مع استمرار انتشار فيروس كورونا المستجد، عبر ربوع العالم، وما صاحب ذلك من إجراءات احترازية، وصلت حد "العزل الصحي"، منعا لانتشار الفيروس.

وفي ظل الظرفية التي يجتازها المغرب جراء جائحة كورونا وتداعياتها، ارتأينا  استضافة الدكتور عبد السلام فزوان أستاذ التعليم العالي بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط، للرد على مجموعة من الاسئلة  التي تراود بعض المواطنين حول التدابير التي اتخذها المغرب لمحاصرة وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيدـ19)، لاسيما تلك المتعلقة بمدى فعالية "  الحجر الصحي" الذي بادر المغرب لإتخاذه كإجراء احترازي ووقائي منذ البداية.

وفي هذا الصدد، تحدث الدكتور عبد السلام فزوان (استاذ التعليم العالي بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي)، عن فعالية التدابير التي اتخذتها العديد من البلدان كالحجر الصحي ، حالة الطوارئ الطبية ، العزلة الطبية ، حظر النزهات غير الضرورية ، حظر التنقل بين المدن ، حظر التنقل بين الأحياء ، ... إلخ ،(تحدث) عن خطورة غزو فيروس كورونا المستجد التي تكمن في سرعة وسهولة انتشاره بين الناس بشكل مقلق  خاصة في ظل توفر سبل التفشي.

 أستاذ التعليم العالي بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط،  أبرز أن الفيروس  لم يعد مرتبطا فقط بالحالات المستوردة بل بدأت الحالات المحلية تكتسب مكانة كبيرة،  حيث تكثر الحالات مع وجود شخص مصاب في تجمع من السكان مهما كان حجمه، كالمدارس والأسواق والأماكن العامة (بما في ذلك المقاهي وأماكن العبادة والملاعب الرياضية ووسائل النقل العام والخاص، إلخ).

وأضاف المتحدث، في هذا الصدد ، أنه من المهم توضيح أهمية تكاثر حالات الاصابة في ظل البيئة الخصبة مما يعني مثلا أن 10 أشخاص مصابين ، يترددون على اماكن عامة بحرية ، سيصيبون 15 شخصا في المتوسط كل يوم، مشيرا إلى أن فترة الحضانة لا تتعدى من 4 إلى 5 أيام قبل أن تصبح نفسها حالات تحمل الفيروس، وبالتالي تتكاثر عدد الحالات بعد 4 إلى 5 أيام إذا لم يتم حظر الحالات المصابة ، حيث تتزايد الأرقام ، لذا من المهم التأكيد على أن عزل الحالات المصابة ضروري لمنع انتشار الفيروس.

واستدل الاستاذ الجامعي بحالات البلدان التي لم تتخذ أي تدابير لمنع الانتشار السريع للفيروس أو التي تخلفت عن الركب إلى أن لاحظت زيادة سريعة في عدد الحالات المصابة.

الأستاذ الجامعي، أكد على ضرورة احترام المواطنين للتدابير المتخذة، وتوقف  عند الوضعية  التي عاشتها الصين ، الدولة الأولى المتضررة من هذا الوباء قبل أن تصبح جائحة ،حيث وضعت مقاطعة هوبي تدريجيا تحت الحجر الصحي. قائلا:" في 23 يناير، كان الحجر الصحي يخص 3 مدن يبلغ عدد سكانها حوالي 20 مليون نسمة (بما في ذلك مدينة ووهان ، مركز الوباء)" مضيفا أن الصين سجلت في اليوم السابق ، أي 22يناير 571 حالة تراكمية مؤكدة، لتعرف الأيام التي تلت ذلك زيادة سريعة بلغت 830 (23 يناير) ، 1287 (24 يناير) و 1975 (25 يناير)، وظل وزن مقاطعة هوبي كبيرا فوق 80 في مائة من الحالات المؤكدة التراكمية، و تم تمديد الحجر الصحي إلى 12 مدينة أخرى في المقاطعة في 24 يناير (لاحتواء حوالي 46 مليون نسمة). في 25 يناير /  تم الحجر الصحي على مقاطعة هوبي بأسرها ، والتي يبلغ مجموع سكانها 56 مليون نسمة.

وتضمنت الإجراءات المتخذة حظر دخول ومغادرة المقاطعة والتنقل بين مدن المحافظة ، وتعليق وسائل النقل العام بالحافلات والمترو، وإغلاق مناطق الترفيه العامة، كما أغلقت مقاطعة بكين، على بعد ألف كيلومتر من ووهان ، أبوابها حتى إشعار آخر لحمايتها من انتشار فيروس ،  فضلا عن إلغاء احتفالات رأس السنة الصينية في 25 ينايرمع إجراء لتمديد نهاية إجازة العام الجديد لمدة 3 أيام للحد من مخاطر العدوى.

توقف  محاورنا ،أيضا عند الحجر الصحي في منطقة لومباردي الإيطالية، قائلا:"قررت إيطاليا الحجر الصحي في منطقة لومباردي في 22 فبراير، عندما زاد عدد الحالات المؤكدة من 21 إلى 79 حالة، وبعد أسبوعين ، بالضبط في 8 مارس ، تم تمديد الحجر الصحي إلى 14 مقاطعة ب4 مناطق على حدود لومباردي ، ليصل عدد السكان تحت الحجر الصحي إلى 16.5 مليون نسمة،  وقد ارتفعت عدد الحالات المؤكدة إلى 7375 ، وهو مضاعف بحوالي 100، إذ ذاك تم الإعلان عن الحجر الصحي الوطني في اليوم التالي (9 مارس) لتغطية 62.5 مليون نسمة في إيطاليا، و في هذا التاريخ ، ارتفع عدد الحالات المؤكدة إلى 9172 ، أي أن عدد الحالات الجديدة يبلغ حوالي 1800 حالة، وبعد عشرة أيام ارتفع عدد الحالات الجديدة إلى حوالي5300 في( 9مارس) إلى 6000 (20 مارس) وإلى 6500 ( 21 مارس)، مضيفا أنه لم يتم تعميم الحجر الصحي على الدولة بأكملها إلا اعتبارا من 22 فبراير مما يعني (تأخير 16 يوما) وهذا أدى إلى تزاد عدد كبير من الحالات المؤكدة حيث اصبحت إيطاليا  تعيش مشكلتين، انتشار الفيروس الذي سيستمر ثلاثة أسابيع على الأقل قبل أن يستقر، وستتجاوز عدد الحالات المصابة المؤكدة العدد المسجل للصين (81000).

والمشكلة الثانية تتعلق بمدى بقدرتها على رعاية مجموعة كبيرة من المرضى والعدد الكبير من الوفيات المسجلة وكذلك معدل الوفيات الذي يمثل ضعف المعدل المسجل في الصين، وهذا يشكك في نظامها الصحي من حيث الرعاية الطبية والحالات المعتدلة وإنعاش الحالات الشديدة.

كما توقف الاستاذ فزوان، عند حالة الطوارئ الصحية التي اعلنتها الجارة إسبانيا، قائلا:" أعلنت إسبانيا حالة الطوارئ الصحية في 15 مارس بعدما سجلت في 14 مارس عددا من الحالات المؤكدة .

واليوم يتجاوز عدد الحالات المؤكدة التراكمية 28600 حالة ، ويتضاعف أربع مرات في أقل من 10 أيام، وأظن أن الأمر يستغرق ثلاثة أسابيع على الأقل قبل أن يستقر الوضع.

نفس الامر يتعلق بالحجز الصحي في فرنسا، يستطرد محدثنا،  التي أصدرت قرارا بفرض الحبس الصحي اعتبارا من 17 مارس  حيث اتخذ القرار مساء يوم 16 مارس بعد تسجيل 6633 حالة مؤكدة بفيروس كوفيد ـ 19 ، وهو التاريخ الذي تجاوز فيه عدد الحالات الجديدة ألف حالة ،بعد ستة أيام ، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 16018 ، وحالات الإصابة بالفيروس في تصاعد مستمر..

يظهر تحليل هذه التجارب الأربع  ـ يتابع الاستاذ فزوان ـ أن الصين قامت بتعميم الحجر الصحي حيث لم يتجاوز عدد الحالات الجديدة ألف حالة ، و فرنسا اتخذن القرار بعد تجاوز طفيف لـ 1000 

في ما التجربتين اللتين تهمان إيطاليا وإسبانيا في الحجر الصحي الكلي وحالة الطوارئ الصحية على التوالي فقد اتخذت بمجرد تجاوز عدد الحالات الجديدة  2000.

والحالات الأربع تتضمن معطيات مختلفة وعمليات متباينة ، خاصة فيما يتعلق تتعلق بعدد الأسابيع لتثبيت عدد الحالات المصابة بالفيروس المؤكدة وبخصوص الإجراءات الوقائية التي اتخذها المغرب لمكافحة انتشار فيروس كوفيد 19 بين 14 و 21 مارس. 

فالقرار الأول ، الذي اتخذ في 14 و 15 مارس ، يتعلق بتعليق الرحلات الجوية مع عدة دول، كان الهدف منه التقليل من الحالات المستوردة إلى لا شيء. 

والقرار الثاني ، المنفذ ابتداءامن 16 مارس، والذي يهم تخفيض التجمعات، كتعليق التعليم في المدارس، واستبداله بالتعليم عن بعد ، وإغلاق المساجد للصلاة اليومية وللصلاة الجمعة، وإغلاق العديد من الخدمات (المقاهي، المطاعم، الحمامات، إلخ). 

والقرار الثالث، والذي صدر في 20 مارس ويتعلق بحالة الطوارئ الصحية، لتنظيم عزل الأسر وبالتالي تقليل خطر انتشار الفيروس. 

أما الإجراء الأخير، الذي دخل حيز التنفيذ في 21 مارس، والذي عزز تجميع السكان، وحظر التنقل بين المدن.

وتفاعلا مع جهود احتواء فيروس كورونا المستجد، اتخذ المغرب جميع هذه التدابير في وقت لم يتجاوز فيه عدد الحالات المؤكدة عشرات الحالات، ورافق هذه الإجراءات إجراءات بزيادة  عملية التحسيس عبر وسائل الإعلام الرسمية والتي  شددت على الإمتثال لهذه الإجراءات علاوة على التوعية بقواعد  النظافة التي انطلقت منذ ظهور الحالة الأولى في 2 مارس.

 وشدد الأستاذ الجامعي على ضرورة  الامتثال لهذه التدابير الوقائية والإجراءات الإحترازية لوقف انتشار الفيروس، قائلا أعتقد أنه من الواحب علينا الوعي بأن الوقت  ليس مناسبا للسماح للمواطنين القيام بالأفعال التي يقومون بها في الوضع الطبيعي، فخروج  فرد واحد لكل أسرة في الأسبوع تكفي للتسوق..

كما أن حظر التنقل بين المدن هو إجراء سيكون له أيضا تأثير إيجابي على الحد من الحالات الجديدة المصابة بفيروس علاوة على أن هذا الإجراء سيؤدي إلى تجنب تنقل المواطنين المصابين من منطقة إلى أخرى ، وهو إجراء سيتم دمجه مع تقييد التنقل داخل منطقة المعيشة لجعل حاجز الفيروس أكثر فعالية.

ورغم أن عدد الحالات المؤكدة في المغرب حتى الآن بلغت 556 (إلى حدود 30 مارس) إلا أن هذا الرقم ليس مقلقا في ضوء التدابير المتخذة، وأعتقد أن تزايد الحالات المصابة بالفيروس لن تصل إلى ما وصلت إليه الدول المجاور إذا التزمنا بالتقيد بالإجراءات المتخذة.