الأحداث في ليبيا في تسارع وتطور مستمر، غير أن هذا التطور قد لا يأتي بخير في كثير من الأحيان، بحسب ما يرى المواطن العادي، فكيف يرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحسين التهامي هذا التسارع في الأحداث الليبية هذا ما حدثنا عنه في الحور التالي:

كيف ترى إمكانية تطور الأوضاع نحو اتفاق سلام بعد بياني عقيلة والسراج؟

الوصول إلى اتفاق سلام سيكون انجازا إن حصل،  لكن أعتقد أن "حسبة بسيطة" تكشف أن تركيا ليس من مصلحتها تغيير المجلس الرئاسي القائم حاليا إذ هو من منحها الورقة الوحيدة التي سوف تستخدمها في مواجهة اليونان، وبقية الاتحاد الاوربي ، اي ـــ الاتفاق السراجي الاردوغاني ــ المشترك فبالاستناد إليه تستطيع تركيا على مستوى الرأي العام القول إنه ثمة وجهات نظر مختلفة لموضوع الحدود في البحر المتوسط، ولسنا وحدنا بل معنا حكومة الوفاق في ليبيا، وهذا يجر إلى نتيجة هامة مفادها أن حالة "اللاسلم واللاحرب"، التي نعيشها اليوم قد تطول لسنوات كاملة فالميزان في حالة تعادل تام وليس من مصلحة تركيا والوفاق الدخول في حرب لآن نهايتها تبدد ال18الف سوري في الصحراء، وليس من مصلحتهم السلام لأنه أيضا يعني تغييرا في المجلس الرئاسي؛ وقد تجري اتصالات شتى وتعقد جلسات لكن التوصل الى اتفاق مرهون بالاتفاق في الشمال السوري وهذا في حالة جمود حاليا.

ماهي دوافع تدخل تركيا في ليبيا؟ هل تكفي شخصية اردوغان لتبريره؟

شخصية اردوغان مهمة نعم لكنها لا تكفي لتفسير التورط التركي في الشأن الليبي، ثمة  تراجع امريكي عن لعب اي دور في ليبيا منذ نهايات عهد اوباما ثم تحول تركيا منذ عام 2000م إلى امبراطورية تصدر فائضا من الانتاج وتحتاج إلى سوق لمنتجاتها، وهذا كان علة تحولها إلى الشرق والجنوب ومن ثم حاجتها الحادة اليوم إلى المواد الخام، وإلى النفط مع ضعف عام يسري في كل المنطقة جنوب المتوسط مما يعني ظرفا ملائما لأي رئيس تركي حتى لو لم يكن اردوغان للاستفادة الاقتصادية هذا إن اهملنا الاستفادة المالية المباشرة من قطر ومن حكومة السراج نفسها.

هل دخلنا مرحلة جديدة في الازمة منذ6يونيو الماضي؟

نعم منذ السادس من يونيو الماضي، ونحن نعيش في ظل تغير اساسي في المشهد الليبي، لقد تحولت المسالة كلها من صراع ليبي ــ ليبي، إلى صراع دولي بالدرجة الأولى، وهذا يعني تراجع تأثير الليبيين في المشهد، وإننا أصبحنا مرتبطين جدا بنتائج الحرب في سوريا والتفاوض في سوريا.

هل يعني ذلك وجود ترابط بين الملف الليبي، والملف السوري؟

نعم، لقد عشنا دون أن ننتبه حالة التشابه قبلا، ولا أهمية هنا للتاريخ فاللعبة تفهم في تغيراتها اللحظية وتوازناتها الآنية، نعم ثمة تشابه مع الحالة السورية يكاد يكون كاملا وترابطا فأي تقدم على مسار التفاوض بين تركيا وروسيا، سينعكس في ليبيا، وثمة أيضا تشابها متزايدا مع الحالة في العراق، فشرق ليبيا اليوم يشبه كردستان العراق منطقة مؤمنة تماما وفيها حكومة لا تتبع للمركز.

يبدو من خلال قولك السالف أن لا حول ولا قوة للأجسام السياسية في ليبيا فهل هي مجرد اجسام لا شرعية ولا أهمية لها؟

هذا القول ليس صحيحا تماما... فثمة مجلس نواب منتخب، وآخر رئاسة له لاتزال قائمة، فحتى لو استمرت الحرب عقودا فإن شرعية مجلس النواب قائمة، اذ هو حصيلة آخر تعبير حر عن رأي الشعب ولبنان نموذج فلقد استمر مجلس نوابها خلال الحرب منذ 1973 الى 1991م.

يعني ذلك أن لا جدوى من مناداة البعض بالاستفتاء على الدستور كحل يخلص ليبيا من أزماتها؟


انا كمحلل لا أمانع الاستفتاء على الدستور الذي كتبته الهيئة الستينية مع أنه يتضمن تفتيت السلطة في دولة هي مفتتة أصلا، والمساحات الصحراوية تفصل بين مدنها بشكل قاهر يمنع أي تواصل ولا امانع حتى الاستفتاء على دستور 54م، أو أي دستور آخر، لكن الدستور في العالم العربي يظل دائما ورقا لا قيمة واقعية له لأنه لا توجد قوى اجتماعية تقوم على حراسته ومحاولة ضمان تطبيقه كما هو الحال في بلدان أوروبا.

هذا يجرنا إلى الخوض في الأمور الاقتصادية للبلاد المرتبطة بشدة بالسياسة فهل عدم التوصل إلى اتفاق سلام يعني استمرار الاوضاع الاقتصادية القائمة؟ واستمرار ارتفاع سعر الدولار أمام الدينار؟

هذا ما أريد أن انفيه فثمة إمكانية تبدو واضحة للاتفاق حول ايرادات النفط، وكيفية توزيعها ولكن هذا لا يشمل حدوث اتفاق سياسي، ولا يتطلبه اصلا فهو ممكن جدا وقد يحدث في اي لحظة، وإعادة التصدير واستمرار جولات التفاوض قد تعني انخفاض سعر الدولار امام الدينار؛ لكن لا يجب انتظار حدوث سلام تام معه.

كيف ترى الدور الأمريكي في الازمة الليبية؟

الدور الأمريكي يجري في ليبيا عبر بروفة تحول للقوة الأمريكية؛ من الإمبراطورية "النمبر وون" ـــ التي تصدر الأمر ثم تتبعه البارجات لتنفيذه ـــ إلى الركون للعمل الديبلوماسي ليحقق لها مكاسب مثل إبعاد روسيا عن ليبيا، إنها تجرب كونها إمبراطورية ضمن تجمع امبراطوريات أخرى.

هل يسقط التظاهر في طرابلس حكومة السراج؟

في تقديري إن طرابلس تعيش اليوم نفس اللحظات التي عاشتها بنغازي قبل مايو 2014م، محاولة اجبار الحكم على رؤية مطالب الشعب بالسلم فيرد الحكم بالرصاص فيضطر الشعب إلى استدعاء الجيش مجددا.

ماذا عما قام به السراج وباشاغا هل تراها مسرحية هزلية؟ 

ليس مسرحية؛ بالعكس هو شيء خطير؛ والمجموعات التي تحكم طرابلس بينها تناقضات شتى وتنافس على النفوذ والمال والصلاحيات، ومن العادة ان تتقاتل فيما بينها في جولات حروب صغيرة لكن الخصام الأخير كان حربا كبيرة ومرئية على مستوى العالم والمشاركين معروفين دوليا لكن ثمة ضابط يحكم اللعبة هو تركيا.

على ماذا اعتمدت في تحليلاتك للمشهد الليبي؟

اعتمد على قراءة ميزان القوة للمشهد، ميزان قوة كل طرف واحتساب مصالحه وخسائره دون تورط عاطفي مع طرف ضد آخر أثناء التحليل، وإن كنت طبعا في موقفي داعم للجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر باعتباره صاحب حملة إعادة تأسيس الدولة.