يعتبر إيجاد تسوية توافقية من أكبر رهانات الأزمة الليبية التي مازالت تراوح مكانها في ظل تواصل حالة الإنقسامات والتشرذم والانسداد السياسي.وفي مسعى جديد لتكرار تجربة الوساطة الفرنسية والايطالية لحلحلة الأوضاع في ليبيا، تستعد ألمانيا لتنظيم مؤتمر دولي من أجل الوصول إلى تسوية سياسية تنهي الأزمة التي حلت بالبلاد منذ سنوات.
ونشطت الدبلوماسية الإلمانية مؤخرا في إجراء محادثات مع الأطراف المعنية بالملف الليبي،وهو ما أكدته جولة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في كلّ من ليبيا وتونس ومصر من مسعى لضمان توحيد المواقف السياسية وتهيئة الأجواء المناسبة لنجاح مؤتمر برلين الخاص بالأزمة الليبية الذي سيضم قادة عدة دول قبل نهاية العام الجاري.
والتقى المسؤول الألماني،الثلاثاء، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي،وتطرق اللقاء إلى "مناقشة التطورات المتعلقة بعدد من القضايا الإقليمية (...) وفي مقدمتها الأوضاع في ليبيا، حيث تم التوافق حول تضافر الجهود المشتركة بين مصر وألمانيا سعياً لتسوية الأوضاع في ليبيا".وتناول الجانبان "كافة جوانب الأزمة الليبية، بما يساهم في القضاء على الإرهاب، ويحافظ على موارد الدولة، ومؤسساتها الوطنية، ويحد من التدخلات الخارجية".
وأعلن وزير الخارجية الألماني،أن بلاده تحتاج لدعم مصر للوصول لحل مستدام في ليبيا، موضحًا أن القاهرة لها دور محوري كبير في المنطقة، وبإمكانها المساعدة في إنجاح مؤتمر برلين لطرح حل سياسي للأزمة.وأكد ماس في مؤتمر صحفي بالقاهرة، مع نظيره المصري، سامح شكري، أن بلاده تثمن دور مصر الكبير في الشرق الأوسط ودورها في المصالحة الفلسطينية.
تحظى الأزمة الليبية باهتمام عميق من قبل القيادة المصرية وكافة المؤسسات المعنية،حيث تعد مصر محطة محورية في أي محادثات للسلام بين الفرقاء الليبيين.وتسعى الدبلوماسية المصرية إلى جمع الليبيين على طاولة واحدة، بحثا عن الوئام السياسي وإنقاذ البلاد من مخاطر الإرهاب وحل الأزمات العالقة..
وتشير مصر دائما الى أن الطريق الأنجع لحلّ الأزمة، يكمن في توحيد مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، وانهاء نفوذ المليشيات المسلحة وحث الدول الداعمة لها على وقف مساعداتها، والاستفادة من مجلس النواب كجسم سياسي شرعي ومنتخب، والانفتاح على جميع الأطياف الليبية المؤثرة.
وقبل مصر،زار وزير الخارجية الألماني تونس حيث بحث مع الرئيس التونسي قيس سعيّد،الوضع في ليبيا والاستعدادات الألمانية الجارية لتنظيم مؤتمر برلين لحل الأزمة الليبية.وذكرت الرئاسة التونسية، أن الجانبين استعرضا المشاورات التي تجريها ألمانيا مع عدد من الدول المعنية، لبلورة رؤية مشتركة، تضمن نجاح مؤتمر "برلين"، وتساهم في إيجاد حل سياسي دائم للملف الليبي.
وأبلغ وزير الشؤون الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، نظيره الألماني هايكو ماس بأهمية حضور بلاده مؤتمر برلين حول ليبيا المزمع عقده قريبًا، مؤكدًا أن مشاركتها في أي مسار هادف إلى إيجاد حل للأزمة "ضروري".وقال الجهيناوي في مؤتمر صحفي عقده مع ماس بمقر وزارة الخارجية التونسية، الإثنين، إن الملف الليبي أساسي وجوهري بالنسبة إلى تونس،"نظرًا لتأثيره على أوضاعها الأمنية والاقتصادية والسياسية، وهو ما يستوجب حضورها في أي مسار أو مبادرة تهدف إلى إيجاد حل للأزمة الليبية".
وتابع، في رد على سؤال حول عدم توجيه ألمانيا دعوة لتونس لحضور المؤتمر المزمع عقده في برلين حول ليبيا، إن "ألمانيا تعرف موقف تونس من هذه المبادرة الألمانية، ونحن نتفهم التوجه الذي ستنتهجه ألمانيا، وأبلغناها بأهمية حضور تونس هذا المؤتمر، كما تحدثنا في نيويورك مع مختلف القوى بشأن هذا الموضوع"، حسبما نقلت وكالة الأنباء التونسية.
وتعتبر تونس من أشد الدول تأثرا بما يجري في المشهد الليبي بالنظر إلى الترابط الوثيق بين البلدين على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما دفع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، خلال شهر فبراير 2017 مبادرة لإيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية، وحظيت تلك المبادرة بدعم مصر والجزائر، لتتحول بذلك إلى مبادرة ثلاثية، دعمتها الجامعة العربية خلال القمة التي عقدت في منطقة البحر الميت بالأردن في مارس من نفس العام.
كما اجتمع وزير الخارجية الألماني، مساء الأحد، في مدينة زوارة القريبة من الحدود التونسية، مع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج وبحث معه تطورات الوضع في ليبيا، والاستعدادات الجارية لتنظيم مؤتمر دولي.وأكد وزير خارجية ألمانيا، في بداية الاجتماع على دعم بلاده للمسار السياسي، ومساعدة الشعب الليبي على اجتياز الأزمة الراهنة، مجددا حرص المانيا على العمل مع حكومة الوفاق لتحقيق الاستقرار في ليبيا.مشيرا في ذات الوقت الى دعم بلاده لخطة المبعوث الأممي لحل الأزمة الليبية.
من جانبه أكد رحب السراج،بمؤتمر برلين، مشيرا إلى أهمية الاستفادة من الأخطاء الماضية، وضرورة بحث وتقييم أسباب اخفاق اللقاءات التي عقدت في السابق في تحقيق تقدما على الأرض.وأشار السراج، إلى أن الانقسام الدولي شجع بعض الأطراف على عدم الالتزام بمخرجات المؤتمرات السابقة، وعرقلة محاولات الوصول إلى تسوية.
وتشير هذه التحركات الدبلوماسية الى محاولات ألمانية جادة نحو ايجاد دعم من دول الجوار الليبي خاصة في ظل تباين مواقف القوى الدولية من الأزمة الليبية.وكشف غسان سلامة رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا الاثنين، عن أهمية "ترميم مواقف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين)، لأن الانقسام الحاد داخله أعاق الحل".وأشار إلى أن مجلس الأمن الدولي اجتمع 14 مرة منذ أبريل الماضي، ولم يصدر قرارا واحدا بخصوص الحرب، أو الدعوة إلى وقف إطلاق النار".
ويشير مراقبون الى أن موقف ألمانيا التي امتنعت عن التدخل في الأزمة الليبية منذ بدايتها عام 2011، حتى إنها قد رفضت التصويت على قرار مجلس الأمن آنذاك الداعي للقيام بعمل عسكري لحماية المدنيين في ليبيا،يجعل منها وسيطًا مقبولًا بدرجة كبيرة من أطراف الصراع وكذلك من أغلب القوى الدولية والإقليمية، بيد أن الرغبة الألمانية تُواجَه بعقبات متعددة قد تحدّ من فاعليتها.
وبالرغم من اقرار أغلب المتابعين للشأن الليبي بضرورة انهاء الصراعات بين الفرقاء والعودة الى طاولة الحوار،فانهم يشيرون بالمقابل الى أن أي مبادرة أو حلول لا يمكن أن تنجح في تسوية الأزمة الليبية اذا لم ينتهى نفوذ المليشيات المسلحة التي تمثل عائقا جوهريا أمام تحقيق الاستقرار في البلاد.وكشفت معركة طرابلس ارتباط هذه المليشيات بأجندات خارجية لدول على رأسها تركيا وقطر التين تسعيان لاطالة أمد الفوضى في البلاد والابقاء على حلفائهما في السلطة في طرابلس.