في لحظة تهوّر قبل نصف قرن بالتمام والكمال، ارتكبت إليس أورون خطيئة لا تغتفر - بحسب وصفها- حيث ألقت مولودتها التي لم تكمل أسبوعاً واحداً أمام أحد المجمّعات السكنية الكبرى القريبة من شارع الشانزليزيه وسط باريس، ظنت إليس وقتها أنها تحررت من مسؤولية طفلة جاءتها في سن مبكرة جداً (19 عاماً) بعد أن تخلى صديقها «والد الطفلة» عنها واختفى تاركاً إياها تواجه الحياة وحدها.

 لكن الواقع كان مغايراً تماماً لتخيلاتها، فقد طاردها شبح وليدتها التي لا تعرف شيئاً عنها منذ تخلّت عنها، نغص عليها ساعات النوم ولحظات اليقظة، وتحولت حياتها الممتدة لقرابة سبعة عقود إلى كابوس لا ينقطع، وندماً كالجمر لا ينطفئ.

تقول إليس أورون (67 عاماً)، وهي موظفة معاونة في دار رعاية الأطفال المتخلى عنهم بباريس: «في ليلة باردة من ليالي ديسمبر عام 1969، حملت طفلتي التي لم تكمل وقتها أسبوعاً فقط من عمرها، ووضعتها أمام مجمع سكني راقٍ وسط باريس، كنت واقعة تحت تأثير ظروف سيئة للغاية، فلا عائل لي ولا للطفلة التي تخلى والدها عنا وهرب من دون أن يترك خبراً. حملتها بعد أن تملّكني اليأس وقتل داخلي مشاعر الأمومة والرحمة والشفقة، وكنت ألفها بغطاء ثقيل لونه أحمر ووضعتها في مدخل المجمع السكني وعدت إلى منزلي.. وخلال مشوار العودة الذي يستغرق ساعةً ونصف تقريباً، حيث كنت أسكن في شرق باريس، كان عقلي يقنع مشاعر الأمومة داخلي بأن أسرة ثرية ستتكفل بها وسيكون وضعها أفضل».

بدموع عصيّة على السيطرة، تكمل إليس حكايتها: «لا أعرف كيف مر عليّ أسبوع حتى تنبّهت لخطيئتي، فاستيقظت من نومي على صوت بكاء الطفلة.. رأيتها في الحلم، نهضت من نومي مفزوعة، تملّكني الرعب، انتظرت الدقائق الطوال حتى الصباح وذهبت حيث تركتها، سألت المارة والسكان عن الطفلة لم يجبني أحد، خفت وقتها من الحساب أو العقاب القانوني، عدت إلى منزلي ليبدأ الجحيم».

وتضيف: «وقتها ارتكبت الخطأ بسهولة وفي لحظة، وأمضيت نصف قرن أكتوي بناره وأحاول التكفير عنه من دون جدوى، صوت صراخ طفلتي التي لم أختر لها اسماً حتى الآن لم ينقطع من أذني.. صورتها لم تفارق خيالي سواء نائمة أو مستيقظة». 

وقالت: «استمر الحال هكذا من دون نوم لشهور، إلى أن أصبت بانهيار عصبي وتم نقلي لمصحة نفسية، أمضيت فيها ثلاث سنوات خضعت خلالها للعلاج من الاكتئاب الهوسي، وعندما تعافيت توسّط لي الطبيب المعالج آنذاك للعمل كموظفة متعاونة في دار رعاية الأطفال المتخلى عنهم (المشردين)، حيث كان على علاقة بالمسؤولين فيها، وتعهّد كتابياً لهم بأن حالتي الصحية والنفسية تسمح لي بالعمل، وأمضيت منذ ذلك أول فبراير عام 1972 حتى اليوم أعمل «كموظفة ثم متعاونة بعد بلوغ الـ60 على خدمة الأطفال المتخلى عنهم -مثل طفلتي التي لا أعرف اسمها- في محاولة للتكفير عن خطيئة لا يكفّر عنها شيء مهما فعلت».