لتفسير القرارات الأخيرة التي اتخذها رئيس الجمهورية التونسية والمنبثقة عن الفصل 80 من الدستور التونسي، تقدّم لنا الأستاذة إكرام الدريدي ،الأستاذة الجامعية في القانون الدستوري، في تصريح خاص لبوابة إفريقيا الإخبارية توضيحا معمقا لحقيقة ما سموه "بالإنقلاب" وما يعنيه الفصل 80 من الدستور:
- أولا وبكل تجرد وموضوعية يجب ابعاد نظرية الانقلاب لان الرئيس لو أراد الانقلاب لكان حل البرلمان وعلق العمل بالدستور واعتقل معارضيه . وقد كان الغنوشي ووموالي حركة النهضة والنواب يتظاهرون بكل حرية في الشارع ويعبرون عن موقفهم بسلام والامن يحميهم.
- ثانيا إحتكم الرئيس في قراراته الى الدستور وتحديدا في الفصل 80 الذي ضمنه المجلس التأسيسي بالدستور على مرأى ومسمع نواب النهضة الذين يرفضون تطبيقه اليوم وتتمثل شروطه في:
حالة خطر داهم تهدّد امن واستقرار البلاد والسير العادي لدواليب الدولة (تأويل ذلك يرجع للرئيس وحده حتى في حالة وجود محكمة دستورية) وبالرجوع لفقه القانون الدستوري فإن الخطر الداهم يمكن ان يكون اجتياحا، حربا أهلية، إنتفاضة شعبية أو حتى كارثة طبيعة... الخ
ولا يستوجب ذلك التعطل التام بل يكفي تعطل السير العادي الطبيعي فقط لاعلان حالة الاستثتاء
الشرطان الثانيان إجرائيان الا وهما:
١. اعلام رئيسي الحكومة والبرلمان
٢. اعلام رئيس المحكمة الدستورية
عملية الاستشارة هنا لا ينبثق عنها رأي الزامي avis conforme يعني استشارة رئيسي الحكومة ومجلس النواب لا يعني تقيد الرئيس برأيهما فالرأي استشاري وليس وجوبي فأما عن إعلام رئيس المحكمة الدستورية فهو لا ينبثق عنه اي دور للمحكمة في الثلاثين يوم الاولى من اعلان حالة الاستثناء فحتى لو كانت المحمة موجودة اليوم ليس لها اية صلاحية بمنعه
لذلك فهذا الاجراء الشكلي هو اولا غير جوهري و ثانيا مستحيل ولا يؤثر في طبيعة القرار ولا نرى شططا في تجاوزه بالنسبة للثلاثين يوم الاولى.
- تدخل المحكمة للبت في تواصل الحالة من عدمهايصبح جوهريا وأساسيا بعد شهر، إذن الشروط متوفرة اليوم وتطبيقها سليم
- ماهي الصلاحيات الان؟
في فقه القانون الدستوري تكنى حالة الاستثناء بالدكتاتورية الدستوريةDictature constitutionnelle (Jean Jicquel « dictature de salut public destinée à assurer l’existence de la nation ») ،يعني بصفة مؤقتة وعلى شاكلة الفصل 16في فرنسا.
- يعلق العمل بمبدأ الفصل بين السلط ويجمع الرئيس بين يديه السلطتين التشريعية والتنفيذية بما في ذلك ترؤس النيابة العمومية فهي تابعة للسلطة التنفيذية في تونس وتحديدا تخضع لوزير العدل فيشرع بتقنية المراسيم (يقوم مقام السلطة التشريعية) ويتقلد الحكم عوضا عن السلطة التنفيذية، فضلا عن ذلك يتخذ الاجراءات التي يراها لادارة الازمة وهي ما يطلق عليه فقهاء تلقانون الدستوري اسم سلطات الازمة Les pouvoirs de crise.
و كل ما فعله الرئيس يندرج بهذا الاطار الذي، حسب رأيي، مهما كان الجدل القائم حول مدى صحة تأويله للفصل 80 يبقى تأويلا للدستور وليس خيارا آخر خارج الدستور ويبقى معترفا ومتمسكا بالشرعية والأهم من هذا كله ان الشعب طالب باكثر من ذلك منذ اكثر من عام وكان يمكن للرئيس ان يحل البرلمان ويعلن حكم العسكر لو اراد في ظل هذه الشعبية غير المسبوقة والمساندة الشعبية الواسعة لشخصه.
ولكن النية اتجهت نحو انقاذ البلاد دون المرور الى الإنقلاب وحكم الجيش وليس هناك حلول اخرى للاسف كان هذا هو الحل الدستوري الوحيد.
- ولمن يحتجون بسوء تأويل الدستور وخرقه، لماذا صمتوا على قمع الحريات وخرق الدستور والاستيلاء على البرلمان واموال الشعب و الانحراف بالسلطة تسخير مؤسسات الدولة لمدة سنوات لمآرب شخصية؟
- ثلاثون يوما، يمكن للرئيس فيها لو حظي بالمساعدة التقنية والمساندة ان يعيد فيها الامل للشعب ويقوم بها مسار 2011 ويعيد لنا الامل في محاربة الافلات من العقاب وبناء دولة القانون
الامر الجلل هنا هو ليس دستورية الإجراءات من عدمها فلازلنا في اطار الشرعية، السؤال الاهم هو هل أن للرئيس برنامجا واضحا شاملا للتعامل بسرعة ونجاعة مع الازمة التي شلت كل مرافق الدولة في غضون أجل الشهر؟.