أثارت حادثة الهجوم المسلح على منزل وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو فجر الإربعاء الماضي حالة إرباك في تونس شملت الساسة والأمنيين والمحللين والشارع ووسائل الإعلام ، فالعملية كما يراها المراقبون كانت نوعا من الإستعراض الذي يستهدف سيادة الدولة ممثلة في وزير الداخلية ، ويؤكد وجود خلل حقيقي في المنظومة الأمنية ،حيث إستطاع المسحلون إختراق  مدينة القصرين ( وسط غرب )  الإستراتيجية والمحاذية  للمنطقة  العسكرية المغلقة بجبالل الشعانبي و سمامة والسلّوم ، والتي توجد بها قوات أمنية وعسكرية ، ووصلوا الى منزل الوزير ، وخاضوا معركة مع الأمنيين  الأربعة المكلفين بحراسته إستمرت لمدة 35 دقيقة وبعد أنتهاء ذخيرة الأمنيين حاصرهم  المهاجمون  في مرآب تابع للمنزل وأطلقوا عليهم النار وقتلوهم ، وغادروا المكان ، في حين لم تصل قوات الأمن وسيارات الإسعاف الى المكان الا بعد 45 دقيقة 

وحسب شهود العيان ، فإن المهاجمين قاموا بإطلاق ألعاب نارية عند  بداية الهجوم وعند الإنتهاء منه ، وأن إطلاق الشماريخ كان يتم يوميا وعلى إمتداد أكثر من شهر ، وفي وقت محدد وافق لحظة بدء العملية ، الأمر الذي يؤكد أن الجماعات المسلحة تعرف كيف تخطط لعملياتها قبل تنفيذها بمدة ،كما تعرف كيف تستفيد من لحظات الإرتخاء الأمني 

وعندما حاول بعض المواطنين الإقتراب من مكان الحادثة خاطبهم المسلحون بالقول « يا مسلم لا تقترب » الأمر الذي فسّره المراقبون بوجود خطة لتقسيم المجتمع الى شعب وسلطات ، يتم فيه إستهداف السلطة للسيطرة على الأرض بعد تحييد الشعب الذي يسهل عليهم التحكّم في مصيره بعد الإطاحة بالدولة وأجهزتها 

أوامر غامضة 

ومما يزيد في غموض المشهد أن أحد المشاركين في العملية وهو مراد الغرسلي كان قد تم إلقاء القبض عليه في ديسمبر الماضي بعد مقتل أحد الأمنيين على أيدي متشددين دينيين ثم تلقى الأمنيون أمرا غامضا بإطلاق سراحه فورا ، كما تم في فبراير القبض على عنصر كان بصدد بصدد مراقبة منزل وزير الداخلية ومعها خرائط ، ولكن جاء قرار بإطلاق سراحه كذلك . 

وشهد الحي السكني الذي تم إستهدافه في مناسبات عدة نصب خيام وإعداد ولائم إبتهاجا بذبح وقتل  العسكريين  والأمنيين دون أن تحرك الدولة ساكنا ، وهو ما تكرّر في أحياء العاصمة والقصرين بعد قتل عناصر حراسة منزل وزير الداخلية الإربعاء الماضي 

وفي مناسبات كثيرة تم اطلاق سراح متورطين في عمليات ألرهابية بأوامر مجهولة المصدر يردها البعض  الى أطراف إخوانية متعاطفة مع « الجهاديين » نجحت في إختراق إجهزة الدولة ، 

ويعتبر النموذج الأبرز لهذه الظاهرة ما حدث في نوفمبر 2012 في مسجد الفتح بالعاصمة عندما قامت قوات الأمن بمحاصرة المكان لإعتقال سيف الله بن حسين  المكنى بأبي عياض زعيم تنظيم أنصار الشريعة على ضوء مشاركته في الهجوم على مقر السفارة الأمريكية في سبتمبر من العام ذاته ، ثم فوجيء قادة العملية بأوامر بالسماح له بالإنصراف ، وقال مدير الأمن الوطني في تلك الفترة توفيق الديماسي أن وزير الداخلية حينئذ علي العريض (القيادي في حركة النهضة ) هو من أعطى الأوامر بعدم القبض على أبي عياض ، غير أن العريض نفى ذلك ،وقال أن التخلي عن العملية كان بقرار مشترك بين قيادات أمنية في الوزارة 

إختراق 

وتتهم أطراف نقابية أمنية جهات سياسية وخاصة من حزب حركة النهضة وحليفها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وبعد التيارات السياسية الأخرى بدعم الإرهابيين  ،وبنجاح الجماعات المتشددة في إختراق الجهاز الأمني وخاصة في عهد حكم الترويكا ، كما أن حل جهاز أمن الدولة والمخابرات في عهد وزير الداخلية الأسبق فرحات الراجحي ساعد على تفكيك منظومة القدرة النظامية على مواجهة الخطر آلإرهابي ، في حين كانت تونس في عهد النظام السابق ، وحسب الخبير الإستراتيجي محمد العموص ، قد نجحت في إختراق تنظيم القاعدة في السودان وباكستان وأفغانستان من خلال ضباط مخابرات لبسوا ثوب المقاتلين للكشف عن أية خطط تستهدف البلاد 

ويرى الشارع التونسي أن أجهزة الأمن كانت في السابق تخترق الجماعات المتطرفة في حين يحصل العكس حاليا حيث نجحت الجماعات المتشددة في إختراق أجهزة الأمن 

وكانت تونس بعد الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في يناير 2011 قامت بحل جهاز أمن الدولة الذي كان يتولى الإشراف على الأمن الخارجي والأمن السياسي كما صدرت قرارات بإسبعاء عدد كبير من ضباطه وخبرائه وإحالتهم على التقاعد المبكر ، الأمر الذي يرى فيه المراقبون ضربة لقدرة الدولة على التوقي من العمليات الإرهابية في حين إعتبرته بعض الأطراف السياسية هدافا من أهداف الثورة تم تحقيقه