تعيش تركيا منذ أيام بعض الاضطرابات على خلفية اعتقال المرشح الرئاسي ورئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، على خلفية اتهامه بتهم خطيرة تتعلق بالفساد والإرهاب، الأمر الذي خلق حالة من التوتر الداخلي وردود الفعل الخارجية حول تأثيرات ما يحصل على الساحة التركية بسبب تصاعد الغضب على سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان وما يمكن أن تكون له تبعات على مستقبل المنطقة العربية بسبب التدخلات التركية في عدد من قضاياها.

واعتقل أوغلو وهو أحد أبرز وجوه المعارضة في تركيا، إلى جانب العشرات، يوم الأربعاء في إطار تحقيقات موسعة تتعلق بقضايا فساد ومساعدة جماعات إرهابية، مما أثار موجة من الاحتجاجات والمظاهرات في عدة مدن تركية، حيث اعتبره المعارضون خطوة ذات دوافع سياسية تهدف إلى إقصاء إمام أوغلو من المشهد السياسي.

غضب داخلي وإدانات خارجية

اعتقال أكرم إمام أوغلو وعددا من مناصريه، خلف غضبا داخليا متسارعا، وقد شهدت العديد من المدن التركية احتجاجات كبيرة رغم الحظر الذي يفرضه نظام أردوغان على التظاهرات والتجمعات في إسطنبول، حيث تجمع آلاف متظاهرين من طلبة ونشطاء، أمام بلدية مدينة إسطنبول وجامعة المدينة وفي العاصمة أنقرة، تنديدا بعملية الاعتقال ومطالبة باستقالة الرئيس رجب طيب أردوغان، وسط حضور مكثف للشرطة التي اعتقلت عددا منهم.

واعتبر المحتجون أن اعتقال أوغلو له غايات سياسية بهدف إقصائه من المشهد باعتباره مرشحا محتملا للانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل خاصة أن شعبيته تزداد وسط الفئات الشبابية وفي المدن الرئيسية. كما ندد المتظاهرون بتضييق الحريات السياسية وتقويض الديمقراطية في تركيا.

ويتوقع المتابعون والمهتمون بالشأن التركي أن تتواصل الاحتجاجات إذا تواصلت سياسة أردوغان في التضييق على المعارضين، حيث تدعو بعض الأحزاب على رأسها الحزب الجمهوري المعروف لحدية معارضته إلى الضغط بالاحتجاجات الشعبية عبر الخروج إلى الشوارع.

كما أدانت العديد من الدول والمنظمات الدولية اعتقال إمام أوغلو، ودعت إلى احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون في تركيا، حيث أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن قلقها الشديد إزاء اعتقال إمام أوغلو، وأكدت على أهمية احترام سيادة القانون والحريات الأساسية. وهو نفس الموقف الذي عبرت عنه الولايات المتحدة داعية تركيا إلى احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وطالبت بوجود ضمانات لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

من جانبها أدانت منظمات حقوق الإنسان الدولية، مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، اعتقال إمام أوغلو، واعتبرت ما قامت به السطات التركية خطوة تهدف إلى قمع المعارضة والتضييق على الحريات السياسية، داعية إلى الإفراج الفوري عن إمام أوغلو، واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.

المنطقة العربية في قلب الأزمة التركية

ولأن أردوغان أراد منذ وصوله إلى الحكم أن يوجه نظره نحو المنطقة العربية وبالفعل نجح في استمالة عدة أطراف منها حتى من الذين انقلب عليهم في مراحل لاحقة، فيمكن أن تؤثر التطورات الأخيرة في بلاده على العرب، في عدة مستويات، بالنظر إلى الدور الذي تلعبه أنقرة في أكثر من موقع والذي يصفه البعض بالهيمنة وتحديد الخيارات. وهي تدعم بعض القوى السياسية القريبة من أفكار الرئيس رجب طيب أردوغان بل إنها مساهمة بشكل كبير في تشكيل المجموعات العسكرية عقب التحولات التي شهدتها المنطقة منذ العام 2011، ويظهر ذلك جليا خاصة في ليبيا أين يتمركز مرتزقة تابعين لها منذ سنوات إلى اليوم في غربها، وفي سوريا أين عملت على تسليح معارضتها وتبنيها لأكثر من عشر سنوات إلى أن نجحت من خلالها في إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.

النفوذ التركي عربيا يخلف في الكثير من الأحيان قلقا من بعض الدول الكبرى عربيا المنزعجة من الدعم الذي تقدمه أنقرة لأحزاب الإسلام السياسي، وهو قلق تعبر عنه بشكل واضح دول الخليج ومصر التي ترى في تلك الأحزاب والتنظيمات خطرا على أمنها القومي.

اقتصاديا ستكون لأي تطورات في غير صالح أردوغان تأثيرات على العرب إيجابا وسلبا، فالاتفاقيات والاستثمارات المتبادلة تعتبر كبيرة ولن يرضى أي من الأطراف أن يتم المساس بها، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري المشترك عشرات المليارات من الدولارات سنويًا، وهو يتزايد بشكل مطرد، وتستثمر الكثير من الشركات التركية في العديد من القطاعات في الدول العربية، مثل قطاعات البناء والتشييد والطاقة والسياحة والزراعة، والاستثمار العربي في تركيا مشابه أيضا بالإضافة إلى التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية.

ولأن النفوذ التركي في المنطقة العربية يثير جدلاً واسعًا، ويعكس التنافس الإقليمي على المصالح، فإن أعين تلك الدول على التطورات الحاصلة بعد اعتقال أكرم إمام أوغلو، شاخصة ومتابعة بشكل دقيق، لأنها معنية بما يحصل حتى في إطار كسب النقاط السياسية على حساب أردوغان الذي يسعى إلى فرض خيارات حتى خارج إطار الحسابات العربية، وأي ضغط على أردوغان داخليا قد يجعله يأخذ مسافة عن حلفائه في الإقليم ما يعني آليا إضعافهم وإجبارهم على العودة إلى الساحة العربية.