تناول الأكاديمي الحقوقي الليبي فرج أطبيقة، جلسات محكمة الجنايات الدولية في موضوع الاستئناف الذي تقدم به فريق الدفاع عن سيف الإسلام القذافي، بشأن اختصاص المحكمة في النظر في قضيته المحالة من مجلس الأمن الدولي، وقدم تحليلا قانونيا ونقدا لما دار في الجلستين اللتين عقدتا يومي 11، 12 نوفمبر الجاري.
وقال أطبيقة، في تحليله الذي عنونه بـ "المعركة القانونية في الدفاع عن سيادة ليبيا" والذي خص بوابة افريقيا الإخبارية بنسخة منه، إنه من نافلة القول إن مسألة السيادة الوطنية(السياسية والعسكرية والاقتصادية....)هي أهم مايميز مفهوم الدولة وهي تماماً لاتختلف عن فكرة الشرف والعفة بالنسبة للإنسان الطبيعي، وأن كان عصر العولمة قد جعل من هذا المفهوم ينحسر ويضيق ولكنه موجود وحاضر طالما لازلنا نردد مفهوم الدولة الوطنية ونتحدث عن القانون الدولي الذي ينظم العلاقات بين تلك الدول.
وأردف لقد تابعت باهتمام جلسات محكمة الجنايات الدولية في قضية الاستئناف في شأن اختصاصها بالنظر في الدعوى المحالة لها من مجلس الأمن في قضية المتهم سيف الإسلام معمر القذافي، وعلى مدار يومين، لعدة أسباب:-
أولها:أن الموضوع يتعلق ببلادي وسيادتها القضائية.
ثانياً: مناهضتي الشخصية لهذه المحكمة منذ عام 2007 أي بعد خمس سنوات فقط من إنشائها، نظراً لطغيان الطابع السياسي عليها والانتقائية التي تتميز بها.
لقد كان اليوم الأول من الجلسات مخصصاً لفريق الدفاع وفريق الادعاء وحصل جدلاً قانونياً استبسل فيه كلا الطرفين كما جرت العادة في كل المحاكمات في الدفاع عن وجهة نظره، بينما فوجئنا في اليوم الثاني بحادثتين مهمتين أثنتين :-
الأولي: هي حضور ممثلين عن مجلس القبائل والمدن الليبية كمنظمة غير حكومية، تفوقت من وجهة نظري في إلمامها بالواقع والقانون على من يمثلون الدولة، ووقفت بالمرصاد لكثير من تلميحات الآخرين على قصور الدولة الليبية، وذلك تشريفا لليبيا وسيادتها.
الثانية: وهي الأهم والمفصلية هي حضور وزير العدل الليبي شخصياً أمام المحكمة، وذلك كان محل استغراب واستهجان الكثيرين لأنه لم يحصل أن حضر وزير دولة ما لجلسات المحكمة على حد علمنا إلا إذا كان متهماً، وتلك هي السقطة الأولي التي ما كان لقاضيٍ سابقاً و سياسيٍ حالياً يمثل العدل والقضاء في ليبيا أن يرتضِ لبلاده ولنفسه أن يوضع في هكذا موقف.
وأضاف الأكاديمي المتخصص في محكمة الجنايات الدولية، أن الوزير استعرض القوانين والجوانب القانونية بما يستشف منه اختصاص القضاء الليبي في النظر في القضية المعروضة، وانتقل بعد ذلك لاستعراض إنجازات وزارته في حماية المهاجرين واستحداث مناصب إدارية تُعنى بحقوق الإنسان وذلك لم يكن توقيته ولا مكانه، فهكذا استعراض يكون في جلسات المساءلة أمام الجهات المسؤولة على الرقابة على أعماله داخل البلاد، وقد يلتمس فيه العذر له، ولكن ما لا يمكن تجاوزه في كلامه، هو خروجه نحو منزلق مهاجمة مجلس القبائل والمدن الليبية وذكره للمنطقة التي ينتمي إليها وأنها معروفة بتركزها القبلي ثم انتقل إلى اتفاق الصخيرات وتنازع الشرعية في البلاد واختتمها بإطلاق النكت ومحاولة إضحاك الحاضرين في قاعة المحكمة عندما قال :بإنها ستطرح حياته وليس مدة سجنه، متناسياً أنه يمثل هيبة الدولة الليبية أو هكذا يفترض.
لقد كان عليه من وجهة نظري أن يكتفِ وزير العدل بحضور ممثل ليبيا لدى المحكمة د. الجهاني، وإن اضطر الأمر بتكلف مساعدين ومستشارين للآخير.
وأضاف اطبيقة، لم يتطرق الدكتور الجهاني إلا لمسألة قانونية واحدة وهي الحكم الغيابي(التهديدي) من الناحية القانونية، وعندما سُئل عن رأي الدولة الليبية في القضية أجاب: أن رأينا هو عدم المقبولية ولكن حكم الدائرة التمهيدية صحيح، وليس الدكتور الجهاني أستاذ القانون على مدى أربعة عقود بالذي يجيب، إجابتين متناقضتين على سؤال واضح ومحدد، حيث كانت إجابة د. الجهاني: أن القضاء الليبي هو المختص وفي ذات الوقت فأن محكمة الجنايات الدولية مختصة أيضاً، وهذا التناقض جعل من الحاضرين في القاعة في حيرة من أمرهم.. هل الدولة الليبية تدفع باختصاص قضائها بالنظر في القضية أم باختصاص محكمة الجنايات؟ .. بعد إصرار مكتب الادعاء على انتزاع إجابة واضحة أجاب الدكتور الجهاني بأن الدولة الليبية ترى باختصاص محكمة الجنايات الدولية بالنظر في القضية.
وتلك الإجابة للأسف تقودنا إلى نتيجة منطقية محددة في نظام روما الذي أنشأت المحكمة بموجبه وهي أن القضاء الليبي غير قادر أو غير راغب في النظر في القضية، وذلك يقودنا حتما طالما هذه هي وجهة نظر وزير العدل ومستشاره إلى التساؤل عن مصير الآلاف المحبوسين احتياطياً في ليبيا والمنظورة قضاياهم أمام القضاء الليبي، ومصير الهيئات القضائية الليبية وخبراتها المتراكمة عندما يصدر هكذا إيحاء من وزير العدل، الأمر الذي يعتبر مساساً بها، ولربما لو كان في دولة أخرى لرفعت قضايا ضده بإهانة القضاء والتفريط في سيادة البلاد.
قد لا يخالجنا شك في أن الوزير ومستشاره قد تعرضا لضغوطات سياسية محلية أو خارجية، ودليلنا في ذلك هو تضارب ما قدموه من مرافعات وماخلصوا إليه من نتيجة، إضافة إلى تلعثمهما ومحاولتهما الهروب من إعطاء إجابة محددة في شأن الاختصاص.
ختاماً ما كنا نتمني أن يصدر ذلك عن وزير العدل، وتلك هي سابقة خطيرة يتم فيها التنازل عن السيادة القضائية للدولة والذي يعتبر طعناً ضمنياً في جهازها القضائي، ولو اتجهت إرادة الدولة السياسية لمنح الاختصاص للمحكمة فما كان عليها سوى ترك ذلك للأجهزة الضبطية كما حصل في سوابق لدول أخري، دون الحاجة لصبغه بصبغة شرعية أساءت للجميع دولةً وقضاءً.
واختتم أطبيقة، بالقول: فإنه خلافاً لما يراه الكثيرون فإننا نري بأن المثول أمام محكمة الجنايات الدولية هو الأفضل للمتهمين من المحاكم المحلية في العموم من حيث الإجراءات والاحتجاز والأحكام، ولكن السيادة القضائية للدولة هي ما يجعلنا ننتصب للدفاع عنها أكثر من الدفاع عن أشخاص المتهمين.