على وقع المعارك المحتدمة على نخوم العاصمة الليبية طرابلس بين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج،تواصل تركيا الظهور على سطح الأحد بحثا عن موقع لها فى ليبيا من خلال خطوة تعكس محاكاة الاستراتيجية التركية فى سوريا بدعم مجموعات محددة فى صراع محلى بغية جنى ثمارها على الصعيدين الدولى والإقليمى.

إلى ذلك،قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن ليبيا باتت تشكل مسرحا لـ"سيناريوهات مظلمة تستهدف أمن المنطقة". وقال أردوغان خلال الاجتماع التشاوري والتقييمي الـ28 لحزبه "العدالة والتنمية"، في العاصمة أنقرة إنه يوجد في ليبيا حكومة تتلقى شرعيتها من الشعب، ودكتاتور يتلقى الدعم من أوروبا وبعض الدول العربية، في إشارة إلى القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر.

وأكد أردوغان أن تركيا ستقف بقوة إلى جانب الليبيين، كما فعلت في السابق، و"ستستنفر كل إمكاناتها لإفشال مساعي تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة".ولم يوضح أردوغان طبيعة هذه الإمكانيات التي يتحدث عنها إلا أن مراقبين إعتبروها إشارة صريحة منه بنيته توفير الدعم اللوجستي والمخابراتي بل وحتى العسكري لحكومة الوفاق ومجموعاتها المسلحة.

وكانت قوات الجيش الوطني الليبي قد تمكنت يوم الجمعة من القاء القبض على مقاتلين تركيَين اثنين يقاتلان في صفوف الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق في معارك طرابلس ضد الجيش الليبي.ونشرت "بوابة إفريقيا الإخبارية" جوازات سفر كانت بحوزتهم أثناء إلقاء القبض عليهم.

وتأتي تصريحات أردوغان في سياق الخطاب التركي المنحاز ضد الجيش الليبي والمصطف إلى جنب الجماعات الإسلامية في ليبيا، وهو خطاب يفضح حقيقة الدور التركي في البلاد المأزومة بانقسام حاد، وهو خطاب بحجم الرهان على هذه الجماعات التي تضمن عدم استقرار وتؤبد حالة الفوضى والدّمار والخراب الذي تستثمر فيه تركيا لربح مشاريع إعادة الإعمار وبيع السلاح وجلب الاستثمارات إلى أسواقها المحلية.

وليس غريبا على نظام أردوغان محاولاته التدخل لمنع تحرير العاصمة الليبية التي تمثل الملاذ الأخير للمليشيات الموالية لتركيا.حيث تسعى انقرة إلى تكريس حالة الفوضى، وإنتاج المزيد من عدم الاستقرار في المشهد الليبي وذلك من خلال دعم الجماعات الموالية لها بهدف مد أذرعها والسيطرة على البلاد خدمة لمصالحها وأطماعها في هذا البلد الغني.

ومنذ العام 2011،انخرطت تركيا في الأزمة الليبية وبحثت عن موطئ قدم لها أملا في أن يوفر لها هذا البلد الغني مصدر تمويل لاقتصادها المهتز في ظل العقوبات الدولية.ومثلت المليشيات المسلحة اليد الطولى التي سعت من خلالها تركيا لنهب الثروات الليبية ولذلك كانت تدعمها بالسلاح لفرض نفوذها.

أول دلائل الدعم التركي، ظهر في يناير 2013، عندما أوردت صحيفة "حرية" التركية أن السلطات اليونانية عثرت على أسلحةً تركية على متن سفينةٍ متجهة إلى ليبيا بعد توقفها في اليونان بسبب سوء الأحوال الجوية.  وفي ديسمبر من ذات العام، ذكرت الصحافة المصرية أيضًا أن إدارة الجمارك المصرية اعترضت أربع حاوياتٍ من الأسلحة قادمة من تركيا ويُعتقد أنها كانت موجهة للمليشيات الليبية.

وفي العام التالي، وتحديدا في أغسطس 2014، دمرت قوات الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر سفينة متجهة إلى ميناء درنة محملة بأسلحة قادمة من تركيا.  وبعد ثلاثة أشهرٍ، في نوفمبر 2014، ذكرت وسائل الإعلام التركية أن السلطات اليونانية عثرت على 20 ألف قطعة كلاشينكوف، على متن سفينة متجهة من أوكرانيا إلى ليبيا.  وقال الربان التركي إن السفينة كانت متجهة إلى ميناء هطاي جنوبي تركيا، ولكن السلطات الليبية قالت إن بيانات حركة المرور البحرية أشارت إلى أنها كانت متجهة إلى ليبيا.

وفي ديسمبر 2014، قال تقريرٍ أعدته الصحافة اللبنانية، إن السلطات الليبية اعترضت باخرةً كورية كانت في طريقها إلى مدينة مصراتة الساحلية المحاصرة، وذكر التقرير أنها كانت منطلقةً من تركيا. وكانت السفينة محملةً بحاويات الأسلحة والذخائر التي يُقال إنها كانت موجهةً للمليشيات الإسلامية.

وفي 10 يناير 2018، أعلنت اليونان عن ضبطها لسفينة تركية محملة بالسلاح والتي كانت في طريقها إلى ليبيا. وأشارت البحرية اليونانية إلى أن السفينة التي كانت ترفع العلم التنزاني تم ضبطها واقتيدت إلى ميناء "هيراكليون" في جزيرة كريت. وأعلنت البحرية اليونانية أن السفينة كانت على متنها 29 حاوية بها مواد النيترات والأمونيوم وأجهزة تفجير غير كهربائية و11 خزانا فارغا لغاز البترول، بالإضافة إلى قنبلة موقوتة.

وتتالت عقب ذلك عمليات ضبط سفن السلاح الموجهة من تركيا الى ليبيا،وخلال الأشهر الماضية تسارعت وتيرة الدعم التركي للمليشيات،حيث أحبطت السلطات الليبية في أقل من شهرين ثلاث شحنات أسلحة ومعدات عسكرية تركية،كان أولها في ديسمبر/كانون الأول الماضي حين ضبطت شحنة أسلحة وذخائر تتكون من 3000 مسدس تركي الصنع من طراز بيريتا 9 ملم، و2.3 مليون طلقة ذخيرة في حاويتين تم شحنهما على متن سفينة من تركيا. وأشارت الوثائق الرسمية المصاحبة للحاويتين إلى أنهما يشتملان على مواد بناء ودهانات للأرضيات.

وفي 7 يناير الماضي،عثر موظفو الجمارك في ميناء مصراتة الليبي، والذي يقع على بعد 208 كم عن طرابلس شرقًا، على أكثر من 20000 مسدس تركي عيار 8 ملم، مخبأة بداخل حاوية قادمة من تركيا، رغم تدوين بيانات سجلاتها الرسمية بأنها تشتمل على ألعاب أطفال وسلع منزلية.

ومطلع فبراير الماضي، ضبط سلطات الجمارك الليبية،مدرعات قتالية وسيارات رباعية الدفع قادمة من تركيا، إلى جماعة مسلحة مجهولة،في ميناء الخُمس البحري غرب البلاد.وقالت الجمارك الليبية إن الشحنة تتكون من 9 سيارات هجومية مصفحة من نوع " تيوتا سيراليون " مع مدرعات قتالية تركية الصنع، وصلت الثلاثاء إلى ميناء الخمس، قادمة من أحد الموانئ التركية بدون أي مستندات أو جهة تسليم شرعية فى ليبيا كوزارة الدفاع أو الداخلية، وهو ما يعني أنها كانت موجهة إلى إحدى الميليشيات المسلحة.

وأثارت هذه الشحنات المتتالية ضجة وتنديدا واسعا في ليبيا وخارجها، رافقتها مطالب بإدانة تركيا أمميا بتهمة خرقها لقرار مجلس الأمن القاضي بحظر بيع ونقل الأسلحة إلى ليبيا، وفتح تحقيق لمعرفة دورها في تأجيج الفوضى وتعطيل التسوية السياسية في بلد يعاني منذ سنوات من انتشار السلاح الذي يعمق الصراع.

علاوة على ذلك فقد أعتبرت تركيا بمثابة ملجأ لجهاديي ليبيا الذين إرتبطوا معها بعلاقات كبيرة،وخاصة  قيادات الجماعة الليبية المقاتلة، كعبد الحكيم بلحاج وخالد الشريف، اللذين يملكان استثمارات مالية وعقارية كبيرة في تركيا، تقول تقارير ورسائل سربها موقع ويكيليكس إنهما قد نهباها من أموال مؤسسات الدولة الليبية في أعقاب سيطرتهما على العاصمة طرابلس.

ويوما بعد يوم يتكشف الدور التركي المشبوه في ليبيا،والذي يمثل خطرا كبيرا يتهدد ليبيا والمنطقة ككل وهو ما أكدته مجلة "ناشونال إنترست"،في يناير الماضي،حيث أكدت أن تركيا تلعب دورًا مزعزعًا للاستقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا، مستغلة ليبيا، كبوابة لها، تتمكن خلالها من النفاذ إلى دول الجوار، بعدما أمدت الجماعات المتطرفة داخلها بالسلاح والمال.

وقالت المجلة أنه في ظل إدارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان لمدة خمسة عشر عامًا، أصبحت أنقرة دولة بوليسية. وأكدت أن أردوغان هو من أراد أن تدفق الأسلحة إلى ليبيا، لكن لا يمكن تحديد إلى أي جهة.وذكرت "ناشونال إنترست"، أن قطر ممول مالي للإخوان المسلمين وجماعاتها المتشددة الأكثر انتشارًا في العالم، بينما تركيا هي الداعم بالسلاح.

وأوضحت أن تركيا لا تهدف لزعزعة استقرار ليبيا وحسب، ولكن أردوغان يلجأ إلى تعزيز أدوار الجماعات المتطرفة في ليبيا، لتقويض استقرار مصر، وعودة الإخوان إلى السلطة، وذلك بسبب توجهات أدروغان السياسية تجاه مصر.واستطردت المجل، في تقريرها، أن الجزائر أيضا تشعر بالقلق من تحركات أردوغان الأخيرة، كونها مقتنعة بأن بعض الأسلحة التي سعت أنقرة إلى تهريبها للداخل الليبي كانت موجهة في الأساس إلى مجموعات إرهابية تهدد أمن الجزائر.

ويرى مراقبون أن تركيا تسعى لدعم المليشيات المسلحة لضمان مصالحها،ومثل تقدم الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة الليبية طرابلس تهديدا كبيرا لهذه المصالح التركية وهو ما دفعها للتحرك لمنع تحرير المدينة التي اشتهرت خلال السنوات السبع الماضية، بأنها الحاضنة الأولى للميليشيات المسلحة الموالية لتركيا وقطر، والتي تعيث في ليبيا فسادًا.

وفي يناير الماضي تعهد العميد أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشيير خليفة حفتر، بأنّ القوات المسلحة لبلاده ستسحق أتباع تركيا داعمي الإرهاب في ليبيا.وقال المسماري: "تركيا تدعم الجماعات الإرهابية في ليبيا، والجيش سيسحق أتباعهم  في الجنوب وكل المدن الليبية".

وبعد سنوات من الفوضى التي سفكت فيها دماء الكثير من أبناء ليبيا، مازال حلم إقامة دولة مستقرة يراود الليبيين أملا في إنهاء معاناة طال أمدها. لكن هذا الحلم يصطدم بواقع استمرار الإرهاب، وانتشار السلاح، والفوضى الأمنية، التي تغذيها أطراف خارجية بهدف إبقاء البلاد في مربع العنف لتزيد من تدعيم مصالحها ونهب ثروات البلاد عبر الدوس على آلام الليبيين وزيادة معاناتهم.