بين عامي 2014 و2016 التحقت المئات من النساء من دول الجوار بتنظيم داعش في ليبيا بعضهن برفقة أزواجهن وأطفالهن، وأخريات تزوجن هناك أو تعرضن للاغتصاب على أيدي العناصر، فأنجبن أطفالا قتل العديد منهم في معارك تحرير مدينة سرت من التنظيم المتطرف، وبقي آخرون على قيد الحياة، فتم إيداعهم داخل سجون ومراكز رعاية في ليبيا، في انتظار البت في أمرهم.
أحمد بن سالم المتحدث الرسمي باسم قوات الردع الخاصة التي تشرف على سجن معيتيقة بطرابلس، كشف لـلعربية.نت وجود 22 طفلاً جميعهم من تونس تبلغ أعمارهم بين سنة و11 سنة ولدوا أغلبهم على الأراضي الليبية و13 امرأة تونسية وواحدة سنغالية، تم القبض عليهم في مدينة صبراتة سنة 2016، وتم إيداعهم داخل مؤسسة الإصلاح والتأهيل التابعة لسجن معيتيقة، مشيراً إلى أن أغلب آبائهم قتلوا والبعض الآخر معتقل لديهم في انتظار محاكمته.
وعلى بعد 200 كلم شرق العاصمة طرابلس، يوجد عشرات الأطفال الآخرين من أبناء المقاتلين، عثرت عليهم قوات البنيان المرصوص بعد انتهاء العمليات العسكرية في سرت، قبل أن تودعهم داخل دار للرعاية بمركز الهلال الأحمر بمدينة مصراتة.
وبحسب الهلال الأحمر، تم تحديد هوية وعائلات 10 أطفال منهم فقط، في انتظار تحديد أسر نحو 40 من الأطفال الباقين الذين فقدوا والديهم وحددت جنسياتهم على أنهم 7 أطفال من السودان اعترفت البلاد بـ4 منهم في أغسطس الماضي وتم ترحيلهم إلى البلاد، و6 أطفال من تونس، و15 طفلا من جمهورية مصر، وفتاة من السنغال، وفتاة والدتها بريطانية، كما يوجد 5 مجهولي الجنسية داخل المركز.
بصيص أمل
وبسبب هذا الوضع الإنساني المتأزم، قامت القوات الموالية لحكومة طرابلس السنة الفارطة بنقل هؤلاء الأطفال، المنتمين إلى جنسيات مختلفة، إلى مركز إيواء في مصراتة، وكان هؤلاء الأطفال عند وصولهم إلى المركز في «حالة مزرية جداً على الصعيدين النفسي والصحي»، بحسب ما قال علي الغويل، رئيس قسم الإعلام والتوثيق في جمعية الهلال الأحمر الليبي، فرع مصراتة، الذي أوضح أن هؤلاء الصغار عانوا لأشهر عدة من نقص في المياه والطعام والأدوية وقصف متواصل، وبات الخوف يستولي عليهم عند سماعهم أي ضجة.
كما يعاني البعض من إصابات خطرة «بأعيرة نارية في الرأس والصدر أو القدمين»، بحسب ما يقول الغويل خلال زيارة لفريق من وكالة الصحافة الفرنسية إلى المركز.
في هذا الصدد يروي علي أحمد، وهو أحد أفراد جمعية الهلال الأحمر، كيف حاول بفارغ الصبر أن يعيد البسمة إلى وجه الطفل أحمد الذي بترت يده وقاسى مآسي شديدة، وقال بهذا الخصوص:"كنت في كل مرة أحاول الاقتراب منه واللعب معه كي يعتاد عليّ". وبفضل هذه الجهود تغلب محمد على إعاقته اليوم، وأصبح يلهو مع أصدقائه في باحة المركز والبسمة تعلو وجهه قبل أن يرتمي في حضن علي أحمد.
ليبيا ترحّل
قال المستشار في الهلال الأحمر محمد أبوزقية لقناة 218 الليبية أن ليبيا ستسلم مصر خلال أيام 12 طفلًا من أبناء مسلحي داعش الذين قتلوا على يد قوات البنيان المرصوص أثناء معركة تحرير سرت. وأوضح أبوزقية في تصريحات صحفية أن هؤلاء الأطفال يقبعون تحت رعاية الهلال الأحمر منذ نهاية عام 2016 وتلقوا علاجًا نفسيًا لإعادة تأهيلهم ودمجهم فى المجتمع مجددًا.
وأشار المستشار في الهلال الأحمر إلى أن الفترة الماضية شهدت مراسلات عديدة بين الأجهزة الليبية والمصرية متمثلة في وزارتي الخارجية والسفارتين وبمتابعة من منظمة العدالة أولًا. وسيتم تسليم الأطفال إلى مصر بعد أن تم التأكد من هويتهم واكتمال برنامجهم التأهيلي.
ففي يونيو (حزيران) 2017، أعيد 8 أطفال سودانيين إلى الخرطوم، من بينهم طفل في عامه الأول. غير أن 15 طفلاً تقريباً من الجنسية التونسية أو المصرية ما زالوا عالقين في المركز، إذ لم ترد سلطات تونس والقاهرة على طلب الهلال الأحمر بإعادتهم إلى موطنهم.
ضغوط حقوقية
طالبت منظمة حقوقية تونسية، الرئيس الباجي قائد السبسي ورئيس حكومته يوسف الشاهد، بتشكيل لجنة خاصة تعمل على البحث في مصير أطفال «داعش» التونسيين المتواجدين في ليبيا.
وعبرت جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج في بيان لها عن قلقها العميق من استمرار المصير الغامض لأطفال قيادات «داعش» قتلوا في ليبيا، لكن أبناءهم محتجزون في معتقلات، دون أن تتحرك الجهات العليا لإعادتهم إلى بلادهم. ووجهت المنظمة نداءً إلى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورئيس مجلس النواب محمد الناصر ورئيس الحكومة يوسف الشاهد وإلى جميع مكونات المجتمع المدني الفاعل بتونس، للعب "دور إنساني وأخلاقي والتحرك من أجل توجيه مراكز القرار بالبلاد إلى الإسراع لإنقاذ الأطفال العالقين بالخارج، مع تشكيل لجنة دائمة في وزارة الشؤون الخارجية التونسية، مختصة بالبحث ومعرفة مصير التونسيين العالقين في ليبيا". كما طالبت بـ"تفعيل الدعوات الصادرة من عدة جهات، مطالبة بتنظيم مؤتمر وطني لمكافحة الإرهاب وإعادة تأهيل وإدماج التونسيين العائدين من بؤر التوتر في المجتمع".