يتزايد الحديث بين آونة وأخرى عن سعي تركيا لتوسيع نفوذها في ليبيا من خلال دعم حلفائها هناك، وهو ما يؤكده إمدادها المستمر للجماعات المتطرفة بسفن السلاح والمتفجرات في محاولة لتأجيج الصراعات وإجهاض أي محاولة لإرساء سلطة موحدة في البلاد تخرجه من أتون الفوضى والعنف.
وفي حلقة جديدة من حلقات مسلسل السفن التركية المحملة بالأسلحة والمتفجرات إلى ليبيا،أعلنت السلطات الليبية، عن ضبط سفينة تركية محملة بالأسلحة، فى ميناء الخمس البحرى شرقى العاصمة طرابلس.وتضمنت الشحنة أكثر من مليونى طلقة مسدس تركى، ونحو 3 آلاف مسدس و400 بندقية صيد.بحسب تقارير إعلامية.
وأثارت هذه الواقعة غضبا في الأوساط الليبية،ودعت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، الأمم المتحدة إلى "فتح تحقيق فوري" حول الشحنة المصادرة. وقالت القيادة إن الشحنتين مصدرهما تركيا وتحويان أكثر من 4.2 ملايين رصاصة كافية لقتل نحو 80 % من الشعب الليبي، إضافة إلى آلاف المسدسات والبنادق.
من جهتها،طالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا مجلس الأمن الدولي بفتح تحقيق مع نظام رجب أردوغان لتحديد حجم مسؤوليته فيما يتعلق بقضية شحنة أسلحة قادمة من تركيا إلى ليبيا..
وأعربت اللجنة في بيان لها،عن إدانتها لواقعة توريد شحنة من الأسلحة والذخائر القادمة من تركيا التي ضبطت في ميناء الخمس الليبي مطالبة لجنة الخبراء الدوليين في مجلس الأمن الخاصة بليبيا بفتح تحقيق شامل حيال هذه الشحنة والطرف المسؤول عن توريدها للبلاد والمسؤول عن تسهيل خروجها عبر الموانئ التركية.
وفي المقابل،قوبلت واقعة السفينة التركية بصمت من طرف المجلس الرئاسي،وإكتفى رئيس المجلس فائز السراج،بإصدار تعليماته للأجهزة الأمنية المعنية بفتح تحقيق شامل في الواقعة،وقال محمد السلاك المتحدث الرسمي باسم رئيس المجلس الرئاسى الليبى ان السراج أصدر تعليمات الى وزارة الخارجية بمخاطبة السلطات التركية ومطالبتها بالوقوف على كامل ملابسات الواقعة وحيثياتها.
وليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها ضبط أسلحة ومتفجرات قادمة من تركيا إلى ليبيا.فقد تكررت العملية في أكثر من مناسبة وكان آخرها في يناير الماضي،حين ضبط خفر السواحل اليوناني سفينة شحن تحمل مواد متفجرة خلال إبحارها من تركيا إلى ليبيا، ووصف السفينة بأنها عبارة عن قنبلة متحركة.
ورغم تعهد المبعوث الأممي غسان سلامة بالتحقيق في قضية سفينة المتفجرات التي ضبطت في يناير،فإن نتائج هذا التحقيق لم تعلن إلى حد اليوم.فيما يواصل المجلس الرئاسي وحكومته إلتزام الصمت في كل مرة تنكشف فيها تركيا التي تربطهما بها علاقة جيّدة بفضل سيطرة الإسلاميين عليهما.
ويشعر عدد كبير من الليبيين بالخيبة إزاء تجاهل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق للجرائم التي ترتكبها تركيا.وفي هذا السياق،أعرب نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية "المقاطع"، علي القطراني، عن استغرابه من صمت أعضاء المجلس على ما وصفها بـ"تصرفات تركيا المشبوهة" في ليبيا.
وأوضح القطراني في بيان له أن "أعضاء الرئاسي لم يدينوا سابقًا حادثة الباخرة التركية الأولى التي ضبطتها اليونان وعلى متنها مواد لصنع المتفجرات، والباخرة الثانية التي ضبطتها السلطات في ميناء الخمس منذ أيام قليلة واشتملت على ملايين الإطلاقات والذخائر والمسدسات".
وهاجم القطراني في الوقت ذاته أعضاء المجلس الرئاسي ممن أدانوا عملية تحرير الجيش الوطني لقلعة "السدادة" من المليشيات والمتحالفين معها من عناصر "سرايا الدفاع عن بنغازي" و"مجالس الشورى".وأكد أن بيان المجلس الرئاسي بشأن عملية قلعة السدادة، "صدر دون توافق بينهم، ولا يمثل موقف المجلس الرئاسي".
ولم تمنع شحنة الأسلحة الجديدة،حكومة الوفاق الليبية من استقبال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو الذي وصل العاصمة الليبية طرابلس، برفقة المبعوث التركي إلى ليبيا أمر الله ايشلر،حيث أجرى مباحثات في طرابلس،مع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج.
وعبر السراج خلال اللقاء الذي عقد بمقر المجلس بالعاصمة طرابلس،عن انزعاجه الشديد فيما يخص شحنة الأسلحة التي تم ضبطها الأيام الماضية في ميناء الخمس والقادمة من تركيا، مؤكداً على ضرورة كشف حقيقة الأمر ومن كان وراء هذا الفعل.بحسب ما بين المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي.فيما أكد الوزير التركي أن حكومة بلاده ترفض هذه الأفعال والتي لا تمثل سياسة أو نهج الدولة التركية، واتفق الجانبان على فتح تحقيق مشترك عاجل لبحث ملابسات الحادثة وكشف المتورطين.
وأشار مراقبون إلى أن زيارة أوغلو تأتي في محاولة إيجاد مخرج من الأزمة التي وقعت فيها بخرقها للقرار الدولي المفروض على ليبيا بشأن حظر توريد الأسلحة لعام 2011،خاصة بعد أن لمّحت الأمم المتحدة إلى عزمها فتح تحقيق في شحنة الأسلحة التي وصلت إلى ليبيا من تركيا.وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أكدت في تغريدة عبر تويتر، أنها "تتوقّع أن ينظر فريق الخبراء بمجلس الأمن الدولي، في حادثة شحنة الأسلحة التي وصلت إلى الشواطئ الليبية".
وقال مستشار رئيس البرلمان الليبي، فتحي المريمي، إن تركيا تربطها علاقات ببعض الأطراف في الغرب الليبي، وأنها تقوم بتبادل الزيارات في طرابلس وإسطنبول.وأضاف في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أن الزيارة الحالية لوزير الخارجية التركي قد تهدف للتستر وتمييع أزمة شحنة الأسلحة التي ضبطت في ميناء الخمس، وأكدت الجهات العسكرية أنها تابعة لليبيا.
وتابع قوله: "الشحنة كانت في طريقها إلى الجماعات الإرهابية والمتطرفين والخارجين عن القانون، خاصة أن أي شحنة تدخل البلاد دون أن تكون للجهات الرسمية تكون في وجهتها إلى تلك الجماعات".وأكد أن البرلمان الليبي سيناقش اتخاذ بعض الخطوات تجاه تركيا خلال جلسته المقبل هذا الأسبوع، كما أنه سيخاطب الجهات الدولية للتحقيق في الأمر.
ويثير تجاهل العالم في كل مرة للأسلحة التي ترسلها تركيا إلى ليبيا استفهامات كثيرة، خاصة وأن البلد مفروض عليه حظر تسليح دولي منذ 2011.وقال المحلل السياسي الليبي عيسى عبد القيوم لصحيفة "العرب" اللندنية، إن "صمت مجلس الأمن والدول الراعية للحوار مثير ويصب في خانة ما يعتقده الشارع الليبي بوجود أجندة دولية تحاول فرض الإسلام السياسي وبعض الشخصيات المتحالفة معه في إطار ما بات يعرف بسلطة الأمر الواقع".
وأضاف عبدالقيوم "المجلس الرئاسي هو إحدى المؤسسات المفروضة في ليبيا وفق سلطة الأمر الواقع، فهو لم يدستر بعد ولم تنل حكومته الثقة من البرلمان، لذا نستغرب من التعامل معه فقط على أنه السلطة الشرعية".
وفي الوقت الذي تعاني فيه ليبيا من إنتشار السلاح،تزيد السفن التركية المحملة بمختلف أنواع السلاح،في إغراق البلاد في مستنقع الفوضى والعنف.وباتت التدخلات التركية تشير الى طبيعة الدور الذي تلعبه أنقرة في الصراع الليبي،حيث تسعى لدعم للجماعات المتطرفة،من خلال إدخال كميات كبيرة من السلاح والمواد المتفجرة، بشكل يتعارض مع المجهودات المحلية والدولية الرامية إلى تحقيق التسوية السياسية والمصالحة بين الأطراف الليبية، والحدّ من انتشار السلاح.