أفضت تحريات أجرتها فرقة البحث والتحري، التي تتبع لأمن ولاية بومرداس، إلى تحديد هوية شخص من بودواو بنفس الولاية، مسؤول عن تجنيد 32 شخصا من نفس المنطقة، في صفوف تنظيم “دولة الإسلام في العراق والشام”. الشخص يدعى محمد مريمي واسمه الحركي “أبو مرام الجزائري”، هو حاليا مسؤول الإفتاء بفرع التنظيم بسوريا، أي “الضابط الشرعي” بلغة الجهاديين.

أفادت مصادر أمنية من بومرداس، حسب يومية ”الخبر”، بأن مجموعة التحري اعتقلت 23 شخصا من بودواو في نوفمبر الماضي، ويجري البحث عن 10 آخرين، غالبيتهم تلقوا دروسا في الفقه الجهادي، على يدي “أبو مرام الجزائري” في مسجد ببودواو خلال الصيف الماضي. وقدم جهاز الأمن الموقوفين أمام قاضي التحقيق بمحكمة بودواو، الذي استمع إليهم ووجه لهم كل تهم الإرهاب الواردة في قانون العقوبات، والتي يقود بعضها إلى الإعدام. وفيما اعترف بعضهم بوجود مشروع للانضمام إلى “داعش” سواء محليا أو في الشام، نفى آخرون ذلك بشدة، وقالوا في التحقيق القضائي إن حضور حلقات “أبو مرام الجزائري” كان في إطار “الاهتمام بشؤون الدين والدنيا”.

وتقول المصادر إن سلسلة الاعتقالات بدأت في 9 نوفمبر الماضي، وكان أولهم تاجرا يسمى “ك. ز”، الذي كان على اتصال بـ”أبو مرام” الذي غادر الجزائر إلى سوريا في 9 أوت الماضي، برفقة شخص آخر من بودواو يسمى “ك. ن”. وقد نجح “الضابط الشرعي” (32 سنة) أثناء الحلقات التي أقامها بالمسجد في الصيف الماضي، في إقناع مرتادي دروسه بفكرة الانضمام إلى “داعش”، إما بمعاقله الرئيسية في سوريا والعراق، أو بفرعه بالجزائر “جند الخلافة” بقيادة عبد المالك قوري المعروف بـ”خالد أبو سليمان”.

ولتهيئة الطريق وتحضيرهم نفسيا لتنفيذ المخطط، أقام لهم “أبو مرام” مخيما بشاطئ بودواو البحري، بعيدا عن أنظار أهل المدينة، حيث يوجد المسجد الذي كانوا يحضرون فيه حلقاته. ودامت الدروس بالمخيم حوالي 3 أسابيع، حسب المصادر الأمنية، وشاركت فيها مجموعات صغيرة تتداول على سماع مواعظ من سيصبح في وقت لاحق مفتي “داعش” في سوريا. ولم يلفت هذا النشاط انتباه مصالح الأمن، رغم أن عيونها منتشرة بكثافة في بومرداس لخصوصية الولاية من الناحية الأمنية. ولو لا أن أحد الذين خضعوا لغسيل مخ من طرف “أبو مرام”، قرر في لحظة خوف التبليغ عن الخلية، لكان “داعش” الرئيسي أو فرعه بالجزائر، تعزز بـ23 عنصرا إضافيا.

ويتضح من هذا الملف أن الشرطة القضائية لجهاز الأمن الوطني هي الجهة التي تكفلت بالقضية، بينما كل الملفات المتصلة بشبكات التجنيد للإرهاب سواء في الداخل أو الخارج، ظلت منذ بداية الأزمة الأمنية من اختصاص شرطة جهاز المخابرات العسكرية. وفي وقت سابق، شرطة المخابرات هي من كانت مكلفة بشبكات التجنيد للجهاد في العراق، بعد الغزو الأمريكي عام 2003. فهل هذا التغيير هو من نتائج إعادة الهيكلة التي أجريت في الجيش في سبتمبر 2013 ؟ هل جرّد الرئيس بوتفليقة دائرة الاستعلام والأمن من صلاحية محاربة الإرهاب، بواسطة رصد نشاطات المشتبه بهم وجمع المعلومات عن شبكات التجنيد؟

وتفيد التحريات في القضية بأن فوجا من 4 أشخاص ممن كانوا يتابعون مواعظ “أبو مرام”، غادروا الجزائر إلى تركيا يوم 8 سبتمبر الماضي، ومنها دخلوا إلى سوريا للقاء مفتي التنظيم الإرهابي، الذي ظل على اتصال بهم عن طريق البريد الإلكتروني، بالنسبة لبعضهم، وبواسطة “فيس بوك” بالنسبة لآخرين. وسلك فوج ثان نفس الطريق في اليوم الموالي، ويتكون من 6 أشخاص. وذكرت نفس المصادر أن ثلاثة من المجموعتين لقوا حتفهم في عمليات انتحارية، ويعاني اثنان آخران من إصابات تعرضا لها في اشتباكات مسلحة بسوريا.