبيا " اللواء المنشق ( حفتر ) بأنه سيلقى نفس مصير الزعيم المقتول معمر القذافي، وفي نفس الوقت وجه التنظيم " الجهادي " تحذيرات للولايات المتحدة من أي تدخل لها في ليبيا. غير أن واشنطن كانت قد أرسلت بشكل رسمي، ألف جندي أمريكي على متن "بارجة هجومية برمائية" ترسو حاليا على مقربة من السواحل الليبية، استعدادا لأية عملية إجلاء محتملة لأعضاء سلكها الدبلوماسي في السفارة الأمريكية بطرابلس.

 وتبقى الولايات المتحدة تحت أثر الصدمة التي خلفها هجوم 11 سبتمبر 2012 الذي استهدف قنصليتها في بن غازي، والذي أودى بحياة أربعة أمريكيين منهم السفير كريس ستيفنس. وهو الهجوم الذي يرجح أن تكون من وراءه جماعة أنصار الشريعة في ليبيا.

 حوار مع هارون زيلن، مؤسس موقع " جيهادولوجي/ Jihadology " وهو باحث أمريكي متعاون مع المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي الكائن مقره في العاصمة لندن. 

نص الحوار

إذاعة فرنسا الدولية: كيف نشأت كتيبة أنصار الشريعة الليبية ومن يقودها اليوم؟ هل هو محمد الزهاوي، الذي ظهر على شاشة التلفزيون الليبي مؤخرا، أم سفيان بن قمو سجين سابق فى غونتنامو، معروف بكونه السائق الخاص لزعيم القاعدة أسامة بن لادن في أفغانستان؟

 هارون زيلن: أنصار الشريعة الليبية نشأت بين أغسطس/ آب و سبمتبر/ أيلول 2011 مع نهاية الثورة الليبية ضد نظام القذافي. وتأسست من طرف محمد الزهاوي الذي كان معتقلا في سجن أبو سليم في طرابلس قبل التمرد ( ما عرف بتمرد داخل سجن أبو سليم ). بينما ظهرت بعض الشائعات تقول إن مؤسسها هو سفيان بن قمو. لكن اليوم لا شيء يؤكد إن كان بن قمو ينتمي فعلا لهذه الجماعة أم أن لديه " كتيبته الخاصة " في مسقط رأسه بدرنة.

إذاعة فرنسا الدولية: ماذا تعرف عن محمد الزهاوي، زعيم أنصار الشريعة في ليبيا؟

 هارون زيلن: لا يزال هذا الرجل على رأس أنصار الشريعة حاليا، وهو الذي تحدث عبر التلفزيون الثلاثاء 27 مايو. وفي البيان الذي أصدره، توعد الولايات المتحدة الأمريكية بأنها ستلقى مشاكل وصعوبات أكثر مما لاقته في أفغانستان والعراق إن هي تدخلت في ليبيا. لكن في الأخير، لا نعرف سوى القليل عن محمد الزهاوي. فهذه الجماعة لم تنشر أي معطيات أو بيانات تعريفية به ( الزهاوي )، غير أن الجماعة لا تتحدث علنا إلا نادرا.

إذاعة فرنسا الدولية: عقب مواجهات عنيفة مع السكان وبعض الميليشيات المسلحة الأخرى في بن غازي، اضطرت جماعة أنصار الشريعة في سبتمبر 2012 ، إلى ترك إحدى قواعدها في بن غازي ثم ما فتئت أن عادت إليها بسرعة، هل الجماعة قادرة مع حليفتيها ( كتيبة شهداء 17 فبراير) و( كتيبة رأف الله السحاتي)، على بسط نفوذها على مدينة مثل بن غازي؟

 هارون زيلن: بعد الاحتجاجات والهجوم على القنصلية الأمريكية في 2012، قيل أن الجماعة أبعدت من بن غازي، وهذا غير صحيح. فما قاموا به لم يكن سوى عملية إخلاء للقواعد التي كانوا يحتلونها وحتى في بن غازي. لكن أغلبية أعضائها اندمجوا مع الشعب. غير أنهم استأنفوا نشاطاتهم الدعوية بعد أسابيع من ذلك. كما قاموا بتشكيل نقاط تفتيش في أماكن عدة بالمدينة لمراقبة كل المداخل والمخارج في بن غازي. وبهذه الطريقة، بقوا متمركزين في عدد من أحياء المدينة. وعلى أية حال، فهم لم يكونوا على مقدرة من مراقبة كل المدينة. وفي الأسابيع الأخيرة، تم طردهم من بعض الأحياء. وتجدر الإشارة إلى أن الجماعة ( أنصار الشريعة ) تنشط أساسا في بن غازي، وأيضا في درنة وأجدابيا وسيرت. ومتواجدة أيضا في جنوب ليبيا بمنطقة أوباري.

ذاعة فرنسا الدولية: غالبا ما تنشر أنصار الشريعة صورا لسيارات شرطتها الإسلامية. والجماعة تملك أيضا محاكم إسلامية. هل يعني كل هذا أنها تقوم حاليا بتطبيق ( الشريعة الإسلامية ) في المناطق التي تتواجد بها؟

هارون زيلن: لم تظهر أية معلومات تؤكد أن أنصار الشريعة تطبق نصوص الشريعة الإسلامية حقيقة. فلم يسجل أي حالة رجم أو قطع يد. ولم تحدث سوى حالة ضرب واحدة في سيرت، ولكن هذا لا يعطي الانطباع بأن أنصار الشريعة تتصرف كأنها قوة دولة. وإلى حد الآن، تتكفل أنصار الشريعة بعملية حفظ الأمن فقط. لكن إن تمكنت الكتيبة ( الجماعة ) من إعلان قيام دولة كما التي أعلنت في العراق أو في بلاد الشام بسوريا، أعتقد أنهم يرغبون حقا في فعل ذلك.

 إذاعة فرنسا الدولية: ألا تعتقد بأن أنصار الشريعة في ليبيا تشكل اليوم حلقة وصل إقليمية بين الجماعات الجهادية الناشطة في منطقة الساحل، والمغرب ( العربي ) وحتى في سوريا؟

هارون زيلن: أنصار الشريعة في ليبيا مرتبطة مع الكثير من التنظيمات الجهادية في المنطقة، كما أن العديد من التونسيين والجزائريين والمغاربة ذهبوا إلى ليبيا للتدرب ثم مباشرة الجهاد في بلدانهم الأصلية أو في مالي. وكثير منهم مروا عبر معسكرات التدريب الليبية التي تشرف عليها أنصار الشريعة كي يسافروا نحو سوريا للقتال في صفوف جبهة النصرة أو في تنظيم داعش ( الدولة الإسلامية في العراق والشام ). وهناك أيضا قيادات بأنصار الشريعة بتونس الذين يتواجدوا في المنفى بليبيا منذ بداية التضييق عليهم من طرف السلطات التونسية في شهر آب/ أغسطس الماضي ( 2013).

إذاعة فرنسا الدولية: أنصار الشريعة في ليبيا دربت وأرسلت جهاديين أجانب إلى سوريا. هل يمكن توقع عودة هؤلاء إلى ليبيا لقتال قوات اللواء حفتر؟

هارون زيلن: هذا أمر ممكن، لكن من المبكر جدا التكهن بأن تقوم عناصر جهادية تدربت في ليبيا وتقاتل الآن في سوريا، بالعودة إلى التراب الليبي. لكن من الممكن جدا أن يقوم ليبيون بهذا، وبالنسبة لجنسيات أخرى، هناك تساؤلات تطرح، ودليل ذلك هو تسجيل مقتل جزائريين اثنين خلال المعارك التي دارت بين أنصار الشريعة وقوات حفتر.

 إذاعة فرنسا الدولية: منذ التضييق على الجهاديين في تونس في صيف 2013، لجأ الكثير منهم إلى ليبيا، هل سبب هذا هو من أجل تشكيل عامل للاستقرار في الجارة تونس؟

هارون زيلن: بلى، ممكن، هذا لن يكون سوى بحجة أن هناك روابط بين أنصار الشريعة بتونس مع نظيرتها في ليبيا. فمنزل وزير الداخلية التونسية تمت مهاجمته، وخلال الست ( 06 ) أشهر الأخيرة، بعض من الأشخاص الذين تورطوا في هجمات أو في التخطيط لعمليات إرهابية في تونس، تلقوا تدريبات في ليبيا.

إذاعة فرنسا الدولية: أي إمكانات عسكرية يملكها الجهاديون ببرقة اليوم؟

> هارون زيلن: من المبكر جدا معرفة إن كانت لهم الإمكانات كي يخوضوا معركة كبرى. علاوة على ذلك، فإنه رغم الهجوم على أنصار الشريعة والميليشيات الإسلامية الأخرى بالمنطقة، والذي كان مفاجئا، لا يزالون ينشطون بمواقعهم ولم يهزموا. ومن المحتمل أنهم يحضرون الآن لهجوم ضد حفتر.
> على عكس مصر التي يتملك فيها السيسي جيشا حقيقيا، قام اللواء المتقاعد خليفة حفتر يوحد عناصر مختلفة، لكن هذا لا يقارن بتاتا بقوات السيسي وطريقة انتشارها في مواجهة أنصار بيت المقدس في جزيرة سيناء.

إذاعة فرنسا الدولية: تحوم حول أنصار الشريعة بليبيا شكوك ترجح تورطها في الهجوم على القنصلية الأمريكية في بن غازي ومقتل السفير كريس ستيفنس وثلاثة دبلوماسيين أمريكيين في 2012. وهذه الجماعة يعتقد أنها من وراء سلسلة من الهجمات وعمليات الاغتيال التي طالت أعضاء من مصالح الأمن في الشرق ( شرق ليبيا)، هذا بالرغم من أنها تنفي وتكذب تكذيبا قاطعا أية صلة لها بهذه الأعمال، كما أنها لم تعلن ولا مرة تبنيها لأي من العمليات. ما الهدف من ذلك في رأيك؟

 هارون زيلن: ربما بسبب رغبة " أنصار الشريعة " الحفاظ على صورتها أمام الرأي العام. الجماعة تفضل أن ترتقي شعبيا بنشاطاتها المتعددة خدمة للمجتمع. والاعتراف بأن هذه الجماعة ذات علاقة وثيقة بكل هذه الاغتيالات والاعتداءات المسلحة، سيلطخ سمعتها. وأكثر من ذلك، أعتقد أن سكان المنطقة يعرفون جيدا من تورط في هذه الأعمال ( الاغتيالات ).

 إذاعة فرنسا الدولية: ترعى جماعة أنصار الشريعة أعمالا خيرية جد مكلفة، وفي بن غازي تقوم بعمليات استعراضية على متن سيارات من طراز رفيع، وتمتلك أسلحة ومدرعات. هل لديك فكرة عن مصادر تمويلها؟

هارون زيلن: الحديث في هذا الأمر صعب. لكنني أظن أن بعض من مواردها يأتيها من البترول. كما يمكنها أن تأتي من المانحين الخواص من دول الخليج، لكنها تأتي أيضا من رجال أعمال ليبيين مقيمين في دول الخليج ويرسلون لها الأموال. وممكن جدا أن يأتيها المال من تجارة الأسلحة. فالكثير من العتاد الحربي الذي كان في مخازن الأسلحة، انتشر على نطاق واسع في المنطقة منذ ثلاث سنوات، ويحتمل أن الجماعة تستفيد من المتاجرة به.

 إذاعة فرنسا الدولية: لم تبد أنصار الشريعة بليبيا حتى الآن الولاء لتنظيم القاعدة الأم، هل هذا أمر ممكن الحدوث؟ وفي رأيك مع من، من التنظيمات الناشطة في سوريا، يمكن أن يتحالف " أنصار الشريعةّ"، تنظيم داعش مثلا؟

 هارون زيلن: أكيد قد يحصل، لكن مستحيل التنبؤ به، وإن كانت هناك جماعة يمكن لأنصار الشريعة التحالف معها، فالاحتمال الأقرب حسب اعتقادي هو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشامل ( داعش ) أكثر من القاعدة الأم ( التي يقودها حاليا أيمن الظواهري )، ويبدو أن أنصار الشريعة بتونس ونظيرتها بليبيا مرتبطتان ارتباطا وثيقا بشبكات داعش فيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب أكثر من ارتباطهما معها على المستوى الأيديولوجي. وهناك عدد كبير من التونسيين والليبيين يقاتلون في صفوف داعش بسوريا.