ما كاد العالم يفيق من فزع انتشار فيروس كورونا في العديد من الدول، بعد أخبار عن اكتشاف علاج ناجع له، حتى ظهر فيروس إيبولا، الذي عاود الرجوع في بعض الدول الأفريقية، حيث رصدت غينيا وفاة أربعة أشخاص على أراضيها، السبت 13/02/2021، جراء إصابتهم بعدوى فيروس إيبولا، في أول ظهور لهذا المرض منذ خمس سنوات في هذا البلد الأفريقي. وللإشارة، فيروس ايبولا حيواني ينتقل من الحيوانات إلى البشر، مثله في ذلك مثل فيروسات إتش آي في أوالإيدز وأنثراكس وسارس وإنفلونزا الخنازير والجائحات الأخرى التي ظهرت في السنوات الأخيرة. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية هناك خمسة أنواع من فيروس الإيبولا، وهي: بونديبوغيو و السودان وزائير وساحل العاج و ريستون.

ومن باب التذكير، ففي عام 2014 حصد وباء إيبولا أرواح مئات الفقراء في دول غرب أفريقيا، وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 11.300 شخص لقوا حتفهم، كما هدد الفيروس، حياة عشرات الملايين بالخطر، ومئات الملايين في قارتي أفريقيا وآسيا لو انتشر خارج حدود الدول المنكوبة، "وفقاً لبيانات دولية" وأمام بطء استجابة الدول الغنية (آنذاك) أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في الخامس عشر من شهر أكتوبر من العام ذاته أن الصندوق الدولي الخاص بمكافحة وباء إيبولا لا يحتوي سوى على 100 ألف دولار من أصل 20 مليوناً تم التعهد بتقديمها في البدء!

وتعاملت حينها شركات الأدوية العالمية الكبرى بجشع في مواجهة وباء إيبولا، حيث كان هدفها الأول ربح عشرات المليارات من الدولارات، ولم تتورع عن تحويل مجتمعات الدول الفقيرة في أفريقيا إلى مختبرات للتجارب على صنوف لقاحات وأدوية جديدة، يمكن أن يكون ضررها على البشرية أخطر بكثير من الأوبئة، وهذه لم تكن المرة الأولى، إذ أثيرت شكوك كبيرة حول مصداقيتها المهنية والتزامها بالقواعد الأخلاقية في مرات سابقة، فقد شككت جهات روسية وأوروبية غربية مختصة في حقيقة انتشار وباء "إنفلونزا الخنازير"، وانتقدت التهويل الإعلامي الغربي حول الوباء، وأشارت بعض الانتقادات إلى أحد المستشارين لـ"منظمة الصحة العالمية" في فضيحة الترويج لمنتجات لقاحات مضادة للحمات الراشحة ثبت عدم فاعليتها، ووقوفه في ذلك الوقت وراء قرار المنظمة الدولية الإعلان عن تحول "إنفلونزا الخنازير" إلى جائحة عالمية! واليوم ربما تحاول شركات الأدوية العالمية الكبرى أن تستغل الموقف لتحقيق أرباح طائلة على حساب فقراء أفريقيا...

اليوم، تنظر منظمة الصحة العالمية بقلق بالغ إلى كل حالة تفشٍ جديدة، وتعاملت مع أحدث تفشٍ في جمهورية الكونغو الديمقراطية على أنه حالة طوارئ صحية دولية. وأعلنت جمهورية الكونغو الديمقراطية، الأحد 15/02/2021، ظهور فيروس إيبولا مجددا في شرقي البلاد، إثر وفاة امرأة جراء هذا المرض بعد ثلاثة أشهر على إعلان انتهاء الموجة السابقة من الوباء. وكانت السلطات في البلاد قد أعلنت في 18 نوفمبر 2020 عن انتهاء الموجة الحادية عشرة من فيروس إيبولا في ولاية إكواتور، شمالي غربي البلاد، والتي أسفرت عن وفاة 55 شخصا من أصل 130 إصابة. والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا انتشرت الأوبئة في السنوات الأخيرة رغم تقدم الطب؟ وكيف أصبحت الفيروسات أشد فتكا وشراسة لهذه الدرجة؟

لا شك أن الكثافة السكانية على كوكب الأرض لها تأثير كبير في ذلك بعد أن أصبحت أكبر بكثير عما مضى، مما يعني أننا نزداد قربا من بعضنا البعض، خصوصا مع تطور وسائل المواصلات كالطائرات والسيارات والقطارات التي أصبحت تنقل الأفراد بكل سهولة من مجتمع لآخر، وبالتالي فإن هذا يسهل انتقال الفيروسات بين الدول مثلما حدث مع فيروس كورونا الأخير، الذي انتشر في عشرات الدول خلال أيام وجيزة، لا سيما أنه ينتقل عبر السعال والعطس، وهي وسائل نقل قوية في ظل صغر المساحة التي يعيش عليها البشر، فيكفي أن نعرف أن 4 مليارات شخص من أصل 7.7 مليار يعيشون على واحد في المائة فقط من مساحة الكوكب الأزرق. كما أن تصرفات بعض البشر الغريبة والمنافية للفطرة الإنسانية تتسبب في انتشار هذه الأوبئة كتناول الخفاش والثعبان الحي والحشرات التي كانت حاملة للمرض مما تسبب في انتقالها إلى الإنسان، بالإضافة إلى أن قطع واحتراق الغابات أدى إلى هروب الحشرات والفئران والحيوانات المريضة إلى الأماكن المأهولة بالسكان وساعد في انتقال الأمراض إليهم... إلى جانب إهمال عنصر النظافة من قبل البعض.

علينا أن نواجه حقيقة، أنه ورغم التقدم الذي وصل إليه العلم، إلا أنه ما زال يقف عاجزا أمام تهديدات الأوبئة والفيروسات التي توحشت بسبب الأدوية والمضادات الصناعية التي يتناولها الإنسان وتكيفت الفيروسات على مقاومتها... لذلك فإننا في حاجة لبرنامج صحي دولي يكافح تهديدات الفيروسات في مهدها ويساهم في احتواء الأزمة قبل تفشيها وتحولها لوباء بعيدا عن منطق الربح والخسارة الذي تضعه شركات الأدوية في الاعتبار عند مكافحة هذه الأمراض... ولكن بالطبع البداية تكون من التوعية بأهمية النظافة واتخاذ التدابير الوقائية لأن الوقاية خير من العلاج فحتى الآن أمكن السيطرة على الفيروسات التي تظهر بين الحين والآخر رغم وقوع الكثير من الضحايا، ولكن لا نعرف ماذا تخبئ لنا الأيام؟ وما الفيروس القادم ومدى قوته وشراسته؟

الآن بدأ فيروس ايبولا يطل برأسه ببعض الدول الأفريقية، وبدون استثمار جدي في نظم الصحة العالمية سنظل نواجه تفشي أوبئة مثل ايبولا وغيرها مع ما تحمله من عواقب وخيمة. ولبناء نظام عالمي فعال للأمراض المعدية مثل ايبولا أو غيره، لا بد من التأكد من أن الدول حول العالم تمتلك قدرة مراقبة لتحديد تفشي الأمراض قبل أن تخرج عن السيطرة، بمعنى تقديم المساعدة الفنية والمالية للدول النامية وفرض إجراءات مراقبة خارجية وحوافز لضمان بناء القدرة، كما نحتاج إلى ضمان استعداد منظمة الصحة العالمية لقيادة الرد على انتشار الوباء عندما تعجز القوى المحلية.
لا نحتاج فقط لمعرفة كيفية خلق نظام عالمي فعال بل أن هذا العمل مطلوب فعليا بموجب القانون الدولي. فتشريعات الصحة العالمية، ملزمة لكل دولة في العالم حيث تنص على وضع معايير لكيفية تتبع وإعلان والرد على تفشي المرض. وكان من المفترض أن تبني الدول قدرتها المطلوبة لاستيفاء هذه المعايير، ولكن الوقت يمر سريعا، بينما نحو ثلث دول العالم هي التي استطاعت الامتثال لتلك المعايير.

*كاتب صحفي من المغرب