قال برناردينو ليون، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الأسبوع الماضي، أن ليبيا باتت على أعتاب انهيار اقتصادي وسياسي كامل. كما أكد أن هناك حوالي نصف مليون ليبي يتربصون بفرصة محتملة للجوء إلى إحدى دول أوروبا المتوسطية.
"'نعرف أن هناك الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان، وهذا أمر عادي بالنسبة لمواطنين تمر بلادهم من فترة انتقالية"، يتابع ليون.
قال ديفيد فرانسيس، من المركز النرويجي لإنشاء السلام، وهو مؤسسة تتوخى تعزيز سياسة بناء وإحلال السلام، متحدثا لموقع مينت بريس نيوز، إنه مندهش من ردة فعل الغرب الذي يقف متفرجا على الأزمة الليبية.
وأوضح فرانسيس لمينت بريس قائلا:
"إن جزءً من صفقة إخراج القذافي من الحرب الباردة وإعادة تأهيله ليلعب دورا فاعلا شرعيا في المجتمع الدولي بعد أن كان وُصف لعقود بـ" الكلب المسعور"، كان السيطرة على الهجرة السرية، ومن أجل ذلك تُرك العقيد لحاله".
ويشير فرانسيس هنا للمفاوضات التي جرت بين ليبيا والمملكة المتحدة التي بادرت إلى تطبيع العلاقات بين ليبيا والدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، وذلك منذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي إلى أوائل سنة 2000.
وبالرغم من ذلك، هاجمت القوات الفرنسية والبريطانية تحت قيادة حلف شمال الأطلسي ليبيا في 2011، لمساعدة الثوار على الإطاحة بمعمر القذافي. كما أن واشنطن أنفقت 25 مليون دولار كمساعدات عبارة عن أسلحة غير قاتلة لدعم ثوار ليبيا، علما أن من بين هؤلاء من هم على صلة بتنظيم القاعدة.
بعدها مباشرة عمت الفوضى البلاد، على وقع حملات إعلامية أمريكية تروج للنصر والشرعية بعد تدمير البلاد. وحتى اليوم، تعيش حقول النفط الليبية، التي تديرها شركة النفط الوطنية، تحت التهديد المستمر للجماعات والميليشيات المتطرفة.
"قام الرئيس أوباما بالقرار الصحيح، وإن جاء متأخرا، بالانضمام إلى الحلفاء، في محاولة لوقف العقيد معمر القذافي عن ذبح آلاف الليبيين"، هذا ما جاء في صحيفة نيويورك تايمز ليوم 28 مارس 2011.
في وقت سابق من هذا العام، كتب غلين غرينوالد في مجلة إنترسيبت أن دعاة الحرب، مثل آن ماري سلوتر، الرئيس المدير العام لمؤسسة أمريكا الجديدة، ونيك كريستوف، كاتب عمود في صحيفة التايمز، يصفقون لقرار الولايات المتحدة دعم الثوار معارضي القذافي في ليبيا.
وفي الوقت نفسه، زار "زعماء" حلف الناتو، ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي، زاروا ليبيا، فيما وصفه سكوت بيترسون، مدير مكتب اسطنبول لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور، بـ"رقصة النصر".
وقد سبق التدخل العسكري في ليبيا إصدار قرار لمجلس الأمن الدولي، تحت رقم 1973، ما أعطى الشرعية القانونية لهذا التدخل. القرار فرض منطقة حظر جوي فوق سماء ليبيا، على غرار ما تريد حاليا تركيا استصداره في قضية سوريا، وشدد على حظر التسلح، علما أنه فتح الباب لتسليح المناهضين للقذافي.
وقد امتنعت الصين وروسيا عن التصويت على القرار الذي سمح بتدخل قانوني في ليبيا، وفي نفس الوقت لم تصوتا ضده. وصرح ديمتري ميدفيديف، رئيس الوزراء الحالي والرئيس السابق لروسيا بقوله: " لم تستخدم روسيا حق النقض (الفيتو) ضد [قرار مجلس الأمن رقم 1973] لسبب بسيط هو أن القرار لم يكن خاطئا".
وأضاف: "سيكون من الخطأ التأسف حول هذا الموقف أو الاعتقاد أننا لم نكن ندرك أهمية القرار. لقد كان أمرا مدروسا من جانبنا".
لكن الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف الناتو هم من قادوا العملية، وكانت فرنسا وانجلترا المبادرتان. وتم فرض منطقة حظر الطيران فوق البلاد، وأغارت قوات الحلف، من مارس إلى أكتوبر، على قوات القذافي إلى أن قُتل.
وفي 20 أكتوبر 2011، قال الرئيس أوباما: "هذا يوم مشهود في تاريخ ليبيا. فقد تم القضاء فيه على آلة الطغيان". لكن ذلك لم يكن سوى بداية بالنسبة لليبيا، وقد وصلت تداعياته إلى كل أرجاء القارة الإفريقية.
كتب آلان كوبرمان، وهو أستاذ مساعد في كلية ليندون جونسون للشؤون العامة بجامعة تكساس في أوستن، ومؤلف كتاب "حدود التدخل الإنساني: الإبادة الجماعية في رواندا"، في مجلة الشؤون الخارجية، في وقت سابق من هذا العام، ما يلي:
"لم تفشل ليبيا فقط في الانتقال الديمقراطي؛ بل تحولت إلى دولة فاشلة. فقد تفاقم عدد الوفيات الناجمة عن العنف وانتهاكات حقوق الإنسان بأضعاف كثيرة. وبدلا من مساعدة الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، كما فعل القذافي خلال العقد الأخير من حكمه، أصبحت ليبيا الآن ملاذا آمنا للميليشيات الموالية لتنظيم القاعدة و"الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا".

مالي، نيجيريا والصومال: بداية النهاية

لم تؤثر تداعيات الحملة على ليبيا فقط. فطوارق مالي، الرحل، الذين جندهم القذافي للقتال في جيشه في سنوات التسعينات من القرن العشرين عادوا أدراجهم واتجهوا نحو القتال ضد حكومة باماكو بعد سقوط الزعيم الليبي، لكنهم عاودوا وبحوزتهم أسلحة ثقيلة.
"وهكذا ترتبط أسباب الحرب في مالي بشكل مباشر بتداعيات سقوط نظام القذافي وبالطريقة التي أديرت بها مرحلة ما بعد العقيد"، يقول فرانسيس، الذي يشغل أيضا منصب رئيس قسم دراسات السلام ومدير مركز جون وإلنورا فيرجسون للدراسات الإفريقية بجامعة برادفورد في المملكة المتحدة، متحدثا إلى مينت بريس.
كما كتب فرانسيس في تقييم لأزمة مالي في أبريل 2013 ما يلي:
"شكلت جماعات الطوارق المتمردة السابقة، جنبا إلى جنب مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد، في 2011، تحالفا عسكريا وسياسيا لمواصلة النضال لبلوغ حكم ذاتي. وقد كان هؤلاء المقاتلون المسلحون بكثافة والمدربون تدريبا جيدا وراء هزم القوات الحكومية في مارس 2012 وإعلان دولة أزواد المستقلة شمال مالي".
أما الحركة الوطنية لتحرير أزواد، فهي خليط من المتمردين الطوارق يحملون حقدا تاريخيا دفينا ضد حكومة باماكو و"أنصار الدين". وقد قاد الحركة زعيم المتمردين الطوارق السابق إياد أغ غالي، الذي يُعتقد أنه على صلة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
هذا وكان السناتور كريستوفر كونز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية (مع إفريقيا) في مجلس الشيوخ قد اعلن في 2012، أن شمال مالي أصبح يشكل "أكبر منطقة في العالم تقع تحت سيطرة المتطرفين الإسلاميين"، الذين يضمون بين صفوفهم عناصر من تنظيم القاعدة و"الدولة الإسلامية".
بحلول أبريل 2013، كان الوضع خطيرا جدا، حيث كتب فرانسيس أن "شمال مالي لم يصبح فقط قاعدة جديدة لعملياتهم (المتطرفون)، لكن أيضا نقطة جذب للجهاديين الأجانب. لقد تحولت مالي، بتضاريسها الجبلية والصحراوية، سريعا إلى ملاذ محوري للجهاديين، ما أدى إلى تحول في أولويات الجهاد التقليدي الذي انتقل من جنوب آسيا إلى شمال إفريقيا ومنطقة الساحل".
ومع ذلك، وجب التذكير أن مشاكل مالي الداخلية كانت موجودة بحدة حتى قبل سقوط القذافي. أما تدخل حلف الناتو في ليبيا فلم يكن سوى الشرارة التي أشعلت الوضع غير المستقر في هذا البلد. "رغم أن الصراع في ليبيا وفر أرضية خصبة لأزمة مالي، إلا أن أسباب هذه الأخيرة لم تكن سوى المشاكل الداخلية إلى حد كبير"، يشير فرانسيس.
لقد حدثت تطورات دراماتيكية بعد ذلك، فقد قُتل الاثنين الماضي ثلاثة جنود ماليين في بامبارا ماوندي، الواقعة على بعد حوالي 73 ميلا جنوب مدينة تمبكتو. وتأتي أعمال العنف هاته في أعقاب اتفاق سلام بين حكومة باماكو والمتمردين الانفصاليين في الشمال، إذ كان من المتوقع التوقيع عليها الأسبوع الماضي. وقد تأجل التوقيع بسبب تنسيق حركات أزواد، وهو تحالف من الطوارق والقيادة العربية للجماعات المتمردة، يطالبون من خلالها بإدخال تعديلات على الاتفاق.
يقول الأستاذ والكاتب آلان كوبرمان: "لقد تفاقمت مشكلة الإرهاب بسبب تسرب الأسلحة المتطورة من ترسانة القذافي إلى حوزة الإسلاميين المتطرفين في شمال أفريقيا والشرق الأوسط".
ويُعتقد أن الكثير من ذلك الأسلحة قد انتشرت في جميع أنحاء القارة، ما أدى إلى اضطرابات في بوركينا فاسو. بل يُعتقد أنه وصل إلى أيدي بوكو حرام، التي تقود تمردا دينيا متطرفا في نيجيريا، علاوة على جماعة الشباب الصومالية.
خلال رحلته الأخيرة إلى أفريقيا، أخبرت مصادر استخبارات الاتحاد الإفريقي فرانسيس أن معظم أسلحة بوكو حرام حصلت عليها من ترسانة القذافي. نفس الشيء ينطبق على جماعة الشباب. وأضاف أن "بعض مقاتلي بوكو حرام يتدربون داخل مستودع مهجور في مقديشو [الصومال]".
وقال: "يتسرب السلاح عبر منطقة مالي الصحراوية. ومن الطبيعي أن العبور من مالي يمكن أن يتأتى من موريتانيا، ومن موريتانيا يمكن الوصول إلى نيجيريا. لقد أصبح الأمر سهلا".
لكن كوبرمان حذر من العمليات التي تتخذ طابعا "إنسانيا" وضرورة الاحتياط منها في المستقبل.
وكتب في مجلة الأمن الدولي في 2013، وهي مجلة تصدر عن مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بكلية جون كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد:
"تقدم تجربة حلف الناتو في ليبيا دروسا مهمة للتدخل الإنساني ومسؤولية الحماية. أولا، يجب على المتدخلين المحتملين أن يحتاطوا من عمليات التضليل التي تُنقل بواسطة تقارير غير دقيقة أو مفاهيم متحيزة، وكذا عن طريق الحملات الدعائية المنسقة".
وأوضح كيف أن وسائل إعلام أمريكية لعبت دورا في مثل هذه الحملات الدعائية وساعدت على نشر معلومات مضللة:
"لم تكن الانتفاضة الأولى في ليبيا سلمية، وطنية وديمقراطية، كما تم وصفها وتصويرها من قبل الغرب، لكنها كانت عنيفة وذات أهداف إقليمية وتميزت بالنعرة القبلية والتطرف الإسلامي. ولم يكن رد فعل القذافي يرمي إلى ذبح المتظاهرين العزل أو قصف مناطق مدنية دون تمييز، كما نقلت التقارير الغربية، وإنما إلى استهداف المتمردين والمتظاهرين المسلحين لتفادي إلحاق الأضرار بالمدنيين والعزل".