خاص بوابة افريقيا للاخبار
أعادت الأحداث العرقية والدينية التي وقعت شهري نوفمبر و ديسمبر في منطقة «غرادية» الواقعة بجنوب الجزائر، أزمة أمازيغ الجزائر التي تعود إلى القرن العشرين إلى الواجهة، حيث بدأوا في رحلة البحث عن حقهم في الهوية والثقافة واللغة بعيدا عن الإقصاء والتهميش.
فبعد مواجهات عرقية عنيفة شهدتها ولاية غرداية بين قطاع من السكان ينطقون بالأمازيغية وقطاع آخر يتحدثون العربية عاد الهدوء إلى المنطقة.
وأمر والي ولاية غرداية بعقد اجتماع طارئ مع عقلاء المدينة، وعلماء المذهبين المالكي والاباضي ، لبحث الفتنة الجديدة واحتوائها، وطالب عدد عقلاء مدينة غرداية وعقلاء السلطات بالتدخل العاجل لإيجاد حل عاجل ونهائي لقضية «المقبرة» التي تشعل فتيل الفتنة بين الأباضيين والمالكيين بين الفترة والأخرى.
فتيل المواجهات
وعن بداية فتيل المواجهات بين الطرفين، قالت الصحف ان المواجهات كانت قد اندلعت أول عندما فوجئ عدد كبير من التجار الميزابيين المعروفين أيضا بـ« الإباضيين» بمشهد محلاتهم وهي محطمة وبعضها تعرض للحرق والنهب من طرف أشخاص مجهولين ، فثارت ثائرتهم واتهموا الشعانبة بالوقوف وراء الحادثة، وحملوا السلطات المسؤولية بدعوى أنها متواطئة مع المعتدين.
فيما ذكرت مصادر صحفية أخرى أن الاشتباكات بدأت عندما حاول سكان الحي المالكي هدم حائط بهدف الاستيلاء على قطعة أرض بزعم أنها إرث لهم، تقع داخل مقبرة تضم موتى لهم، وتدخل ضمن أوقاف الحي الأباضي.
وبحسب شهود عيان فإن أكثر من 37 شخصا، بينهم 16 عنصرا من الشرطة، أصيبوا بجروح خلال المواجهات التي اندلعت قبل يومين بين سكان حيين متجاورين، هما حي ثنية المخزن، وهم عرب ينتمون إلى المذهب المالكي، وسكان قصر مليكة وهم أمازيغ ينتمون إلى المذهب الأباضي.
وللتعبير عن احتجاجهم إزاء ما حدث، أغلق كل الميزابيين محلاتهم وأعلنوا الإضراب وتوجهوا إلى مقر ولاية غرداية الواقعة 600 كلم جنوب العاصمة لمطالبة السلطات الإدارية وقوات الأمن بضمان أمنهم وحفظ ممتلكاتهم.
وأثناء الاعتصام أمام مقر الولاية تدخلت قوات الأمن لتفريق المتظاهرين، ثم التحق شباب من الشعانبة بمكان المظاهرة ما أثار غضب الميزابيين فاندلعت مواجهة بين الطرفين خلفت جرحى واعتقالات، واستمرت المواجهات إلى الليل دون أن تتمكن قوات الأمن من السيطرة على الوضع.
ويسود المذهب الأباضي الذي أسسه عبد الله ابن أباض في مدن ولاية غرداية ومنطقة بني ميزاب، ويتكلم الأمازيغ لهجة محلية تسمى «الميزابية».
فتنة متجددة
وتعرف منطقة غرداية منذ سنوات مواجهات متجددة ذات بعد عرقي وديني، بين أتباع المذهبين الاباضي من الأمازيغ والمالكي من العرب بسبب نزاعات على الأراضي والعقارات وخلافات الاجتماعية ولغوية وثقافية.
وكانت أعنف هذه المواجهات تلك التي اندلعت في 29 ديسمبر 2008، في مدينة برّيان بولاية غرداية التي يقطنها 45 ألف نسمة، وخلفت مقتل ثلاثة أشخاص وجرح أربعة أشخاص وتوقيف 120 شخصا من قبل قوات الشرطة.
وقال كمال الدين فخار مسؤول «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان» في بيان أمس: «ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها المجتمع الميزابي للاعتداء وبتواطؤ مفضوح من طرف السلطات الأمنية والإدارية والقضائية».
يشار إلى أن غالبية المسئولين والموظفين في الإدارات والمرافق الرسمية بولاية غرادية هم من الشعانبة، وهو ما جعل الميزابيين يشعرون بالتفرقة، ويقولون إنهم يتعرضون للإقصاء في التوظيف والإبعاد من مواقع المسؤولية في ولايتهم.
وتجددت المواجهات بين أتباع المذهبين في أبريل 2009، مما أدى إلى مقتل شخصين وجرح أكثر من 25 شخصا وتخريب عدد من المحلات التجارية.
وفرضت السلطات مطلع 2009 حظرا للتجوال في مدينة بريان الواقعة بولاية غرداية، وذلك غداة اشتباكات عرقية وقعت بين مصلين إثر صلاة الجمعة وخلفت 27 جريحا.
وهدد وزير الداخلية آنذاك يزيد زرهوني بإصدار عقوبات ضد المتورطين في الأحداث، وقال إن ما حدث «لا يعدو أن يكون معارك بين مجموعات من الشباب نشبت بعد صلاة الجمعة»، مشيرا إلى أن «مثل هذه الأحداث تقع في مناطق أخرى من البلاد بما فيها العاصمة».
واعتبرت هذه الأحداث الأخيرة الأعنف والأخطر التي تشهدها الجزائر، كونها أول مواجهات ذات طابع عرقي ومذهبي تشهدها الجزائر منذ الاستقلال.
وكان اتفاق وقع بوساطة وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية يفي 29 يونيو 2010 قد أنهي جزئيا خلافات مذهبية مستمرة منذ عقود بين المجموعتين ، و يهدف الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين ممثلي ثماني عشائر من المذهب الاباضي و ثماني عشائر من المذهب المالكي إلى تسوية نهائية للخلافات والصراعات الدامية المستمرة بين السكان العرب أتباع المذهب المالكي والسكان الأمازيغ أتباع المذهب الاباضي.
ويتكون الاتفاق من عشر نقاط تلزم الأطراف المعنية بالمصالحة النهائية والتعايش الدائم في إطار الأخوة والمواطنة ونبذ الفتنة، وحل المشاكل والخلافات بالحوار بين أعيان الطائفتان المسلمتان، وتجنب كل مظاهر العنف ومكافحة الآفات الاجتماعية والعمل على التهدئة في المنطقة وغرس ثقافة الوئام بين المواطنين.
ودعت السلطات الجزائرية أعيان المجموعتين إلى العمل على إطفاء الفتنة والصراعات الطائفية وإرساء المصالحة وترسيخ ثقافة التعايش السلمي، وحذرت من مخاطر هذه الصراعات على وحدة المجتمع ، وكذا من الاستغلال الخارجي لمثل هذه الأحداث والخلافات المذهبية للإساءة إلى الجزائر.
تاريخ الأزمة الامازيغية
وتعود القضية الامازيغية سياسيا إلى الأربعينيات من القرن العشرين، إلى ما عرف بـ «الأزمة البربرية»، بعدما نشب صراع عام 1949 بين أعضاء من القبائل في حزب الشعب الجزائري«حركة انتصار الحريات الديمقراطية» وزعيمه مصالي الحاج.
واعتبر الحاج أن الأمة الجزائرية عربية وإسلامية، فرأى هؤلاء - ومنهم الزعيم لحزب جبهة القوى الاشتراكية حسين آيت أحمد- في هذا استفزازاً وتجاهلا للتاريخ الجزائري ما قبل الإسلام وللهوية الأمازيغية، ونادوا بضرورة إدراج البعد البربري في تنظيم الدولة المستقلة المقبلة، وقد انتهت هذه الأزمة بإقصائهم من قيادة الحزب واستبدل بهم قيادات قبائلية ليست من دعاة الأمازيغية.
وخففت الثورة الجزائرية من تلك الخلافات، لكن المسألة بقيت عالقة، فبعد الاستقلال دأبت السلطة على فرض روايتها الرسمية للتاريخ ومعاييرها في تحديد الهوية الوطنية وإقصاء اللغة والثقافة الأمازيغيتين من قاموسها السياسي، إذ رفض أحمد بن بله هذه المسألة مؤكداً على عروبة الجزائر.
ومع بداية أولى مراحل التعريب في الجزائر إدخال العربية لغة وطنية بعدما كان الاستعمار الفرنسي قد أعلنها لغة أجنبية في الجزائر عام 1936» في عهد بومدين، بدأت أولى المواجهات بين دعاة الأمازيغية (من الفرنكفونيين) والسلطة حول المسألة اللغوية.
وأصبحت فرنسا مركزاً للتعبير عن المطلب الأمازيغي حيث أنشئت في نهاية الستينيات بباريس الأكاديمية البربرية.
وفي عام 1980 أخذ المطلب الأمازيغي بعداً مميزاً وعلنياً في شكل حركة احتجاجية في القبائل. وكان السبب المباشر في اندلاع أحداث القبائل (مظاهرات طلابية في جامعة تيزي وزو ثم شعبية قمعتها قوى الأمن) في مارس 1980 هو منع السلطات الكاتب مولود معمري «منظر الأمازيغية» إلقاء محاضرة في جامعة تيزي وزو حول «الشعر القبائلي القديم»، وفي عام 1985 -أي في عهد الشاذلي بن جديد- أقبلت السلطة على اعتقال العديد من نشطاء الحركة الأمازيغية.
ومع توسع ظاهرة الإرهاب في التسعينيات، ازداد المطلب الأمازيغي إلحاحاً، وكأن النشطاء الأمازيغ أرادوا انتهاز فرصة ضعف السلطة لدفعها إلى الاستجابة لمطالبهم.
وشهدت منطقة القبائل موجة من الاحتجاجات أهمها إضراب أطفال المدارس الذي أطلق عليه "مقاطعة المحفظة"، فهدأ الرئيس اليمين زروال الوضع بإدخال اللغة الأمازيغية في التعليم بمنطقة القبائل، كما أنشأ «المحافظة السامية للأمازيغية».
و من جهة أخرى تم إحداث نشرات إخبارية في التلفزيون باللغات الأمازيغية الرئيسية: القبائلية والشاوية والمزابية، كما قام زروال بإضافة البعد الأمازيغي باعتباره أحد المقومات الأساسية للهوية الجزائرية إلى جانب الإسلام والعروبة، وأدرجه في الدستور (تعديل نوفمبر 1996).
لكن المطلب الأمازيغي لم يلب في رأي القبائل، وجاءت أحداث أبريل 2001 لتفجر الوضع في المنطقة، إذ أشعلت وفاة طالب ثانوي في مقر الدرك الوطني ببني دوالة في ولاية تيزي وزو فتيل الأزمة التي لم تهدأ بعد.
فرفض المحتجون كل ما يرمز إلى السلطة وإلى أشكال التنظيم السياسي الحديث كالأحزاب، حيث رفضوا تدخل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية، وهما الحزبان القبائليان الأكثر نفوذاً.
وبالرغم من أن بعض تنسيقات فروع العروش (زعامات القبائل) تشكل امتداداً لأحزاب سياسية، فإن بعض الأحزاب كجبهة القوى الاشتراكية اعتبرتها تنظيمات بدائية.
وعليه أنشأ المحتجون تنسيقية القرى والعروش - وهي تركيبة قبلية تقليدية- لتعبر عن مطالبهم التي لخصوها في "لائحة القصر" (القصر تقع في ولاية بجاية)، وهي عريضة من 15 مطلبا، أهمها إخلاء الدرك لمنطقة القبائل، ومعاقبة الدركيين المتسببين في الأحداث، وتلبية المطلب الأمازيغي بكل أبعاده الهوياتية والحضارية واللغوية والثقافية دون استفتاء ودون شروط، ومطالب أخرى اجتماعية وتعويضية "تعويض أهل الضحايا".
وبعد صمت، شرعت السلطة في حوار مع ممثلي تنسيقية العروش للتفاوض حول لائحة القصر. وقد استاءت الأحزاب السياسية من هذه المبادرة ورأت فيها تجاهلاً لها.
أما العروش فانقسمت على نفسها بين معتدلين من دعاة الحوار ومتشددين يعارضونه، وقد توج هذا الحوار باستجابة السلطة لأبرز مطالب لائحة القصر من خلال خطاب الرئيس بوتفليقة الذي أعلن ترسيم الأمازيغية.
وفي النهاية ، كل طرف يقرأ تاريخ البلاد وفقاً لمواقفه الأيديولوجية وأهوائه السياسية،فبالنسبة للسلطة ،حتى عهد قريب، فإن تاريخ الجزائر عربي إسلامي أساساً يبدأ مع مجيء الإسلام، وإن كان ما قبل ذلك لم يقص نهائياً لكنه هُمش،ويساندها في موقفها هذا تيار واسع من معربين وإسلاميين.
أما دعاة الأمازيغية فيؤكدون على الماضي البربري، والتاريخ عندهم يكاد يتوقف عند الفتح الإسلامي، إذ تمر الجزائر بقرون من الفراغ حتى العهد الاستعماري الذي برز فيه البعد البربري من جديد ، وهكذا يقصي كل طرف جزءاً من التاريخ.