ساهم الوضع الأمني المتردّي في ليبيا منذ 2011 في تنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية حيث تصدّرت ليبيا كل الإحصائيات الدولية في تصدير المهاجرين للضفة الأخرى من المتوسط وقد أثارت الظاهرة جدلا قويا داخل البيت الأوروبي، غير أن هذا الجدل لم يتمخض عن أي حلول حقيقية بالرغم من الاجتماعات العديدة بشكل رسمي وغير رسمي.
تفاعل غربي
في جنيف افتتح المفوض السامي للأمم المتحدة فيليبو غراندي أعمال الدورة التنفيذية لبرنامج شؤون اللاجئين بوصف الوضع في ليبيا بأنه مسرح للصراع، محذرا من الخطر الذي يهدد المهاجرين أثناء إعادتهم إلى ليبيا ومراكز الاحتجاز بها، غراندي طالب بشكل حثيث دول الاتحاد ببذل جهد جماعي أكبر لإعادة الاستقرار في ليبيا نظرا لانعكاسه بشكل إيجابي على أزمة الهجرة.
أما المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين فقد عبرت عن رفض المفوضية أي نشاطات تشجع تهريب البشر، مناشدة دول الاتحاد بتدريب خفر السواحل في ليبيا وليس بتمويله، ليتمكنوا من العمل على إجراء عمليات البحث والإنقاذ داخل المياه الإقليمية.
مع الموقف الإيطالي المتشدد والذي وصف بغير الإنساني، تسعى دول الاتحاد لفرض رقابة مشددة على الحدود والحد من فرص اللجوء وتخفيف التزاماتها في مسألة حقوق الإنسان ما يضع ليبيا ودول الشمال الأفريقي في خطر أن تبقى عالقة مع عشرات الآلاف من المهاجرين غير القانونيين.
في عام 2015، بدأ الاتحاد الأوروبي في تنفيذ عملية «صوفيا» قبالة السواحل الليبية، وتشارك فيها العديد من البحريات الأوروبية من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بالإضافة إلى إيطاليا. وأقر الاتحاد الأوروبي، في يونيو 2016، تعزيز العملية البحرية الأوروبية «صوفيا» قبالة ليبيا، حيث أضاف مهمتين إلى العملية تتضمنان تدريب قوتي البحرية وخفر السواحل الليبيتين والمساهمة في تطبيق حظر الأسلحة الأممي قبالة سواحل ليبيا.
وفي سبتمبر 2016، أرسلت إيطاليا مجموعة من العسكريين قالت إنهم سيتولون حماية الكادر الطبي والشبه الطبي الذي سيعمل في المستشفى الميداني بمصراتة لعلاج جرحى عملية البنيان المرصوص. وفى أغسطس 2017، صادق البرلمان الإيطالي على مشروع قانون بإرسال بواخر إلى المياه الليبية لوقف الهجرة غير القانونية ومنع تهريب البشر في اتجاه أوروبا، في اتفاق بين إيطاليا وحكومة السراج.
و قامت السلطات الإيطالية بتدريب قوات خفر السواحل الليبي التابعة لحكومة الوفاق الوطني، وفقا لمذكرة تفاهم تم التوقيع عليها في 23 أغسطس 2016، في العاصمة الإيطالية روما، حسبما ذكرت وكالات الأنباء. وتضم ليبيا أكثر من 34 مركزا لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين، ويتم تقسيم هذه المراكز حسب قوة استيعابها، وتتواجد في طرابلس ومصراتة، بالإضافة إلى 24 مركزا لاحتجاز اللاجئين، تديرها إدارة هيئة مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإن اللاجئين الذين تضمهم مراكز الاحتجاز الليبية، معظمهم من دول تشاد والنيجر والسودان وإريتريا والصومال وغامبيا ومالي ونيجيريا والسنغال وتوغو، بالإضافة إلى دخول أعداد كبيرة من مصر وباكستان وبنجلاديش، من الباحثين عن فرصة للسفر إلى أوروبا عن طريق البحر، في رحلة هجرة غير شرعية.
تخوف إيطالي
وتعلو الأصوات الدولية باتخاذ إجراءات حازمة حيال هذا الملف، ولا يخفى عن كثيرين التشدد الإيطالي وكيفية تعاطيه مع المهاجرين الذين تتقطع بهم السبل. وزير الداخلية ماتيو سالفيني تحدث في آخر تصريحاته عن مضاعفة بلاده عدد مراكز طرد المهاجرين وأن الهدف هو مضاعفة عدد مراكز الطرد مرتين في وقت قصير، ومضاعفتها 3 مرات في منتصف العام المقبل، بهدف تقليص أعداد المهاجرين الوافدين إلى البلاد.
وغير بعيد عن ذلك حثت وكالة الأمم المتحدة للاجئين الحكومات الأوروبية على مراجعة قدرات البحث والإنقاذ في البحر المتوسط بعد حرمان سفينة الإنقاذ أكواريوس من علمها في وقت سابق من هذا الأسبوع ما يعني منعها من الإبحار مرة أخرى وهي لاتزال في عرض البحر. كما شددت المنظمة الدولية ووكالة اللاجئين على أهمية قيام الحكومات الأوروبية بالاتفاق على موانئ مما يضمن اتباع نهج إقليمي يمكن التنبؤ به لعمليات الإنقاذ. قضية تقذفتها الحكومات الأوروبية بشكل وصفه مراقبون بأنه لا إنساني لوضع الحلول الأمنية لهذا الملف ولكن الوصول إليه يبدو صعبا.
تعاون ليبي
اتبع الاتحاد الأوروبي استراتيجية احتواء بالتعاون مع السلطات الليبية، على الرغم من من أن ليبيا لم توقّع على اتفاقية اللاجئين، كما أنها ليس لديها نظام لجوء فعال. كما أن عصابات تهريب البشر، تعتبر على رأس أولويات الجهات المعنية للحد من مخاطر الهجرة غير الشرعية.
في سياق متصل كانت حكومة الوفاق الليبية قد رفضت اقتراحا إيطاليا بشأن إقامة مخيمات استقبال اللاجئين على حدود البلاد الجنوبية. وقال نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي، أحمد معيتيق، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني في طرابلس: "نتفق مع أوروبا في ما يتعلق بمسألة الهجرة، لكننا نرفض بشكل قاطع إقامة أي مخيمات للمهاجرين في أراضي ليبيا".
من جانبه، قال «سالفيني» في تغريدة له بعد المحادثات مع المسؤولين الليبيين: "لقد اقترحنا إقامة مراكز استقبال عند الحدود الجنوبية لليبيا، لتفادي تحويل الدولة إلى عنق زجاجة (لتدفق المهاجرين) مثل إيطاليا".