منذ اندلاع الأزمة في العام 2011،وفي ظل الفوضى الأمنية الكبيرة والانقسامات الحادة بين الفرقاء تأثرت جل القطاعات الحيوية في البلاد وعلى رأسها قطاع التعليم الذي يأتي في طليعة القطاعات المتأثرة بشكل كبير بالأوضاع المتردية في البلاد، حيث تعمقت أزماته تدريجياً، بسبب ما لحق بالبنية التحتية من أضرار بالغة، وإرجاء الدراسة أكثر من مرة بسبب غياب الأمن والاضرابات المتكررة،الأمر الذي وصفه البعض بالمعظلة الكبرى التي من شأنها أن تؤثر على الأجيال المقبلة.

الى ذلك،بتواصل الشلل في المدارس الليبية، للأسبوع الثاني على التوالي، مع استمرار اعتصام المعلمين منذ 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.ويأتي هذا على خلفية مطالبة المعلمين بزيادة رواتبهم، حيث يشكون تدهور أوضاعهم المعيشية، وينظمون اعتصامات في بنغازي، ثاني أكبر مدن ليبيا، والعاصمة طرابلس.

ويؤكد المعلمون على سوء أوضاعهم الاجتماعية بسبب ما يعانيه قطاع التعليم من تهميش.ونقلت وكالة "رويترز" عن معلم الكيمياء رمضان محمد (47 عاما) وهو أب لستة أطفال قوله إنه أضطر للعمل كسائق سيارة أُجرة لتوفير احتياجات أُسرته.وأضاف "كان حلم عمري أن أكون مدرس ولكن للأسف خُذلت عندما مارست هذه المهنة بسبب تهميشها في بلادي. كان من المفترض أن يكون راتب المعلم أكثر من وزير التعليم نفسه".

وتابع رمضان "أنا الآن أعمل سائق تاكسي. هل تعلم أن فيه أوقات أتغيب عن حصص عندما يكون لدي الالتزامات المالية؟ لو كان راتبي ممتازا ويغطي احتياجاتي واحتياجات منزلي لن أعمل عمل آخر، بل سأكرس وقتي كله للطلبة والتعليم. هذا الوضع يمر به الكثير من المدرسين على مستوى ليبيا وليس بنغازي فقط".

واحتج عشرات المعلمين، الأحد الماضي، أمام مقر الحكومة مطالبين بزيادة رواتبهم وإقالة وزير التعليم في حكومة الوفاق "عثمان عبد الجليل"،الذي هدد مراقبي التعليم بالبلديات ومدراء المدارس المضربين بالإيقاف عن العمل إذا لم تفتح المدارس والمؤسسات التعليمية في ليبيا الأحد المقبل.وأضاف عبد الجليل "المعلمون المعتصمون الذين يغلقون المدارس يرتكبون جريمة وفق المادة 238 من قانون العقوبات العام الليبي"، متوعدا المضربين بالإحالة على النائب العام للتحقيق.

وقوبل تهديد وزير التعليم في حكومة الوفاق بتنديد واسع،حيث توعدت النقابة العامة للمعلمين في بيان لها، باتخاذ كل التدابير اللازمة لكل "من تسول له نفسه المساس بحقوق المعلمين والعاملين بقطاع التربية والتعليم وحريتهم ومحاولة ترهيبهم أوتهديدهم".واعتبرت، نقابة المعلمين، أن أي اجراء يتم اتخاذه من الجهات المعنية يحمل" نبرة التهديد والوعيد "يخالف نص القانون المذكور والدستور الليبي والدولي، مشددة أنها ستعتبر ذلك تجاوزاً وتعدياً على الحريات الممنوحة للعمال وفق القوانين الموضوعة.

وأضافت النقابة، أنها ستحمل المسؤولية الكاملة لكل من يقف وراء التصعيد، مشيرة أنه سيترتب عن ذلك الرد عليه فوراً وايقاف الجهة الصادر عنها واحالتها الي النائب العام للتحقيق وفق القانون.

ومن جهته،استنكر وزير التعليم بالحكومة المؤقتة، الدكتور فوزي عبدالرحيم بومريز،في بيان، نشرته وزارة التعليم على صفحتها الرسمية بموقع التواصل "فيسبوك" الخميس، بيان وزير تعليم حكومة الوفاق، معربًا عن رفضه له، موضحًا أنه لا يجب أن يتم التعامل مع أرقى شريحة في المجتمع بهذا الأسلوب الفظ الذي لايليق بالمعلم ويتناسي حجم مكانته وعظيم فضله كما نرفضه مضمونا فلا يجي أن يخاطب المعلمون والتربويون بأسلوب يخلو من قيم التربية التي غرسوها في نفوسنا أو أن يهددوا بالقانون الذي علموه لنا.

ووجه الوزير رسالة إلى المعلمين ، قائلا نشعر بالأسي والحزن حين تخاطبون بهذه الطريقة التي لا تقدر نبل رسالتكم وأنها لتختلج في تفوسنا بقوة مشاعر التضامن معكم ومع قضيتكم في ذات الوقت الذي تشتعل بداخلنا مشاعر البحث عن مخرج وحل يستجيب لمطالبكم في ظرف تسرق فيه أموال الليبين من جماعات مارقة في عاصمتنا طرابلس،بحسب البيان.

وفي سياق متصل،طالب عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور ضو المنصوري بإحالة وزير التعليم بحكومة الوفاق عثمان عبدالجليل إلى النائب العام وذلك على خلفية تهديده للمعلمين.وقال المنصوري في منشور له عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك"،إن"قرار وزير التعليم المفوض يعد خرقا للمادة 7 من الإعلان الدستوري التي تكفل حقوق الإنسان وحرياته الأساسية كما أنه مخالف لجميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي انضمت إليها ليبيا ومنها الحق في التعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق. 

ولفت المنصوري إلى أن النص القانوني الذي أشار إليه وزير التعليم الذي جاء فيه :"إمهال المعلمين المعتصمين بإقفال المدارس في عدد من المناطق حتى يوم الأحد وإلا سيحيل أسمائهم لمكتب النائب العام بتهمة إرتكاب جريمة لا محل لتطبيقه لأن العديد من المدارس مقفلة بسبب الحرب الدائرة في محيطها إلى جانب عدم قدرة المعلمين والمعلمات الوصول إلى مدارسهم فما بالك الطلاب،على حد تعبيره.

ودخل حكماء وأعيان ومختاري محلات بلدية سبها،على خط الأزمة حيث طالبوا،بتسوية أوضاع المعلمين والعاملين بقطاع التعليم ورفع مرتباتهم تنفيذا للقرار رقم 4/ 2018 الصادر عن البرلمان.وقال المجتمعون في بيان لهم الخميس، "إن ما تمر به منطقة الجنوب بوجه خاص وكافة أنحاء الوطن بوجه عام من أزمات مفتعلة ومتكررة طالت كل الشرائح" ومن بينها شريحة المعلمين الذين يعتبرون أكثر من اكتوى بنار هذه الأزمات التي طالت معيشة أبنائهم وهذا لا يحدث إلا في المجتمعات والحكومات التي تتجاهل رسالة المعلم في بناء الأجيال.

وأوضح البيان أن هذا الوضع أجبر "المعلمين على الاعتصام والامتناع عن استقبال التلاميذ والطلبة لهذا العام" مطالبين بالمساواة مع الشرائح التي تحصل على مزايا "تفوق مرتبات المعلمين بأضعاف مضاعفة".وأكد المجتمعون على ضرورة الإسراع بتسوية أوضاع المعلمين والعاملين بالقطاع من رفع مرتباتهم تنفيذا للقرار رقم 4/ 2018 وتفعيل برنامج التأمين الطبي للمعلمين والعاملين بالقطاع والإسراع في تسوية أوضاع العقود وكذلك تسوية أوضاع المعلمين والعاملين بالقطاع من حيث الترقيات.

وكان القائد العام للقوات المُسلحة المُشير خليفة حفتر،اكد الخميس،خلال لقائه مع وزيري التعليم والإقتصاد بالحكومة المؤقتة فوزي بومريز ومنير عصر،على ضرورة الإهتمام بالقطاعين وضرورة تكثيف الجهود خصوصاً في قطاع التعليم الذي يُعدّ عماد الدولة، داعياً إلى الحرص على كافة الشرائح التابعة له سواءاً مُعلمين أو طلبة.بحسب المكتب الإعلامي للقيادة العامة للجيش.

وتثير الأزمات المتتالية والاصلاحات المتواضعة مخاوف كبيرة من تأثيرها على الطلاب الذين يمثلون مستقبل البلاد.ويرى متابعون للشأن الليبي أن قطاع التعليم ضحية أخرى من ضحايا الصراعات السياسية في ليبيا ويشير هؤلاء الى أن الحكومات المتعاقبة انكبت على تصفية حساباتها السياسية دون الالتفات الى مشاغل المواطن وتحسين متطلباته الحياتية وتوفير خدمات مناسبة. 

ولا تزال ليبيا تعاني من الانقسام السياسي والمؤسساتي بين حكومتين وبرلمانين وعمليات صراع واحتراب أهلي مستمر، أنهك الشعب والدولة في ليبيا، وجعلها عرضة للتدخلات الخارجية، بل المراهنة على أن تدفع سوء الأوضاع المعيشية وغياب الأمن قطاعات من الشعب الليبي إلى الترحيب بالتدخل الدولي لإنهاء مآسيها.

واختلت منظومة التعليم في ليبيا، وشهدت هزات عنيفة طيلة السنوات الماضية، حيث غرقت في الفوضى الناجمة عن الانتشار الواسع للسلاح، وبروز الأجسام والجماعات والميليشيات المسلحة. ويرى مراقبون أن أزمة قطاع التعليم في ليبيا كغيرها من الأزمات تبقى رهينة تحقيق تسوية سياسية شاملة في البلاد، حيث تتوحد مؤسسات الدولة وتكون قادرة على إنهاء الفوضى وتحقيق الاستقرار.