تعتبر الطريقة الحموية أحد الفروع الأصيلة من التيجانية اشتق اسمها من لقب مؤسسها الشيخ " أحمده" حمى الله (حماه الله )، وتوجد عاصمتها الروحية في المنطقة الحدودية المالية علي حدود موريتانيا الشرقية، وتحديدا في مقاطعة "انيورو دي ساحل" (تبعد حوالي 400 كلم من العاصمة باماكو ، وحوالي 950 كلم من العاصمة الموريتانية انواكشوط ، و150 كلم من عاصمة ولاية الحوض الغربي لعيون ).
صوفية المقاومة
بدأت إرهاصات الحموية حين سلم العلامة المربي الجزائري " الشيخ سيدي محمد الأخضر" في حدود 1900 ميلادية ، أمانة مواصلة مشوار طريقة أبي العباس أحمد التيجاني (دفين مدينة فاس المغربية في حدود 1230 هجرية)إلى الشريف الشاب أحمدَ حمى الله المولود 1303 هجرية تقريبا ، وهو من أب شريف يدعى محمد بن سيدنا عمر التيشيتي ، وأم زنجية " فلانية(قبيلة البولار) تدعى عائشة (آستا) دجالو ، وكان الشيخ سيدي محمد الأخضر (المتوفي سنة 1909 ميلادية في مدينة انيور " تحريف شعبي إفريقي للنور" نفسها ) قد تسلم لواء الطريقة التيجانية من شيخه سيدي الطاهر بوطيبة التلمساني ، وهو أحد خلفاء الشيخ أحمد التيجاني مباشرة .
على العكس من التيجانية الحافظية قامت الحموية بدور كبير في النضال ضد الاستعمار الفرنسي، وكانت السلطات الفرنسية قد نفت الشيخ حماه الله إلى ساحل العاج ثم وهران بالجزائر ثم فرنسا؛ حيث توفي في موري سون عام 1943م، وينتشر أتباع التيجانية الحموية في عدة دول بغرب أفريقيا أهمها مالي وبوركينا فاسو وكوت دي فوار والسنغال
القطب الموهوب واللغز الأسمر
في مطلع القرن الرابع عشر الهجري رأى الشيخ حماه الله النور في مدينة "انيور " فكان قطبا موهوبا ولغزا أسمر لم يستطع المؤرخون فك طلاسمه .
تسلم الشيخ الشاب أحمده حماه الله راية التيجانية في تلك المنطقة الجغرافية ، وتوافد عليه الناس أفواجا للبيعة والتبرك والاستطلاع ، فانزعجت الإدارة الاستعمارية الفرنسية في شبه المنطقة ، وضاقت ذرعا وحنقا على هذا المرشد الشاب الذي تملك القلوب والعقول ولم يداري أو يلاطف المستعمرين لا خوفا ولا طمعا خلافا للكثيرين في ذلك الوقت الصعب .
وبعد سنوات من الحبس والنفي والمضايقة اختطف الفرنسيون "الشيخ حماه الله في يناير 1943 اعلنوا وفاته في " مونتلسن" ، وبالتزامن مع ذلك هدموا داره وزاويته واعدموا ابنيه.
غاب ولكن !!!
غيب الفرنسيون "الشيخ حماه الله " عن أنظار تلامذته ومحبيه ، ثم أعلنوا غيبته النهائية لكن ذلك لم يرق لأتباع طريقته الصوفية فَكَيّفُوا الغيبة على طريقتهم الخاصة ، واستنسخوا تجارب إسلامية في غيبة المرشدين .
يجزم أتباع الحموية بموريتانيا أن شيخهم سيعود حاملا البركة والخلاص لأتباعه وأبناء منطقته رغم أنف حساده وأعدائه ، فموضوع الغيبة عند الحمويين له الكثير من الابعاد .
يرى الحمويون أن الغيبة ليست شيئا مستحيلا أو غير منطقي فكما غاب عيسى في عقيدة أغلب المسلمين وكما يعتقد أهل السنة أن شخصية المسيح الدجال شخصية موجودة منذ أكثر من الف سنة ولكنها مخفية عن الأنظار وكما يرى بعض المسلمين أيضا أن الخضر يعيش بين الناس ولكنه مختفي، يرى الحمويون أن إمامهم غائب منتظر غيبه الله عن الأنظار حفاظا على الدين وحفاظا عليه ولحكم لا يعلمها إلا هو .
في ظل خيمتها المنصوبة عند مدخل مدينة "كوبني " شرق موريتانيا تجلس أمنة بنت هادية "الصورة " وهي ترتب الأدوات لإعداد الطعام لأبنائها في روتين يومي تعودته منذ عشرات السنين ...
تسترسل في الحديث معك بعفوية لا يستحضر صاحبها هاجس الثورة المعلوماتية الحديثة ، ولا يضع في الاعتبار حسابات السياسة والدبلوماسية ، فبيئتها البسيطة وهواؤها غير الملوث علَّماها أن تقول الصدق بدون لف ولا دوران ...
سألتها عن الشيخ حماه الله فانتشت وتحدثت عنه بفخر واعتزاز ، وأثنت بما علمت وقطعت آياتها الحسان في شمائله بكلمة "ون ون " ...
ترفض أمنة رفضا باتا أن يكون من يسميه المستعمرالفرنسي بالمحرض تارة وبالخطير تارة أخرى قد توفي في أربعينيات القرن الماضي بفرنسا ودفن في مقبرة مونتلوصون (Montluçon) وتقول إنها لا زالت تنتظر عودته من الغيبة ليعيد البهجة والسرور إلى قلوب محبيه وأتباعه وتختم حديثها عن العودة المرتقبة للشيخ بقولها "لا ايعاكبن امعاه الا ايكاد امعاه لعمار " وهي دعوة معروفة عند الموريتانيين .
لا تناقش أمنة إشكالية العودة ولا تريد قياسها بالمنطق فالشيخ حماه الله بالنسبة لها استثناء يصحح قاعدة أمة "السبعين والستين ربيعا " وسيعود رغم أنف المشككين لأنه باختصار وكما يقول الباحث الموريتاني سيد أحمد ولد أمير " أكبر وأهم ظاهرة عرفتها منطقة الساحل في العشرية الثانية من القرن العشرين".
لا تبدو أحلام آمنة سفيهة عند تلامذة الشيخ من الحمويين ، فشيخهم قد يكون الاستثناء الذي يصحح قاعدة ، وسيعود ليكمل مسيرة التنوير ويصلح ما أفسده الغياب من أمر أتباعه .