ظهرت على السطح في ليبيا خلال السنوات الماضية مشكلة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وبالأخص إلى السواحل الإيطالية. وإستغلت عصابات التهريب الأوضاع الأمنية المتردية في المنطقة لتحويل ليبيا إلى بوابة لمرور آلاف المهاجرين معظمهم من دول الشمال الأفريقي فضلا عن الدول الأفريقية الأخرى لاسيما من الصومال وإريتريا وتشاد وإثيوبيا.

ورغم أن السلطات الرسمية الليبية، لم تنفي وجود عصابات تهريب على أراضيها ولم تحاول أن تقلل من خطورتها، في وقت تواصل فيه معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية واستغلال أراضيها لهذا الغرض،فإنها تؤكد على أن ليبيا تدفع ثمن التردي الأمني في المنطقة عموما.


** تقصير دول الجوار

وفي وقت سابق، حمّل رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية العقيد محمد بشر، مسؤولية ما يعانيه المهاجرون الأفارقة لدول الجوار، لافتا الى أن ليبيا متعاونة ، وأثر جهدها ملموس في الحد من ظاهرة الهجرة غير القانونية ، وأنها تتعامل بإنسانية مع المهاجرين من أجل تأمين عودتهم لأوطانهم أو ترحيلهم لدول مستقبلة. 

وأضاف خلال حديثه لبرنامج "خلاصة" الذي بثته قناة ليبيا،الجمعة الماضي، أن دول الجوار غير مهتمة بملف الهجرة ، ولا تؤمن حدودها بالشكل المطلوب ، وبالتالي يتدفق المهاجرون من خلال الحدود البرية الجنوبية الى السواحل الليبية في طرابلس وتاجوراء والخمس وزليتن باتجاه أوروبا ، ونقوم نحن بإفشال مساعيهم خوفا من تعرضهم لحوادث الغرق. 

وشدد بشر على عدم تحميل مسؤولية المهاجرين للدول الأوروبية فقط ، و انما بلادهم مسؤولة عن ذلك ، موضحا أن أعداد المهاجرين من تونس والجزائر ضعيفة جدا ، لكن دول السودان ومالي وتشاد لديهم تقصير واضح ، ونناشد دول الإتحاد الأوروبي دعم المؤسسات الليبية التي تبذل جهودا واضحة في سبيل تخفيف حدة الظاهرة غير الشرعية.

وبخصوص أسباب تدفق المهاجرين الأفارقة على بلاده، قال بشر إن "الوضع الأمني في دول الجوار هو الذي جعل نسبة المهاجرين من غير الليبيين تصل للثلثين تقريباً"، مستدركاً بأن "نسبة الليبيين منهم لا تصل إلى نصف في المائة".وتعليقا على ما تم ترويجه من بعض الدول أن عدم الاستقرار في ليبيا يسهل الهجرة غير الشرعية ، أكد العقيد بشر أن هذا وهم ، حيث أن المسؤولين عن تهجير هؤلاء يغررون بالبسطاء والمساكين ، وبالتالي يتحمل مسؤوليتهم المهربون ، فليبيا عبارة عن ممر.

ولا تزال حدود ليبيا غير مضبوطة إلى حد كبير، كما يشكّل تأمين الأطراف أحد أكبر التحدّيات التي تواجهها البلاد،ويتيح ضعف مراقبة الحدود لأسواق السلاح والبشر والمخدرات أن تزدهر، إلى جانب عمليات الاتجار غير المشروع اليومية بالوقود والبضائع، مع مايترتّب على ذلك من عواقب وخيمة على البلاد

وفي هذا السياق،قال رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بالمنطقة الشرقية العميد إدريس الكاتب، إن ظاهرة الهجرة تهدد الأمن القومي وذلك من خلال تهريب المتطرفين والمهاجرين غير القانونيين الذين يعانون من أمراض خطيرة.

وأضاف رئيس الجهاز في تصريح لقناة ليبيا أن العمل الحقيقي للجهاز لابد أن يتم في الصحراء حيث مصادر التهريب، مؤكداً على أهمية دور جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في مكافحة هذه الظاهرة.

وزادت أزمة المهاجرين غير الشرعيين من وطأة العبئ على ليبيا،وسبق أن أشار المسؤولين الليبيين،في اكثر من مناسبة، الى أن بلادهم معرضة لتهديد كبير.وهو ما دفع حكومة الوفاق الوطني الليبية،في وقت سابق،إلى دعوة المنظمات الدولية الى تقاسم الأعباء الصحية للمهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون الى أراضيها لعبور البحر المتوسط.


** ترحيل

وفي غضون ذلك، تتواصل الجهود لإعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصية،وقال مصدر مسؤول بجهاز الهجرة لصحيفة "الشرق الأوسط"، إن "أعداد المهاجرين الراغبين في العودة الطوعية إلى بلدانهم تتزايد"، مشيراً إلى أن "جهاز الهجرة يودع من وقت للآخر مجموعة من المهاجرين إلى أوطانهم".

وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه لأنه غير مخول له الحديث مع الإعلام، أن "بعض مراكز الإيواء تحتاج دعماً سريعاً كي توفي بالتزاماتها تجاه آلاف المهاجرين المحتجزين لديها"، مشيراً إلى أن "بعثات دبلوماسية من دول أفريقية تتردد على مراكز الإيواء المختلفة للاطمئنان على رعاياهم وترحيلهم".

والخميس الماضي،غادر 63 مهاجراً نيجيريا الأراضي الليبية طوعاً،بالإضافة إلى61 من مركز إيواء براك الشاطئ، عبر مطار تمنهت الدولي إلى مطار مدينة لاغوس بنيجيريا. كما زار وفد سوداني رفيع المستوى من وزارة شؤون المغتربين السودانيين، برئاسة الدكتور عبد الرحمن سيد أحمد، جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، فرع تاجوراء، الأربعاء الماضي. وقال الجهاز إن اللقاء الذي حضره وفد من المنظمة الدولية للهجرة، تفقد أوضاع المهاجرين غير الشرعيين السودانيين.

وتحاول ليبيا منذ أشهر ترحيل المهاجرين الى بدانهم لتخفيف العبئ الذي تعانيه، وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،في 21 أكتوبر 2018، أن أكثر من 13 ألف مهاجر غير شرعي تم ترحيلهم من ليبيا إلى بلادهم خلال عشرة أشهر. وأفادت تغريدة نشرتها البعثة الأممية عبر حسابها الرسمي على (تويتر)، أنه "منذ بداية العام الجاري وحتى تاريخ الـ 11 من أكتوبر، ساعدت المنظمة الدولية للهجرة ما مجموعه 13. 393 مهاجرا للعودة بأمان الى 32 بلدا.

وأكدت المنظمة أنها نجحت في "إعادة هذا الكم الهائل من المهاجرين غير الشرعيين" منذ بداية العام الحالي، بالتعاون مع السلطات الليبية وبلدانهم الأصلية. وتقول المنظمة الدولية للهجرة انها ساعدت قرابة 20 ألف مهاجر غير شرعي على العودة من ليبيا إلى بلدانهم الأصلية العام الماضي.


** تواصل الأزمة

ورغم الجهود المبذولة للحد من تدفق المهاجرين عبر ليبيا،فإن رحلات الموت مازالت متواصلة،حيث أعلن المتحدث باسم خفر السواحل الليبي أيوب قاسم، عن أن قواته انتشلت 315 مهاجرًا من البحر المتوسط ، الأربعاء الماضي، أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا على متن ثلاثة قوارب مطاطية.

ونقلت وكالة "رويترز"،عن قاسم قوله إن "دورية أنقذت 116 مهاجرًا غير شرعي كانوا على متن قارب مطاطي على بعد نحو 80 كيلومترًا قبالة مدينة الزاوية، بينما جرى انتشال 199 مهاجرًا آخرين كانوا على متن قاربين مطاطيين قبالة مدينة الخمس".ونُقل المهاجرون، وهم 275 رجلًا و32 امرأة و8 أطفال، من دول عربية ومن أفريقيا جنوبي الصحراء، إلى مراكز احتجاز.

وعرقل ضغط إيطاليا عمل شبكات التهريب داخل ليبيا منذ العام الماضي، كما صعد خفر السواحل الليبي المدعوم من الاتحاد الأوروبي، عمليات اعتراض قوارب المهاجرين.وفي أكتوبر الماضي، استلمت قوات البحرية التابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني،أول الزوارق المقدمة من إيطاليا، ويستخدم الزورق لدوريات المراقبة والاستطلاع وإنفاذ القانون في البحر، ومراقبة الصيد البحري والبيئة البحرية، ومكافحة الأنشطة غير المرخص لها وغير الشرعية.

وكانت الحكومة الإيطالية قررت تقديم 12 زورقًا سريعًا إلى خفر السواحل الليبي لمساعدتهم للتصدي لمحاولات الهجرة إلى إيطاليا عبر ليبيا، كما ستهتم الحكومة الإيطالية بصيانة هذه القوارب خلال العام الأول لتسليمها وتدريب القوات الليبية على إدارتها بتكلفة إجمالية 2. 5 مليون يورو.

واقتصرت جهود الدول الأوروبية، منذ بداية الأزمة على محاولة إبعاد المهاجرين عن أراضيها،وفي حزيران/يوني الماضي،وقرر القادة الأوروبيون دراسة إقامة مراكز استقبال للمهاجرين الذين يتم انقاذهم في البحر المتوسط خارج الأراضي الأوروبية بهدف ضبط تدفق الهجرة باتجاه دول الاتحاد الأوروبي

ولكن منذ البداية،عارضت بلدان شمال إفريقيا التي كان يفترض أن تستقبل هذه المراكز الفكرة.وأكد وزير الخارجية الليبي محمد طه سيالة في حديث نشرته صحيفة "داي برس" النمساوية،في أكتوبر الماضي، أن ليبيا وجاراتها في شمال إفريقيا ترفض المشروع الأوروبي لإقامة مراكز استقبال للمهاجرين على أراضيها لمنع وصولهم مباشرة إلى الاتحاد الأوروبي.

وقال سيالة إن مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا اليوم تضم نحو 30 ألف مهاجر غير قانوني في حين يوجد "نحو 750 ألفا" آخرين موزعين على الأراضي الليبية.وقال إن ليبيا تتعاون مع الاتحاد الأوروبي لإعادة هؤلاء المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، "للأسف بعض البلدان ترفض استعادتهم"، مشيرا بشكل خاص إلى بلدان غرب إفريقيا.

وتعتبر ليبيا بوابة لآلاف المهاجرين غير الشرعيين القادمين من مختلف مناطق القارة الأفريقية، حيث أسهمت الظروف غير المستقرة في توافد الآلاف منهم إلى السواحل الشمالية للبلاد، مما جعل الكثير منهم يسقطون في يد شبكات التهريب والاتجار بالبشر والتنظيمات الإرهابية، فيما لقي آخرون حتفهم في عرض البحر.