منذ إجلاء 1800 شخص من حي "الكيلومتر 5"، أشهر أحياء المسلمين في بانغي، عاصمة أفريقيا الوسطى، يبدو من تبقى من المسلمين في هذا الحي، وهم يعدون على أصابع اليدين، يجوبون ركام البنايات المهدمة مثل أشباح هائمة على وجهها.
حياة هؤلاء تتأرجح بين ألم ومقاومة لكنهم يتشبثون بالحياة ويواجهون محناً وآلاما برباطة جأش على الرغم من إدراكهم أن من تسبب لهم في كل ذلك ليسوا سوى بعض من أبناء بلدهم.
في الكيلومتر 5 تتعايش مشاهد الموت والحياة بصفة يومية .. الرجال هناك يقاومون مرة، وتكسر الظروف إرادتهم مرات لكن نبل النفوس يخفي حجم المأساة.
"داود"، رجل خمسيني يدير محلا صغيرا لمواد البناء، لا يعرف اليأس إلى قلبه طريقا برغم "المجازر والوحشية التي لا تنمحي آثارها" على حد قوله.
يواصل الرجل ممارسة تجارته وخدمة زبائنه ومن بينهم أحد المسيحيين يزوره بصفة منتظمة.
يقول "داود"، وقد رمى كامل ثقله على كرسي، : "الحياة قصيرة كحلم ليلة صيف، بالنسبة لي، لا يوجد فرق بين مسيحي ومسلم، ما يفرق إنسانا عن آخر هو الانضباط واحترامه للآخر".
ليس جميع من تبقى في الكيلومتر 5 يتمتع بحظ "داود" فأغلبهم يجوب أكوام الركام باحثين عما يسد الرمق ومن بينهم أطفال شحبت وجوههم وبرزت أضلاعهم.
الرحلة في حي الكيلومتر 5 قاتمة، يعترضك العدم مع كل خطوة، بيْد أن بصيص الأمل قد يأتي من "ديزيري" شاب مسيحي صغير في الـ 15 من العمر ولا يمانع في التعامل مع المسلمين دون خوف أو وجل.
يقول "ديزيري": "أشتغل مع تجار الكيلومتر 5 منذ سنين، قبل أن يندلع الصراع، هم لطيفون ويعرفون تمييز الأشياء.. لم يمسوني أبدا بسوء على الرغم من كل ما جرى في أفريقيا الوسطى".
وأضاف الفتى قبل أن يختفي خلف ركامات الأبنية المهدمة: "أنا كونغولي ولست معنيا بالصراع، أتيت هنا لأجل لقمة العيش ولا أتدخل في شئ ، هم مدركون لذلك".